هذا العالم الجديد الذي يخالف فيه القوي القواعد من دون أن يُحاسَب، والذي يُبعدنا عن النظام الدولي القائم على قواعد ويدفعنا نحو شريعة الغاب، قد يؤدي إلى تثبيت أنماط غير متكافئة في التجارة والاستثمار والتكنولوجيا. وجود رابط بين التفاوت الاقتصادي وتآكل الديمقراطية وصعود الاستبداد. انعدام المساواة يُقوّض الثقة في المؤسسات...
ازداد التفاوت في الدخل والثروة في العديد من البلدان خلال العقود الأخيرة، وقد أدى تزايد التفاوت، وما يرتبط به من تفاوتات ومخاوف، إلى تأجيج السخط الاجتماعي، وهو دافع رئيسي لتفاقم الاستقطاب السياسي والقومية الشعبوية التي باتت جليةً اليوم. ويمكن لمجتمع يتزايد فيه التفاوت أن يُضعف الثقة في المؤسسات العامة ويُقوّض الحوكمة الديمقراطية. كما أن تزايد التفاوتات العالمية قد يُعرّض الاستقرار الجيوسياسي للخطر. وقد برز تزايد التفاوت كموضوع مهم في النقاش السياسي ومصدر قلق رئيسي في مجال السياسات العامة.
فقد دعا أكثر من 500 عالم اقتصاد ومؤرخ وخبير في العلوم الاجتماعي قادة دول مجموعة العشرين لإنشاء لجنة دولية تُعنى بالتفاوت الطبقي حول العالم محذرين من خطورته على الديموقراطية وتماسك المجتمعات.
وتستضيف جنوب إفريقيا، للمرة الأولى في القارة السمراء، قمة لقادة الدول ذات الاقتصادات الأكبر في العالم، بين الثاني والعشرين والثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر في جوهانسبرغ.
وبحسب التقرير الذي طلبته جنوب إفريقيا وكلفت جوزيف ستيغليتز حائز جائزة نوبل للاقتصاد بإعداده لعرضه على قادة مجموعة العشرين، يشكّل التفاوت الطبقي أزمة عالمية تهدد الديموقراطية والتماسك الاجتماعي.
ويرى التقرير أن هذه الأزمة ينبغي أن تحصل على اهتمام عالمي عاجل، مثلما هو الحال في مسألة تغير المناخ.
عُرض التقرير أول الأمر على الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، وفيه دعوة لإنشاء لجنة دولية تُعنى بموضوع التفاوت، على غرار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ.
وفي رسالة مفتوحة نُشرت الجمعة، دعا أكثر من 500 عالم اقتصاد من بينهم عدد من الحائزين جوائز نوبل، لإنشاء لجنة دولية لهذا الشأن.
ووفقا للتقرير الذي أشرف على إعداده ستيغليتز والذي سيُقدم في اجتماع دول مجموعة العشرين، استحوذ 1 % من أثرى أثرياء العالم على 41 % من الثروات الجديدة بين العامين 2000 و2024.
في المقابل، توزّع ما نسبته فقط 1% من الثروات الجديدة على 50% ممن هم الأفقر.
ولاحظ التقرير أن “أزمة انعدام المساواة” هذه تُفاقم أزمة الجوع التي تفتك بمليارات البشر، وقد تشتد أكثر في ظل سياسات إدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وخصوصا التجارية منها.
وأفاد التقرير بأن “واحدا من كل أربعة أشخاص في مختلف أنحاء العالم بات يفوّت كل يوم وجبة طعام، في حين وصلت الثروات المتراكمة لأصحاب المليارات إلى مستويات خيالية”.
وشدّد ستيغليتز خلال المؤتمر الصحافي الرسمي عن نتائج التقرير أمام رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا على أن “التفاوت خيار. إنه أمر يُمكن تغييره”.
