رسول اللّه وأمير المؤمنين لم ينتصرا بالغيبيات فقط، وإنّما انتشر الدين وهُدي الناس وطُبقت أحكام الشرع بالطريق الطبيعي الذي جعله اللّه تعالى، فعندما أعلن النبي الأكرم دعوته أراد المشركون قتله فهاجر، وعندما هاجم المشركون على المسلمين دافعوا عن أنفسهم، وانتصروا عندما عملوا بأوامر النبي في غزوة بدر...
قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ}(1).
من سنن اللّه سبحانه وتعالى التي لا تُبدّل ولا تُغيّر هي أن الحق الصحيح الثابت يفرض نفسه في نهاية الأمر، مهما طال الزمن وبالرغم من محاولات القضاء عليه، وأن الحق لا يزول على الرغم من أن وسائل المبطلين قوية جداً في الظاهر، ولكنها ضعيفة في الواقع، قال تعالى: {إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا}(2).
السنن التكوينية والتشريعية
فسنّة اللّه سبحانه وتعالى في هذا الكون تفرض نفسها، سواء في الأمور التكوينية أم الأمور التشريعية، فلا يوجد خلل في الكرة الأرضية، وإذا حدث خلل فبسبب الناس، قال تعالى: {ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ}(3)، فأي خلل يحدث في أي مكان في الأرض فسوف ينتهي ويصلح، لأن طبيعة الأرض وطبيعة القوانين الحاكمة على الكرة الأرضية تقتضي إصلاح ذلك الخلل، فنحن نسمع في الأخبار عن وجود التلوّث البيئي وتلوّث البحار، لكن هذا التلوّث يزول بمرور الزمن من تلقاء نفسه؛ لأن القانون الفيزيائي التكويني الحاكم على الكرة الأرضية هو الذي يرجع الأرض إلى ما كانت عليه. هذا بالنسبة إلى التكوين، وكذلك بالنسبة إلى التشريع.
إلّا أن الفرق بين القانون التشريعي والتكويني هو أن اللّه سبحانه وتعالى يجري القانون التكويني شئنا أم أبينا، بينما يأمرنا اللّه سبحانه وتعالى بالقانون التشريعي، ونحن مختارون، فإن شئنا أطعنا وإن شئنا عصينا، فالقانون التشريعي يعني النظام الذي ارتضاه اللّه للناس، وخلقهم منسجمين معه، وهذا النظام التشريعي يفرض نفسه حتى إذا عارضه الناس.
غلبة الإسلام على الأديان
هناك آيتان في القرآن: إحداهما في سورة التوبة والأخرى في سورة الصف: {هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ}(4)، واللام في (ليظهره) لام العاقبة، أي: إن النتيجة هي أن هذا الدين سيتغلّب على جميع الأديان، وهذا ليس مجرد أمر غيبيّ وإنّما يقع هذا النصر ضمن القانون الطبيعي أيضاً، فدين الإسلام هو دين الحق، وقوانينه حقّ ومتطابقة مع النظام التكويني لفطرة الإنسان، ومتطابقة مع تركيبة الإنسان، فلذا سوف تفرض هذه القوانين نفسها ولو بعد حين.
صحيح، أن هذا الأمر سيتحقّق حين ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لكن الإمام (عليه السلام) عندما يظهر يسير بسيرة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام).
كيفية عمل الرسول وأمير المؤمنين (عليهما السلام)
إن رسول اللّه وأمير المؤمنين (عليهما السلام) لم ينتصرا بالغيبيات فقط، وإنّما انتشر الدين وهُدي الناس وطُبقت أحكام الشرع بالطريق الطبيعي الذي جعله اللّه تعالى، فعندما أعلن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) دعوته أراد المشركون قتله فهاجر، وعندما هاجم المشركون على المسلمين دافعوا عن أنفسهم، وانتصروا عندما عملوا بأوامر النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة بدر، ولكنهم انهزموا عندما خالفوا أوامره في غزوة أحد، وأمّا في غزوة حنين ففي البداية خالفوا أمر الرسول فانهزموا: {وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ}(5)، إلّا أنهم عندما رجعوا لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) نصرهم اللّه سبحانه وتعالى.
