في محافظة ديالى، حيث تتقاطع صحة الإنسان والحيوان في شبكة دقيقة من التحديات والتهديدات، تأتي رسالة الماجستير التي قدمتها الباحثة أيناس نزار عبود في كلية الطب البيطري بجامعة ديالى بعنوان "التحقق من عدوى داء الصنوبريات في الإنسان والأبقار"، لتلقي الضوء على أحد الأمراض الحيوانية المنشأ التي تشكل خطراً صحياً متنامياً...

في محافظة ديالى، حيث تتقاطع صحة الإنسان والحيوان في شبكة دقيقة من التحديات والتهديدات، تأتي رسالة الماجستير التي قدمتها الباحثة أيناس نزار عبود في كلية الطب البيطري بجامعة ديالى بعنوان "التحقق من عدوى داء الصنوبريات في الإنسان والأبقار"، لتلقي الضوء على أحد الأمراض الحيوانية المنشأ التي تشكل خطراً صحياً متنامياً.

في هذا الحوار، نغوص مع الباحثة في تفاصيل اختيارها لهذا الموضوع، والتحديات الميدانية والمخبرية التي واجهتها أثناء جمع العينات وتشخيصها، وكيف ساهمت أحدث التقنيات العلمية مثل تفاعل البوليميرات المتسلسل (PCR) في تعزيز دقة نتائج البحث. كما نتعرف على الأبعاد الإنسانية والبيطرية للمرض، وتأثيره على الصحة العامة والقطاع الاقتصادي المحلي، إضافة إلى الاكتشافات الجينية التي فتحت آفاقاً جديدة للبحث العلمي محلياً ودولياً.

من خلال هذا الحوار، تقدم أيناس رؤية شاملة حول العلاقة الوثيقة بين صحة الإنسان وصحة الحيوان، مؤكدة أن العلم ليس مجرد بيانات وإحصاءات، بل مسؤولية مجتمعية وأخلاقية تجاه الإنسان والحيوان على حد سواء.

كيف تشكلت لديكِ الفكرة الأولى لاختيار موضوع داء الصنوبريات ليكون محور بحثكِ، وما الذي دفعكِ إلى الخوض في هذا التخصص الدقيق تحديدًا؟

الفكرة بدأت من ملاحظة حالات تسمم وإسهال بدأت ترتفع بالمحافظة وخاصة من تناول الوجبات السريعة (الكص والهمبركر وغير ذلك) وداء الصنوبريات من احد طرق انتقاله اللحوم المجمدة والغير مطبوخه جيدا وليس هنالك دراسة تسلط الضوء علية في ديالى فاقترح السيد المشرف الدخول في عملية بحث وتحري عن المرض في الحيوان والانسان.

عند تعاملكِ مع العينات وتشخيصها بمختلف الطرق، ما أبرز التحديات التي واجهتكِ ميدانياً ومختبرياً، وكيف تعاملتِ معها؟

 التعامل مع القصابين امر صعب خاصةً كوني امرأة وهذا كان التحدي الاول... اما الصعوبات المختبرية ولكوني اول مرة اكون باحثة كانت هنالك صعوبات في اجراء الفحوصات وطرق العمل ولكن بمرور الوقت انتهت الصعوبات واصبحت عندي خبرة في الفحوصات والحمد لله.

دراسة العدوى في الأبقار ثم في الإنسان تفتح باباً لفهم الترابط بين صحة الحيوان وصحة الإنسان، كيف تفسرين هذا البعد "الإنساني-الحيواني" في مرض الساركوسيستوس؟

 انا اكملت الماجستير في قسم الامراض المشتركة.. وهو من اهم الاقسام في رائي لأنه يختص بدراسة الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان ويعتبر حلقة وصل بين وزارة الصحة والبيطرة وتخدم بحوثه في المجال الانساني والحيواني لأن مرض الصنوبريات مؤذي والدراسة اوضحت مدة الخطورة من عدوة الانسان وتأثيراته المرضية وكيفية الحد من انتشار المرض والسيطرة عليه.

ما الذي كشفته نتائجكِ عن واقع انتشار المرض في محافظة ديالى، وكيف يمكن أن تؤثر هذه النتائج على الصحة العامة والقطاع الاقتصادي المحلي؟

لقد سجلت الدراسة نسبة اصابه 65% بالأبقار و15% بالإنسان وهذه النسبة تعتبر عالية ومقلقة وممكن ان تسبب مشاكل صحية للإنسان والحيوان وهنا يجب ان ننتبه الى خطورة المرض واثارة الصحية ويتطلب من الجهات المعنية اجراء توعية مجتمعية لمحاولة تقليل الاصابات والحد من تزايد الاصابات بالمرض وكذلك يجب على دائرة البيطرة التركيز على عمل المجازر وظاهرة الذبح العشوائية المنتشرة في اغلب اقضية المحافظة.