وقال رامافوزا الذي يعتزم جعل هذه القضية إحدى أولوياته في قمة مجموعة العشرين “بات يعود إلينا، كقادة لمجموعة العشرين والعالم، إظهار الإرادة والالتزام الضروريين” للحد من التفاوت.
وأوضح معدّو التقرير الستة إلى أن التفاوت في الدخل بين جميع سكان العالم انخفض منذ عام 2000، ويعود الفضل في ذلك بدرجة كبيرة إلى التطور الاقتصادي للصين. لكنّ التفاوت في الثروة استمر في الاتساع بوتيرة سريعة.
وأشار المعدّون إلى أن “ألفا من أصحاب المليارات سيتركون لورثتهم في السنوات الثلاثين المقبلة أكثر من 5,200 مليار دولار، معظمها معفى من الضرائب، مما يُديم عدم المساواة من جيل إلى جيل”.
وقال الحائز جائزة نوبل في بيان صدر قبل المؤتمر الصحافي “يدرك العالم أننا نواجه حال طوارئ مناخية، وقد حان الوقت للاعتراف بأننا نواجه أيضا أزمة عدم مساواة”.
تآكل الديمقراطية
وأوصى ستيغليتز والخبراء الخمسة الآخرون بإنشاء لجنة دولية معنية بعدم المساواة في مرحلة أولى، تتولى تحليل آلياته كافة، كأساليب التهرب الضريبي. ومن شأن هذه التحليلات أن تُسهم في تطوير السياسات العامة.
واقترحوا حلولا ممكنة لعدم المساواة، من بينها تدابير لتحقيق العدالة الضريبية، مع مساهمة أكثر إنصافا من الشركات العالمية الانتشار والأفراد الأكثر ثراء، وتثبيت الأسعار، ووضع حدّ للاحتكارات الكبيرة، وإعادة هيكلة ديون الدول النامية.
وأعربوا كذلك عن قلقهم من أن سياسات إدارة ترامب، وخصوصا فرض رسوم جمركية إضافية، ستؤدي إلى تفاقم انعدام المساواة في العالم.
وحذّر ستيغليتز من أن “هذا العالم الجديد الذي يخالف فيه القوي القواعد من دون أن يُحاسَب، والذي يُبعدنا عن النظام الدولي القائم على قواعد ويدفعنا نحو +شريعة الغاب+، قد يؤدي إلى تثبيت أنماط غير متكافئة في التجارة والاستثمار والتكنولوجيا”.
وأكّد التقرير وجود رابط بين التفاوت الاقتصادي و”تآكل الديمقراطية وصعود الاستبداد”.
ورأى أن “انعدام المساواة يُقوّض الثقة في المؤسسات، ويُؤجج الاستقطاب السياسي، ويوجِد مناخا من التوترات الاجتماعية بمختلف أنواعها”.
وأمل ستيغليتز في أن تدعم غالبية الدول فكرة إنشاء لجنة معنية بعدم المساواة، متوقعا ألاّ تكون الولايات المتحدة مؤيدة لها.
وتُعَدّ جنوب إفريقيا أول دولة إفريقية تتولى رئاسة مجموعة العشرين. وتضم المجموعة 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحادين الإفريقي والأوروبي، تمثل 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم وثلثَي سكانه.
وشهدت العلاقات بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة توترا منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وسبق للرئيس الأميركي أن أعلن أنه لن يحضر قمة تشرين الثاني/نوفمبر.
حلقة مفرغة من التفاوتات
بدورهم حذّر خبراء اقتصاديون بارزون ومتخصصون في الصحة العامة تابعون للأمم المتحدة، من أنّ المستويات العالية من التفاوتات الاقتصادية تجعل العالم “أكثر عرضة” للجوائح، وتغذي حلقة مفرغة تهدد الصحة العامة والاقتصادات.