والانقلاب الذي حدث بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يكن خارجاً عن المعادلات الظاهرية، حيث جاءوا بقبيلة أسلم حتى تضايقت بهم أزقة المدينة(6)، وهجموا على دار أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحينما خذله أكثر الناس لم يخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسيف، وحينما وجد أنصاراً قام، إلّا أنه نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون، فتعامل معهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالتعامل الشرعي، فحينما ذهبوا إلى البصرة واحتلوها وقتلوا خمسين شخصاً من المؤمنين، واستولوا على بيت المال، وقبضوا على والي الإمام (عليه السلام) في البصرة ونتفوا لحيته، حين ذلك خرج من المدينة إلى ذي قار، وبقي هناك خمسة عشر يوماً، وأرسل الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار بن ياسر إلى الكوفة لكي يحثّوا الناس على الالتحاق بجيش أمير المؤمنين (عليه السلام)، فجيّشوا جيشاً والتحقوا بالإمام (عليه السلام)، وبعد ذلك ذهب إلى البصرة. وكذلك الحال في صفين والنهروان(7).
والحاصل: إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) سار بالطرق الطبيعية، لكن بسبب خذلان الناس حدثت أزمات ومشاكل.
لو تأملنا لوجدنا أن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) محارب منذ العهد الأوّل وإلى يومنا هذا، فقد ارتكبت أبشع الجرائم ضد أهل البيت (عليهم السلام) وأنصارهم على طول التاريخ، فقد كانوا مضطهدين في كل المناطق، وقد قتلهم الأعداء في كل مكان.
لكن سيفرض مذهب أهل البيت (عليهم السلام) نفسه ولو بعد حين.
آية الغار
وهذا لا يعني أننا لسنا مكلّفين، بل يجب علينا السعي في ذلك دائماً، والآية تشير إلى هذه الحقيقة حيث قال اللّه تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ} فإذا خذلتم الرسول (صلى الله عليه وآله) فهذا لا يضرّه وحيث إن المثال لا بدّ أن يتطابق مع المُمثل، فالرسول (صلى الله عليه وآله) كان وحده، وحتى من كان معه لم ينصره.
ثم قال اللّه تعالى: {إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ...} حيث أخرجه كفار قريش وحده، ولم يخرجوا صاحبه، لأنهم أرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله)، إن الإخراج يتحقق بإحدى طريقتين: إمّا أن يمسكه الأعداء ويخرجوه ويبعدوه، وإمّا أن يفعلوا فعلاً يضطرّ للهجرة والخروج، وقد نصر اللّه رسوله (صلى الله عليه وآله) ولم ينصر غيره؛ لذا قال تعالى: {إِذۡ أَخۡرَجَهُ} ولم يقل: (إذ أخرجهما).
نعم كان النبي (صلى الله عليه وآله) وصاحبه في الغار: ولذا قال سبحانه: {ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ} الرسول (صلى الله عليه وآله) وصاحبه، {إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ}. إن البعض يستدل بهذه الآية على فضيلة للصاحب، لكن وجود نفرين في مكان واحد ليس دليلاً على فضيلة الصاحب، وإلّا فمسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) هو أفضل من الغار وكان فيه المؤمنون والمنافقون، فإذا كان وجود شخص مع الرسول دليلاً على فضيلته لكان وجود المنافقين مع الرسول في المسجد فضيلة لهم؛ لأنهم كانوا مع الرسول في المسجد، وهو أفضل من الغار. إذن، فصحبة نفرين لا يعد فضيلة؛ لأنه يمكن تحقق صحبة المؤمن مع الكافر، والكافر مع الكافر، والمؤمن مع المؤمن.