تقنيات التشخيص الحديثة مثل تفاعل البوليميرات المتسلسل أظهرت حساسية عالية، كيف تقيمين أهمية هذه التكنولوجيا مقارنة بالأساليب التقليدية في الكشف عن الطفيليات؟

 ان تقنية البي سي ار تعتبر من أفضل الطرق الحديثة لتشخيص المرض والتي تعطي نتائج مؤكدة للإصابة وهي من التقنيات المعمول بها في كل دول العالم ونسبة الخطأ في محدودة جدا وبذلك سوف تعطينه نسب حقيقية لإصابات وتجنب النتائج السلبة وبصراحه هنالك فروق كبيرة بين الطرق التقليدية والبي سي ار بسبب فاعلية الجهاز بإعطاء نتائج في اعلى درجات الدقة وهذا يصب في مصلحة البحث العلمي الرصين.

الأبعاد الوراثية التي توصّلتِ إليها في التحليل الجيني للعازلات العراقية، ماذا تعني على مستوى البحث العلمي العراقي، وكيف يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة للباحثين محلياً ودولياً؟

 تعني ان هنالك عزلات كانت غير مشتركة يعني لا تصيب الانسان وقد حدثت تغيرات جينية فيها جعلتها تصيب الانسان وهنا تكمن خطورة النتائج وقد ذكرت في التوصيات ضرورة اجراء دراسات جينية أكثر عمقا لمعرفة الطفرات الوراثية التي حدثت للطفيلي مع امكانية متابعتها ودراسة التغيرات الجينية التي ممكن ان تجعل الطفيلي أكثر ضراوة وخطورة على الانسان.

كشفت الدراسة عن نسب إصابة مختلفة حسب الجنس والفئات العمرية في الإنسان، كيف يمكن قراءة هذه النتائج اجتماعياً وصحياً، وما تفسيركِ لها؟

 الدراسة بينت ان الفئة العمرية من 15-25 سنه هي الأكثر اصابة.. لأن هذه الفئة هي الفئة الاكثر خروجا للشارع  والمطاعم ودائما ما يتناولون الوجبات السريعة بنسبة اعلى من الفئات الاخرى مما يجعلهم عرضة للإصابة اضافه الى ان الوعي المجتمعي عند كبار السنة اعلى من فئة الشباب اضافة الى تمسك كبار السن بالعادات والتقاليد فنراهم أكثر انتقائية في الطعام وليس مثل الشباب وتأثرهم بالسوشيل ميديا وحبهم لتجربة الاشياء اما بالنسبة لارتفاع الاصابة في النساء فتدخل فيها عوامل مناعية تجعل النساء اعلى إصابة.

داء الصنوبريات يعد من الأمراض الحيوانية المنشأ، برأيكِ ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الوعي المجتمعي في الحد من انتقاله بين الإنسان والحيوان؟

 يلعب دور كبير أكيد في ذلك وانا ذكرت في بداية الحديث ان نسبة الاصابة التي سجلت في ديالى تتطلب من الجهات المعنية وخاصتا وزارة الصحة عمل ندوات ودورات تثقيفية عن الامراض التي تنتقل عن طريق اللحوم ومنها داء الصنوبريات.

إذا نظرنا إلى موضوعكِ كباحثة من زاوية إنسانية، كيف شعرتِ وأنتِ تكشفين عن إصابات بشرية في محافظتكِ، وهل انعكس ذلك على شخصيتكِ كباحثة وطبيبة في آن واحد؟

عند النظر إلى موضوع إصابة الإنسان بداء الصنوبريات من زاوية إنسانية، شعرت أن البحث لم يعد مجرد تجربة علمية أو بيانات إحصائية، بل أصبح واقعًا حيًّا يلامس حياة الأفراد وصحتهم. لحظة اكتشاف إصابات بشرية لم تكن عابرة، بل تركت في داخلي أثرًا عميقًا؛ إذ جعلتني أعي حجم الترابط الوثيق بين الإنسان والحيوان والبيئة، وأدركت أن عملي كباحثة ليس فقط خدمة للعلم، بل هو أيضًا مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع.

أما على الصعيد الإنساني، فقد شعرت بواجب مضاعف: من جهة أن أُسهم في رفع مستوى الوعي حول خطورة الأمراض المشتركة، ومن جهة أخرى أن أكون أكثر قربًا من الناس باحثةً عن سبل وقايتهم وحمايتهم.

لذلك انعكست النتيجة على شخصيتي في أن أكون أكثر التزامًا، وأكثر إصرارًا على أن يحمل البحث رسالة تتجاوز حدود المختبر إلى خدمة الصحة العامة وحماية الإنسان والمجتمع.