ويشكل هذا التقرير الذي أُعدّ لصالح برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية، ثمرة عامين من الأبحاث أجراها المجلس العالمي لعدم المساواة والإيدز والأوبئة، بقيادة خبراء من بينهم الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز، والسيدة الأولى السابقة لناميبيا مونيكا غينغوس، وعالم الأوبئة الشهير مايكل مارموت.
وذكر التقرير أن “مستويات مرتفعة من التفاوت داخل البلدان وفي ما بينها، يجعل العالم أكثر عرضة للجوائح التي تصبح أكثر تأثيرا على الاقتصاد وأكثر فتكا، وأطول أمدا”.
وأضاف ان “الجوائح تفاقم بدورها أوجه عدم المساواة، مما يخلق حلقة مفرغة تتغذى من نفسها”.
وقد لوحظت هذه “الحلقة المُرتبطة بالجائحة وعدم المساواة” خلال أزمات صحية عالمية، مثل جائحة كوفيد-19، والإيدز، وإيبولا، والإنفلونزا، والتهاب الكبد الوبائي (إمبوكس)، بحسب الخبراء الذين حذّروا من أن “الفشل في معالجة أوجه عدم المساواة الأساسية والمُحددات الاجتماعية منذ كوفيد-19 قد جعل العالم عرضة بشكل كبير لجوائح جديدة وغير مستعد لها”.
وأكدوا أن جائحة كوفيد-19 خصوصا “دفعت 165 مليون شخص إلى الفقر، بينما زادت ثروات أغنى أغنياء العالم بأكثر من الربع”.
واكدت مونيكا غينغوس في بيان أن عدم المساواة “خيار سياسي، وخيار خطر يهدد صحة الجميع”.
وحضّ معدو التقرير قادة العالم على تحسين الاستعداد للجوائح من خلال الاستثمار في شبكات أمان اجتماعي داخل بلدانهم، مع معالجة مشكلات التفاوتات الاقتصادية على المستوى العالمي، لا سيما من خلال إعادة هيكلة الديون في الدول النامية.
وقال ستيغليتز إنّ “الجوائح ليست أزمات صحية فحسب، بل أزمات اقتصادية يمكن أن تُفاقم عدم المساواة إذا اتخذ المسؤولون السياسيون خيارات سياسية خاطئة”.
وأضاف “عندما تُموَّل الجهود الرامية إلى تحقيق استقرار الاقتصادات المتضررة من جائحة، عن طريق رفع أسعار الفائدة على الديون واتباع سياسات التقشف، فإن ذلك يحرم أنظمة الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية من الموارد. وتصبح المجتمعات تاليا أقل قدرة على الصمود وأكثر عرضة للجوائح”.
وتابع “يتطلب كسر هذه الحلقة المفرغة تمكين كل البلدان من امتلاك القدرة المالية اللازمة للاستثمار في الأمن الصحي”.
وأوصى التقرير أيضا بإتاحة العلاجات والتقنيات الصحية بإنصاف أكبر، داعيا إلى “رفع فوري لحقوق الملكية الفكرية” على المستوى العالمي بمجرد الإعلان عن جائحة.
أربعة أثرياء في إفريقيا أغنى من نصف سكان القارة
وفي سياق متصل أظهر تقرير لمنظمة أوكسفام غير الحكومية أن انعدام المساواة يتزايد في إفريقيا أكثر من أي مكان آخر في العالم، إذ أصبح أغنى أربعة أصحاب المليارات أكثر ثراء من نصف سكان القارة.
ويعيش أكثر من ثلث سكان القارة تحت خط الفقر المدقع، أي ما يعادل 460 مليون شخص، وفقا للبنك الدولي، فيما يستمر عدد الفقراء في الارتفاع.
وأوضحت المنظمة في تقريرها “أربعة من أغنى أصحاب المليارات في إفريقيا يملكون اليوم ثروة تبلغ 57,4 مليار دولار، وهو ما يزيد عن الثروة الإجمالية لـ750 مليون شخص، أي نصف سكان القارة”.