ثم قال اللّه تعالى: {إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ} والمعية في القرآن تستعمل أحياناً بمعنى معية النصرة، وأحياناً تستعمل بمعنى معية الإطلاع، كما في قوله تعالى: {يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ}(8)، فهذه معية العلم، أي: إن علم اللّه سبحانه وتعالى مع كل شيء، قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ}(9)، وعليه فقوله: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ} بمعنى معية علم اللّه بحالنا، وأنه سوف ينجينا من هذه المشكلة، فهل يعتبر هذا فضيلة؟ كلا، لأن اللّه كما ينجّي المؤمنين كذلك ينجّي المشركين والكفار أيضاً كما قال: {فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ يُشۡرِكُونَ}(10).
ثم قال اللّه تعالى: {فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ} فقد أنزل اللّه سبحانه وتعالى السكينة على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقط، ولم يقل: (فأنزل سكينته عليهما) مع أن السكينة في القرآن كلّما نزلت على الرسول (صلى الله عليه وآله) نزلت على المؤمنين، قال تعالى: {وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ}(11)، وكذلك في سورة الفتح: {فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ}(12)، وقال أيضاً: {هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ}(13)، لكن المورد الوحيد الذي نزلت السكينة فيه على الرسول (صلى الله عليه وآله) دون الصاحب هو في آية الغار، حيث قال تعالى: {فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ} أي: على الرسول (صلى الله عليه وآله) دون الصاحب، وهذه قرينة على أنه لم يكن مؤمناً أصلاً، كما أنها قرينة أيضاً على أن المعية في (معنا) ليست بمعنى النصرة والتأييد، وإنّما معية العلم والنجاة من الهلكة.
إن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان في أشد الحالات من حيث الضعف الظاهري، فقد كان مطارداً في غار، وليس معه سلاح، وإنّما معه شخص لم ينصره؛ حيث قال اللّه: {فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ}، ولم يقل: (فقد نصره اللّه ونصره صاحبه) ففي أشد حالات الضعف الظاهري نصر اللّه سبحانه وتعالى رسوله، ولكن ضمن القاعدة العامة، وهي: إن الحق يفرض نفسه، وإذا نزلت مصيبة أو مشكلة في يوم من الأيام فإن هذا لا يؤدّي إلى زوال الحق، لأن اللّه يمتحن الناس، قال تعالى: {أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ}(14)، والامتحان ينتج المشاكل: {أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُـواْ حَتَّىٰ يَقُـولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُـواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ}(15)، أو كما في قوله تعالى في قضية طالوت: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ}(16).
تكليفنا في نشر الدين
إن اللّه سبحانه وتعالى سينصر هذا الدين شاء الكفار أم أبوا، لكن هذا لا يرفع التكليف من عاتقنا.
إن بعض الناس يتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتركون هداية الناس؛ لأنهم يتصورون أن ذلك وظيفة الإمام المهدي (عليه السلام) حينما يظهر ولا وظيفة لهم!
صحيح، إن اللّه سيأمر الإمام المهدي (عليه السلام) بالظهور، وقد ادّخره لإقامة العدل في كل الأرض، لكن هذا لا يعني أن يتخلى الإنسان عن تكليفه، فإنه لا يصح أن يقول قائل: أنا لا أصلي صلاة الصبح ـ مثلاً ـ لأن الإمام يأتي ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً. إن هذا المنطق غير صحيح؛ لأنه يجب علينا أن نؤدّي واجباتنا حتى لو فرض أنا علمنا بأن الإمام (عليه السلام) سيظهر غداً؛ لأن هذه الواجبات مطلقة وليست مشروطة بشيء، فعلى كل فرد منّا أن يساهم في نشر الدين، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»(17)، فمن يتمكن أن يساهم في نشر الدين بماله فيلزم عليه ذلك، ومن يتمكن من ذلك بكلمة فليساهم، وهكذا....
نعم، مقدار التمكن وكيفيته تختلف من شخص لآخر.