كيف يمكن توظيف نتائج رسالتكِ في برامج الرقابة الصحية والبيطرية، وما التوصيات التي خرجتِ بها لصناع القرار؟

يمكن توظيف نتائج رسالتي بشكل مباشر في برامج الرقابة الصحية والبيطرية بعدة مستويات. أولًا، على مستوى الصحة العامة، تُسهم النتائج في تحديد بؤر انتشار المرض في الحيوانات وبالتالي تقليل احتمالية انتقاله إلى الإنسان. ثانيًا، على المستوى البيطري، تساعد هذه النتائج في تطوير استراتيجيات للكشف المبكر وتشخيص الإصابات الحيوانية، مما يرفع كفاءة برامج السيطرة والوقاية.

كما أن النتائج توفر قاعدة بيانات علمية يمكن الاستفادة منها في دعم القرارات الحكومية المتعلقة بالمراقبة الوبائية، وتطوير خطط التحصين، وتوجيه حملات التوعية للمجتمع. أما على مستوى التوصيات، فقد خرجت الدراسة بضرورة تعزيز التعاون بين القطاعات البيطرية والصحية ضمن إطار "الصحة الواحدة" (One Health)، إضافة إلى التوسع في الفحوصات المخبرية واعتماد تقنيات حديثة للكشف السريع عن الإصابات.

وبذلك فإن نتائج الرسالة لا تبقى محصورة في الجانب الأكاديمي، وإنما تتحول إلى أداة عملية تُسهم في رفع مستوى الصحة الحيوانية والإنسانية على حد سواء.

بعد تسجيل بيانات التسلسل لأول مرة في العراق، كيف تنظرين إلى قيمة الإضافة التي حققتها رسالتكِ للمعرفة العلمية محلياً وإقليمياً؟

كل تسجيل جديد لدينا في البحوث العلمية يسمى (دراسة اصيله) وهذا يعتبر اكتشاف وانجاز علمي جديد وانا اشعر بالفخر والسعادة لاكتشافي نوع جديد.. وهنا يجب ان تنتبه وزارة الصحة الى وجود عتر جديدة دخلت بسبب اللحوم المستوردة وهذا الامر يتطلب من اللجان المسؤولة وبضمنها لجان التقييس والسيطرة النوعية ان تجري تحاليل دقيقة قبل الموافقة على ادخال اللحوم المستوردة وكذلك بالنسبة لدائرة البيطرة ... لأن كل يوم تدخل حيوانات مستورد للعراق لأغراض الذبح وقد تكون مصابة وصعب تشخيصا عيانيا وتحتاج فحوص مختبرية.

ماذا يعني لكِ شخصياً إنجاز هذه الرسالة بعد رحلة طويلة من الجهد البحثي، وكيف أثّرت في مساركِ العلمي والإنساني؟

إنجاز الرسالة بعد رحلة طويلة من الجهد البحثي يعني لي الكثير.

خلال هذه الرحلة، تعلمت الكثير عن الصبر، والمثابرة، والالتزام. كما تعلمت كيفية التعامل مع التحديات، والبحث عن الحلول، والاستفادة من الأخطاء.

أثرت هذه الرحلة في مساري العلمي بشكل كبير، حيث ساعدتني على تطوير مهارات البحث العلمي، والتحليل النقدي، والتفكير الإبداعي. كما ساعدتني على بناء قاعدة معرفية قوية في مجال تخصصي.

من الناحية الإنسانية، أثرت هذه الرحلة في شخصيتي، حيث تعلمت كيفية التعامل مع الضغوط، والتحكم في التوتر، والتواصل الفعال مع الآخرين.

بشكل عام، يمكنني القول إن إنجاز الرسالة كان تجربة غنية ومفيدة، ساعدتني على النمو العلمي والإنساني، وأعدت لي الثقة في قدراتي على تحقيق الأهداف.

في ختام هذا الحوار، تتضح رسالة البحث العلمي كجسر يربط بين المعرفة والواقع، بين المختبر والمجتمع. تجربة الباحثة أيناس نزار عبود في دراسة داء الصنوبريات ليست مجرد إنجاز أكاديمي، بل نموذج للتفاني والالتزام تجاه صحة الإنسان والحيوان معًا. النتائج التي توصلت إليها تضع المجتمع المحلي والجهات المختصة أمام مسؤولية تعزيز الوعي الصحي، وتطوير آليات الوقاية والمراقبة، لتصبح المعرفة العلمية أداة عملية لحماية الإنسان والحيوان والحد من انتشار الأمراض المشتركة. وهكذا، تتحول رحلة البحث الطويلة إلى رسالة إنسانية وعلمية تحمل الأمل في مجتمع أكثر صحة وسلامة.

اضف تعليق