وبحسب التصنيف الذي أعدته مجلة “فوربس” مطلع العام، فإن أغنى أربعة في القارة هم النيجيري أليكو دانغوتي (إسمنت وسكر وأسمدة…) والجنوب إفريقيان يوهان روبرت (سلع فاخرة) ونيكي أوبنهايمر (ألماس) والمصري ناصف ساويرس (صناعة وبناء).
وأشارت المنظمة إلى أن اتساع فجوة التفاوت يرتبط خصوصا بانعدام الإرادة السياسية من جانب القادة الأفارقة الذين يحافظون على أنظمة ضريبية مؤاتية للأغنياء وغير فعالة.
وقالت “الأثرياء الذين يستثمرون أصولهم في هياكل مؤسساتية وينقلون رؤوس أموالهم إلى الخارج يرون ثرواتهم تتضاعف من دون أن تفرض ضرائب متناسبة عليها”.
وأضافت أن إفريقيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي لم ترفع بلدانها معدلات الضرائب الفعلية منذ العام 1980.
ولفتت المنظمة إلى أن فرض ضرائب على 1% من أصول أغنى الأفارقة وعلى 10% من دخولهم، من شأنه أن يساعد في تمويل الوصول إلى التعليم والكهرباء في كل القارة.
وقدّرت أوكسفام أن “الحكومات الإفريقية هي في المتوسط من بين الأقل انخراطا في الحد من انعدام المساواة”.
وأوضحت “تشير البحوث التي أجرتها منظمة أوكسفام إلى أن أكثر من ثلاثة أخماس ثروات مليارديرات العالم تأتي من المحسوبية والفساد وإساءة استخدام السلطة الاحتكارية والميراث”، وهو “أمر ينطبق خصوصا في إفريقيا”.
ونُشر التقرير في اليوم الافتتاحي للاجتماع النصف السنوي للاتحاد الإفريقي الذي تعهد خفض فجوة التفاوت بنسبة 15 % في القارة خلال العقد المقبل.
أنماط مُترفة ملوثة
وكشف التقرير أن أغنى 1% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسؤولون عن 26% من إجمالي الانبعاثات الكربونية في عام 2022، في حين لم تتجاوز مساهمة نصف السكان الأفقر 10% فقط.
ويحمل التقرير الصادر تحت عنوان: "لسنا جميعًا في القارب نفسه: تغيّر المناخ واللامساواة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، نتائج أبحاث أجرتها أوكسفام بالتعاون مع معهد ستوكهولم للبيئة، ويسلط الضوء على التفاوت الصارخ في المسؤولية عن أزمة المناخ. إذ أن من يساهمون بأقل قدر في الانبعاثات هم الأكثر تضررًا من تداعياتها، حيث يواجهون مخاطر متزايدة من شح المياه، وانعدام الأمن الغذائي، والنزوح.
وتتفاقم الصورة قتامة حين يتعلق الأمر بفاحشي الثراء؛ إذ أظهر التقرير أن الشخص المنتمي إلى أغنى 0.1% في المنطقة تسبب، في المتوسط، بانبعاثات كربونية تفوق بمقدار 477 مرة ما يصدر عن الشخص من نصف السكان الأفقر في عام 2022، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات.
تحتضن المنطقة عددًا من أغنى أثرياء العالم ممن يعيشون أنماط حياة مُترفة، بينما تضم في الوقت ذاته بعضًا من أفقر المجتمعات. وبينما يتمتع الملوّثون الكبار بوسائل الحماية من تداعيات الأزمة المناخية، تفتقر المجتمعات الهشّة إلى الموارد اللازمة للتكيف، فتتحمل العبء الأكبر من موجات الحر الشديدة، والجفاف، والتصحر، ونقص الغذاء.
