الإمام (ع) لم يكن يلجأ أبداً إلى استخدام أي نوع من أنواع العنف أو الضغط أو الإكراه حتى الأدبي منه في تحصيل الضرائب (الزكاة والخراج وشبههما)، بل إنه إنما كان يحكِّم ضمير كل إنسان ووازعه الداخلي ليقررّ ما إذا كانت عليه ضريبة أم لا؟، وبعد ذلك وفيما إذا...

ومن الضروري أن نتوقف ههنا لنبحث بعض الشيء، في خصائص نظام الضرائب في منهج الإمام علي (عليه السلام) وإيجابياته وملامحه فنقول:

الملامح العامة للضرائب في الحكومات

تعاني الضرائب في جدلية علاقتها بالناس، في مختلف البلاد، سواء المتخلفة منها والمتقدمة، من المشاكل ونقاط الضعف التالية:

إنها غير عادلة، تشوه الاختيارات الشخصية

الأولى: إن الضرائب غير عادلة، حتى في الدول الديمقراطية في الكثير من الحالات، وعلى سبيل المثال (تقول فيرجينيا بوستريل Virginia Postrel في عمودها الاقتصادي في جريدة "النيويورك تايمز": إن الشريحة الضريبية قضية تمس المرأة أكثر، حيث إن المرأة بسبب "ضريبة الزواج" تدفع الضريبة باعتبارها ثاني ممول للأسرة ذي دخل كبير وتصل الضريبة إلى 50 سنتاً لكل دولار، مما يؤثر بشدة على اختيارها بين عملها وبقائها في المنزل. وأضافت: "يشوه النظام الضريبي الاختيارات الشخصية للمرأة بمعاقبته لعملها بطريقة غير لائقة، ويقلل هذا النظام من مستوى معيشتنا ككل بسبب تثبيطه للعمل الذي يحمل قيمة." ودللت على تلك الفكرة بالإصلاح الضريبي لعام 1986م، حيث انخفض معدل الشريحة الضريبية المستحق على المرأة ذات الدخل العالي، ولم ينخفض ذلك المعدل بالنسبة للمرأة ذات الدخل الأقل، ومعنى ذلك أن المبلغ الذي تستقطعه الحكومة كضريبة على الدخل قل كثيراً بالنسبة لذوات الدخل العالي. فماذا كان رد فعل المرأة ذات الدخل المنخفض؟ هل اختلف؟ نعم، فقد قفزت مشاركة المرأة في القوة العاملة ثلاثة أضعاف ما كانت عليه من قبل(1))(2).

الضرائب التنازلية تنتهك العدالة

مثال آخر: (أما الضريبة التي تفرض على الوقود الداخل في صناعته الكربون فسيدفعها الأغنياء والفقراء على حد سواء، ولكنها قد تكلف الفقراء استقطاع مبلغ كبير من إجمالي دخولهم. إن الضرائب التي تحمل على الفقراء أكثر مما تحمل على الأغنياء والمسماة بالضرائب التنازلية تنتهك روح العدالة؛ (الضرائب التصاعدية مثل ضرائب الدخل تُحمِّل الأغنياء أكثر مما تُحمِّل الفقراء). وهنا لا يعطينا علم الاقتصاد ـ كالعادة ـ "إجابة صحيحة"، ولكنه يعطينا فقط إطاراً تحليلياً للتفكير في الأسئلة المهمة).

كما أن بعض الحكومات الديمقراطية تنتهج منهج وضع الضرائب العالية على الشركات، ولكن (وبالنسبة للشركات، فالضرائب العالية لها تأثير مماثل، فهي تقلل من عائد الشركة من الاستثمار، الأمر الذي يقلل بدوره من دوافع الاستثمار في المصانع والأبحاث والأنشطة الأخرى التي تدفع عجلة النمو. ومرة أخرى نجد أنفسنا بصدد سياسة استبدال، فزيادة الضرائب ـ حتى توفر الحكومة الإعانات للأمريكيين المحتاجين ـ قد تثبط في الوقت ذاته أنواع الاستثمار الخلاق التي من شأنها أن تحسن من وضعهم الاقتصادي.