إن الدفاع عن الحق لا ينحصر في أسلوب واحد فقط، بل يمكن ذلك من خلال الكلمة، والكتابة والإعلام وغيرها، وهناك طرق متعددة للدفاع عنه، فلو لم يدافع الإنسان وهو يستطيع ذلك فسوف يكون ضمن سجل الظالمين، ولذا ورد في أدعية الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللّهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره»(18)، فإذا ظلم شخص وأنا حاضر ولم أنصره فسوف أحشر يوم القيامة مع الظالمين لهذا المظلوم، وهذا يعني أنه يجب علينا أن ننصر المظلوم العادي إن كان ذلك باستطاعتنا، وكلٌ بطريقته الخاصة، فما بالك إذا كان ذلك المظلوم الإمام المنصوب من قِبل اللّه تعالى.
والحاصل: أن دين الحق سيفرض نفسه ولو بعد حين، على رغم كل المشاكل، لأن اللّه سبحانه وتعالى يقيّض أناساً لنصرة هذا الدين، لكن إذا ساهم كل واحد منّا فقد أدّى التكليف الذي عليه، ويكون قد عجّل في النتيجة؛ لأن سرعة أو تأخير ظهور الإمام (عليه السلام) مرتبط بأعمالنا، فقد يكون من أسباب تأخير الظهور عدم وجود أنصار للإمام المهدي (عليه السلام)، فأمره اللّه تعالى بالغيبة، وحينما يجد أنصاراً بالمقدار الكافي قد يأمره اللّه تعالى بالظهور.
كما أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لم يكن مأموراً بالجهاد في مكة لعدم وجود الأنصار، لكن عندما هاجر إلى المدينة أصبح عنده أنصار، ولذا اُمر بالجهاد فأنزل اللّه تعالى قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ}(19).
وهكذا حال أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول: «فرأيت أن الصبر على هاتا أحجا، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا»(20)، لكن بعد مقتل عثمان وجد الأنصار، لذا قال (عليه السلام): «فما راعني إلّا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم... أمّا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»(21).
ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
لقد ورد في بعض الروايات أنه للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ثلاثمائة وثلاثة عشر من الأنصار، وهؤلاء هم الحلقة المقرّبة إلى أن يكملوا عشرة آلاف فعن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال: قلت لمحمّد بن علي بن موسى (عليهما السلام): «إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم، ما منّا إلّا وهو قائم بأمر اللّه عزّ وجلّ، وهادٍ إلى دين اللّه، ولكن القائم الذي يطهر اللّه عزّ وجلّ به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ}(22) فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر اللّه أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن اللّه عزّ وجلّ، فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضى اللّه عزّ وجلّ...»(23).
والإمام (عليه السلام) إذا أراد أن يحكم العالم فلا بدّ له من أعوان وولاة وقضاة وجنود، ويجب أن يكون هؤلاء في قمة العلم والورع والتقوى، وأمّا تأخير ظهوره فمن أسبابه أن هؤلاء الجنود غير موجودين لحدّ الآن.
والحاصل: أنه ينتصر لكن تقريبه أو تأخيره بأيدينا، وعلينا أن نحاول، فلو وصل إنسان إلى تلك الدرجة الرفيعة بأن صارت له القابلية أن يكون من الثلاثمائة والثلاثة عشر أو من العشرة آلاف ثم مات قبل ظهور الإمام (عليه السلام)، فإن اللّه سبحانه وتعالى قد يرجعه إلى الدنيا حين ظهور الإمام، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «المؤمن ليخير في قبره إذا قام القائم، فيقال له: قد قام صاحبك، فإن أحببت أن تلحق به فالحق، وإن أحببت أن تقيم في كرامة اللّه فأقم»(24). وروي في فضل دعاء العهد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من دعا إلى اللّه أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فان مات قبله أخرجه اللّه تعالى من قبره، وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة»(25).
اضف تعليق