وقالت سالي أبي خليل، المديرة الإقليمية لأوكسفام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
"أنماط الحياة الباذخة والملوِّثة التي يعيشها أثرياء المنطقة واضحة للعيان. هذا التراكم غير المنضبط للثروات الهائلة وغير الخاضعة للضريبة لا يغذّي أزمة اللامساواة فحسب، بل كذلك أزمة المناخ في المنطقة."
وأضافت: "على الأثرياء أن يتحمّلوا مسؤوليتهم، ويدفعوا ثمن التدهور البيئي الذي يساهمون فيه باستثماراتهم الملوِّثة وأنماط حياتهم غير المستدامة، بينما يعاني الآخرون من تبعات أفعالهم."
من أبرز نتائج التقرير:
أغنى 0.1% (أي نحو 496 ألف شخص) يتسببون في انبعاثات تعادل انبعاثات نصف السكان الأفقر في المنطقة (نحو 248 مليون شخص).
ما يصدره الملياردير المتوسط في يوم واحد من الانبعاثات عبر استخدامه لليخوت والطائرات الخاصة، يعادل ما يصدره الشخص المتوسط في المنطقة خلال عام كامل.
خمسة من مليارديرات المنطقة استخدموا طائراتهم الخاصة لمدة 1300 ساعة، أي ما يعادل الدوران حول الأرض أكثر من 42 مرة.
زادت ثروات مليارديرات المنطقة بنسبة 65%، من 54.2 مليار دولار في 2023 إلى 89.5 مليار دولار في عام 2024.
في عام 2019، كان أغنى 1% في المنطقة مسؤولين عن 25% من إجمالي الانبعاثات، أي أكثر بكثير من نسبة 16% التي تساهم بها النسبة ذاتها من الأغنياء على مستوى العالم.
الإفراط في الانبعاثات من قبل الأغنياء في المنطقة يسرّع من حدة أزمة المناخ، ما يفاقم من شح المياه، وتدهور الأراضي، وتآكل الأراضي الزراعية، وارتفاع مستويات البحار، وانتشار الأمراض، في وقت يواجه فيه 83% من سكان المنطقة بالفعل أزمة شحّ مائي.
فعلى سبيل المثال، تستهلك ملاعب الغولف الأربعين في مصر ما يصل إلى مليار متر مكعب من المياه سنويًا — ما يكفي لتوفير 50 لترًا من المياه يوميًا لـ54 مليون شخص في بلد يعاني من أزمة مائية مزمنة.
تضم المنطقة 1% فقط من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم، ورغم ذلك تستهلك مسابح وحدائق الأغنياء كميات ضخمة من المياه، بينما يعتمد الفقراء على مصادر جماعية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
ولا يقتصر الأمر على الأفراد الأثرياء؛ إذ تُعد بعض أغنى دول المنطقة من بين الأعلى عالميًا في الانبعاثات للفرد. فدول الخليج النفطية مثل السعودية والإمارات وقطر، حققت ثروات هائلة لقلة من النخب. ففي عام 2022، تسببت السعودية التي يبلغ عدد سكانها 32 مليونًا، في 34% من إجمالي الانبعاثات في المنطقة، بينما لم تسجّل السودان، التي يبلغ عدد سكانها 50 مليونًا، أي مساهمة تُذكر.
وأشار التقرير إلى أن عقودًا من السياسات التقشفية وخفض الإنفاق العام أسهمت في تعميق أزمتي المناخ واللامساواة، مما جعل حكومات المنطقة عاجزة أو غير راغبة في الاستثمار بجدية في حلول للتعامل مع حالة الطوارئ المناخية.
ورغم امتلاك أغنى 1% في المنطقة لنحو 48% من الثروات المالية، فإن التهرب الضريبي، والإعفاءات، والمزايا الممنوحة للنخب، تحرم الميزانيات العامة من الموارد اللازمة لتنفيذ إجراءات التكيف المناخي والتخفيف من حدّة الأثر البيئي.