أما إذا ارتفعت المعدلات الضريبية إلى حد معين فقد يلجأ الأفراد والشركات إلى الاقتصاد الخفي underground economy، أو اقتصاد الظل الذي ينحرفون فيه عن القانون ويتجنبون الضرائب نهائياً. وقد شهدت الدول الاسكندنافية ـ التي توفر برامج حكومية سخية تمولها معدلات الضرائب الحدية العالية ـ نمواً كبيراً في حجم اقتصاديات أسواقها السوداء)(3).

ويكرهها الكثير من الناس

الثانية: إن شرائح واسعة جداً من الناس، إن لم يكن أكثر الناس، خاصة في البلاد الدكتاتورية، لا يدفعونها عن طيب خاطر، بل قد يكرهونها بشدة، إما لأنهم يعتبرونها ظالمة مجحفة بحقهم، أو لأنهم لا يجدون شفافية لدى الحكومات في موارد صرفها وإنفاقها، أو لأنهم لا يرون شرعية لتلك الحكومة أبداً.

نسبة التهرب الضريبي عالية حتى في الديمقراطيات

الثالثة: إن نسبة التهرب الضريبي، هي نسبة عالية، سواء في ذلك البلاد الدكتاتورية والبلاد الديمقراطية، وعلى سبيل المثال: (تتجنب بعض المداخيل الخضوع للضريبة باللجوء إلى "الاقتصاد السري"، فالكثيرون يمتنعون عن الإبلاغ عن كامل دخلهم ويزيفون نفقاتهم. وتقدر الحكومة أن المواطنين والمؤسسات في الولايات المتحدة يدفعون 20 بالمائة أقل مما يتوجب عليهم دفعه بسبب التهرب، وربما كان الرقم أعلى من ذلك في دول أخرى)(4).

وقد تكون نسبة تهرب عامة الناس في الحكومات الدكتاتورية أكبر كنتيجة مباشرة للحقيقة السابقة، بينما تكون نسبة تهرب كبار الأثرياء والرأسماليين والكارتلات والتراستات في الدول الديمقراطية، كبيرة جداً، كنتيجة مباشرة للحرص والطمع وحب التكاثر، أو بسبب ما يرونه من ثقل الضريبة وزيادة نسبتها عن المعدل الطبيعي بنظرهم خاصة مع اكتشاف طرق مبتكرة لإخفاء العوائد والأرباح أو التهرب عبر الثغرات القانونية أو اللجوء إلى ما يسمى بالملاذات الآمنة، ويكفي أن نستشهد بكلمات علماء الاقتصاد والخبراء: (يقدر الخبراء أن الاقتصاد الخفي في النرويج شهد نمواً من 1.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي عام 1960م ليصبح 18 بالمائة في منتصف التسعينيات. فالغش الضريبي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة، فعندما يزداد عدد المتجهين للاقتصاد الخفي تزيد الحكومات من المعدلات الضريبية على باقي الأفراد حتى يتوفر لها نفس العائد، وفي المقابل تتسبب الضرائب العالية في اتجاه الأفراد نحو الاقتصاد الخفي بصورة أكبر وهكذا(5))(6).

الحكومات تلجأ إلى الإكراه

الرابعة: إنّ الحكومات تلجأ إلى الإكراه المباشر تارة، وإلى الإكراه غير المباشر عبر ألوان من الضغط القانوني والأدبي تارة أخرى، كي يسدد الناس الضرائب المفروضة عليهم.

الملامح العامة للضرائب في حكومة الإمام علي (عليه السلام)

ولكنّ الغريب والمفاجئ، لمن لم يطلع على تاريخ حكومة الإمام علي (عليه السلام)، أن نجد صورة أخرى للضرائب مغايرة تماماً لذلك كله، في حكومة الإمام علي (عليه السلام)، فـ:

أولاً:(7) إنّ الإمام (عليه السلام) لم يكن يلجأ أبداً إلى استخدام أي نوع من أنواع العنف أو الضغط أو الإكراه حتى الأدبي منه في تحصيل الضرائب (الزكاة والخراج وشبههما)، بل إنه إنما كان يحكِّم ضمير كل إنسان ووازعه الداخلي ليقررّ ما إذا كانت عليه ضريبة أم لا؟، وبعد ذلك وفيما إذا أذعن بأن عليه ضريبة فإنه (عليه السلام) كان يُرجع الأمر إليه في تحديد مقاديرها المتوجبة عليه أيضاً!.

ثانياً: إنه (عليه السلام) لم يكن يسمح لجباة الضرائب بأن يتجسسوا على الوضع المالي للمواطنين، ولم يكن يجوّز لهم أن يكذّبوه أو حتى أن يسيئوا به الظن فيما إذا أنكر تعلق الضريبة به، أو فيما إذا حدد سقفاً منخفضاً لضرائبه، كما لم يكن (عليه السلام) يسمح أبداً بأي نوع من أنواع الابتزاز أو الرشوة.

ثالثاً: إنه (عليه السلام) كان يأمر الجُباة (محصّلي الضرائب) بأن يتركوا الأمر للشخص نفسه، كي (يختار) نوع الضريبة التي يدفعها ومواصفاتها وليس فقط كمّيتها.

رابعاً:(8) إنه رغم كل ذلك فقد كانت نسبة التهرب الضريبي في حكومة الإمام (عليه السلام) منعدمة أو منخفضة إلى درجة مذهلة.

خامساً: وكانت نسبة العوائد من الخراج (الضريبة) مرتفعة، رغم خفض الإمام (عليه السلام) لنسبة الخراج والجزية على الناس، ورغم ألوان الرفق والإرفاق وأنواع التسامح والتساهل مع دافعي الضرائب، ومنحهم الحرية الكاملة في أن يخبروا أو يكتموا، يذعنوا أو ينكروا!، وبذلك وما سبق ويأتي، كان المبدأ الضريبي الذي يعمل على حسبه الإمام (عليه السلام) مبنياً على الإحسان والفضل فوق درجات الحق والعدل.

سادساً:(9) وكان الناس، كل الناس إلا النادر، يبادرون إلى تسديد ما عليهم من ضرائب برغبة ورضا، وعن طيب خاطر.

سابعاً: وكانت الحركة الضريبية ذات اتجاهين، بمعنى أن الإمام (عليه السلام) كان يأخذ من الناس بعض الفائض لديهم، سنوياً، وكان يدفع لهم، من جهة أخرى، كلما احتاجوا إليه لإصلاح أمرهم ولاستصلاح أراضيهم، وكانت لذلك نتائج مذهلة في الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والأمر الأخير(10) يشكّل، كما هو معلوم، أهم أركان السياسة المالية حسب المدرسة الكينزية.

وبذلك، وبهذه الطريقة الفريدة والمنهجية النادرة، تسهم الضرائب في التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية في وقت واحد.

وهذه الحقائق السبع تفصح عنها الكثير من الروايات والوقائع التاريخية، وسنختار في هذا البحث الموجز شواهد وأدلة مقتضبة على تلكم الحقائق، على أمل أن نعود إلى ذلك في كتاب آخر وبشكل موسع، لنستعرض مجموعة كبيرة من الروايات ومن شواهد التاريخ. 

الرفق الضريبي المذهل في حكومة الإمام (عليه السلام)

أما الحقائق الأولى إلى الثالثة، فإنّ مما يدل عليها اللوائح التنظيمية المتنوعة والمتكثرة التي أصدرها الإمام علي (عليه السلام) للجباة أو من كان يستعملهم على الصدقات على امتداد تاريخ حكومته والأوامر والنواهي الصريحة الواردة في نهج البلاغة خير شاهد على ذلك، وهذه نماذج منها:

فمن وصية له (صلوات الله عليه) لمن كان يستعمله على الصدقات: (انْطَلِقْ(11)، "يَا عَبْدَ اللَّهِ، وَ"(12)عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. "وَلَا تُؤْثِرَنَّ دُنْيَاكَ عَلَى آخِرَتِكَ؛ وَكُنْ حَافِظاً لِمَا ائْتَمَنْتُكَ عَلَيْهِ، رَاعِياً لِحَقِّ اللَّهِ فِيهِ"(13).