واختتمت أبي خليل قائلة: "بدون سياسات جذرية وعاجلة تستهدف هذه الثروات وتُعالج اللامساواة البنيوية، ستواصل المنطقة اندفاعها نحو كارثة مناخية محققة. علينا أن نفرض الضرائب على الأغنياء ونوقف استثماراتهم الملوِّثة لصالح شعوب المنطقة وكوكب الأرض."
يدعو التقرير الحكومات إلى اتخاذ إجراءات جذرية قائمة على العدالة، تشمل:
فرض ضرائب تصاعدية على الثروات والانبعاثات الكربونية؛
حظر الانبعاثات الترفيهية الفاحشة مثل استخدام الطائرات الخاصة؛
إنهاء السياسات التقشفية التي تعمّق اللامساواة وتُضعف قدرة الدول على مواجهة الأزمة المناخية؛
يدعو التقرير الحكومات إلى اتخاذ إجراءات واسعة النطاق وجذرية تعيد توزيع الموارد، بما في ذلك فرض ضرائب تصاعدية على الثروات والانبعاثات الكربونية، وحظر الانبعاثات الترفيهية مثل استخدام الطائرات الخاصة، وإنهاء السياسات التقشفية الضارة التي تغذي اللامساواة، وذلك من أجل توفير التمويل اللازم المُقدَّر بـ570 مليار دولار للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
معدل فقر قياسي في فرنسا
من جهة أخرى عاش أكثر من 15% من سكان فرنسا تحت خط الفقر عام 2023 وهو “مستوى غير مسبوق” منذ إطلاق المؤشر السنوي للمعهد الوطني للإحصاء (INSEE) عام 1996 والذي أفاد عن “زيادة حادة” في عدم المساواة.
في عام واحد ارتفع معدل الفقر بمقدار 0,9 نقطة من 14,4% عام 2022 إلى 15,4% عام 2023، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية. وتحديدا كان 9,8 مليون شخص يعيشون في فقر مادي عام 2023، أي أن دخلهم الشهري كان أقل من عتبة الفقر المحددة عند 60% من متوسط الدخل أو 1288 يورو للفرد.
في عام واحد، وجد 650 ألف شخص أنفسهم في براثن الفقر، وفقا لهذه الدراسة التي لا تشمل سكان المقاطعات الفرنسية في الخارج، والمشردين والمقيمين في دور الرعاية. وكان آخر تحقيق شمل إجمالي سكان فرنسا، قدر عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر بنحو 11,2 مليونا عام 2021.
تُظهر نتائج عام 2023 “مستوى لم يُسجل منذ نحو ثلاثين عاما” كما أفاد ميشال دويه رئيس قسم موارد الأسر وظروف المعيشة في المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية لفرانس برس.
وأضاف “إذا أردنا العودة بالزمن إلى الوراء، علينا العودة إلى مطلع سبعينات القرن الماضي لنرى مستويات فقر متقاربة”.
وأوضح أن “هذا الارتفاع يبرر بوقف المساعدات الاستثنائية لا سيما منحة التضخم ومكافأة العودة إلى المدارس الاستثنائية اللتين طُبّقتا عام 2022 لدعم القدرة الشرائية”. وأضاف “العامل الآخر هو ارتفاع نسبة أصحاب المشاريع الصغيرة ذوي الدخل المحدود بين العاملين لحسابهم الخاص”.
كما ازداد التفاوت “بشكل حاد” عام 2023، نتيجة لتراجع مستوى معيشة أفقر الفئات بالتزامن مع ارتفاع مستوى معيشة الأثرياء.
وتابع أن “التفاوت بلغ أعلى مستوياته منذ 30 عاما”. وقال “ارتفع مستوى معيشة الفئات الأكثر فقرا بوتيرة أبطأ من التضخم بينما كانت وتيرة مستوى معيشة الفئات الأغنى أسرع ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الوضع الجيد في سوق العمل وأداء السلع المالية”.



اضف تعليق