وَلَا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً، وَلَا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً؛ وَلَا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ)(14).

ومن الواضح أن ترويع المسلم حرام، وكذلك الاجتياز عليه كارهاً، والأخذ بأكثر من حق الله، للأدلة العامة ولهذا الدليل الخاص، ولكن، في المقابل، يجب أن نتساءل: كيف تتعامل الحكومات المسماة بالإسلامية؟

(فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ. ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ، فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ. وَلَا تُخْدِجْ(15) بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ).

والاخداج بالتحية من غير الحاكم والمسؤول مكروه، وأما منه فقد يقال بحرمته، لظاهر هذه الرواية ونظائرها.

(ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللَّهِ؛ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّهِ وَخَلِيفَتُهُ، لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ؛ فَهَلْ لِلَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ؟.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا، فَلَا تُرَاجِعْهُ!!.

وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ، أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ).

وهذه الأفعال والعناوين (الإخافة، الإيعاد... إلخ) محرمة، ولعل الثاني مندرج في الأول، كما لعل الإرهاق إن لم يندرج فيما سبق، مكروه، فتأمل.

("فَقُلْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ؛ أَتَأْذَنُ لِي فِي دُخُولِ مَالِكَ؟. فَإِنْ أَذِنَ لَكَ"(16) (17) فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلَا تَدْخُلْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ).

وظاهر النص حرمة دخول قطيع الإبل والماشية بدون إذن صاحبها، وإن كان الإمام شريكاً فيها بقدر الزكاة والخراج، والظاهر حرمة الأفعال الآتية في الفقرة القادمة.

(فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ، وَلَا عَنِيفٍ بِهِ. وَلَا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً، وَلَا تُفْزِعَنَّهَا، وَلَا تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا).

ومن هذا المقطع يستفاد أن للحيوانات حقوقاً، وأن إيذاءها محرم، وإن لم يؤد إلى إيذاء صاحبها، فتأمل.

(وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ "أَيَّ الصَّدْعَيْنِ شَاءَ"(18). فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ. ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ. فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ. فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ. "فَإِذَا بَقِيَ ذَلِكَ"(19) فَاقْبِضْ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ.

فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ. ثُمَّ اخْلِطْهُمَا، ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلًا، حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ)(20).

وأكثر من الرائع، وكل كلامه رائع، حكمه (عليه السلام) بـ: (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا، فَلَا تُرَاجِعْهُ!!)، والذي يعتبر أحد أجلى مصاديق (أصالة الصحة)، مع أنه ما أكثر ما يكذب بعض دافعو الضرائب وما أكثر تهربهم منها حتى في أكثر الدول ديمقراطية في هذا العصر!، وكذلك حكمه بـ: (فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ)، والذي يعتبر من أجلى مفردات الرفق والإحسان. وكذلك قوله (عليه السلام): (خَيِّرْهُ)، ونهيه عن الاعتراض على صاحب المال! فإنه من أجلى مصاديق الرأفة والرحمة، قال تعالى: (فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ)(21)، و: (وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ)(22).

وقال (عليه السلام) في قرار عام أصدره للولاة والحكام: (فَأَنْصِفُوا النَّاسَ(23) مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ؛ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلَاءُ الْأُمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الْأَئِمَّةِ. وَلا تَتَّخِذُوا حُجَّاباً(24)).

وما أصعب ذلك؟ فإنه كالطبيعة الثانية اللازمة للولاة والحكام على امتداد الليالي والأيام.

(وَلَا تُحْشِمُوا(25) أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ وَلَا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ...)

وهل وجدنا، على مرّ التاريخ، حاكماً كذلك؟ أو حتى حاكماً يأمر ولاته بذلك؟

(وَلَا تَبِيعُنَّ(26) لِلنَّاسِ فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ، وَلَا دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا، وَلَا عَبْداً).

فهذه من مستثنيات حقوق الله تعالى(27).

(وَلَا تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَمٍ. وَلَا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، مُصَلٍّ وَلَا مُعَاهَدٍ...)(28).

ويجب أن يتوقف الباحث طويلاً عند تعليله (عليه السلام) أمره للولاة بالصبر على حوائج الناس(29) بـ: (فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلَاءُ الْأُمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الْأَئِمَّةِ)، فالولاة ليسوا إلا أمناء للصندوق ووكلاء وسفراء، ولا ولاية لهم على أحد ولا فوقية، ولا يحق لهم أن يستعلوا على الناس أبداً.

وقولنا: (لا ولاية لهم على أحد) أي لا يفيد هذا النص الولاية، لا أنه بما هو هو نافٍ، كما أنه ليس مثبتاً. بل قد يقال إنه نافٍ إذ تتنافى عرفاً الوكالة مع الولاية، كما أن السفير سفير وناقل رسالة وليس ولياً، خاصة وأن المفهوم من كلامه (عليه السلام) عرفاً الحصر وأن الولاة ليسوا متصفين إلا بتلك الصفات، فتأمل وعلى أي فإنهم مكلفون بالإنصاف وقضاء حواج الناس.

كما جاء في عهد له (عليه السلام) إلى مخنف بن سليم الأزدي، وقد بعثه على الصدقة:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين، مخنف بن سليم الأزدي، في عهده إليه حين بعثه على الصَّدَقة:

(أَمَرَهُ(30) بِتَقْوَى اللَّهِ رَبّهِ فِي سَرَائِرِ أُمُورِهِ(31)، وَخَفِيَّاتِ أَعْمَالِهِ(32)، حَيْثُ لَا شَهِيدَ غَيْرُهُ، وَلَا وَكِيلَ دُونَهُ.

وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا أَسَرَّ. وَمَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ، وَفِعْلُهُ وَمَقَالَتُهُ، فَقَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ، وَأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ.

"وَأَمَرَهُ أن يَلقاهُم بِبَسطِ الوَجهِ، وَلينِ الجانِبِ.

وَأَمرَهُ أَنْ يَلْزَمَ التَّوَاضُعَ، وَيَتّجَنَّبَ التَّكبُّر، فَإنَّ الله يَرْفَعُ الْمُتَوَاضِعينَ، وَيَضَعُ الْمُتَكَبِّرين"(33)).

والظاهر أن هذه كلها (أن يَلقاهُم بِبَسطِ الوَجهِ...) واجبات على جابي الصدقة، وأن ما يليها (لَا يَجْبَهَهُمْ...) محرمات، وأن الأمر والنهي في كلامه (عليه السلام) مولوي لا إرشادي ولا تنزيهي، غاية الأمر أن يبحث عن كون الأوامر والنواهي هذه كلها هل كانت بالعنوان الأولي وبنحو القضية الحقيقية أو أنها صدرت ولايةً.

(وَأَمَرَهُ(34) أَنْ لَا يَجْبَهَهُمْ وَلَا يَعْضَهَهُمْ، وَلَا يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا بِالْإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ، وَالْأَعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ.

وَإِنَّ لَكَ "يَا مِخْنَفَ بْنِ سُليْمٍ"(35)، فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً، وَحَقّاً مَعْلُوماً؛ "وَلَكَ فيهَا"(36) شُرَكَاءَ أَهْلِ مَسْكَنَةٍ، وَضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ، "وَغَارِمينَ وَمُجَاهِدينَ، وَأَبْنَاءَ سَبيلٍ، وَمَمْلُوكينَ، وَمُتَأَلِّفينَ"(37).

وَإِنَّا مُوَفُّوكَ(38) حَقَّكَ، فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ. وَإِنْ لا تَفْعَلْ(39) فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَبُؤْساً لِمَنْ "يَكُونُ"(40) خَصْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَالسَّائِلُونَ وَالْمَدْفُوعُونَ، وَالْغَارِمُ وَابْنُ السَّبِيلِ.

وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ، وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ، وَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى. وَالسَّلاَمُ)(41).

فالإمارة والموقع والرياسة والمنصب ليست فضلاً ولا فضيلةً ولا امتيازاً، بل هي مسؤولية، ولا يعدو المسؤول والوالي والحاكم عن كونه أخاً للناس وعوناً لهم إضافة إلى كونه أميناً عليهم وعلى أموالهم ومصالحهم، يؤاخذ بأشد المؤاخذة إذا خان الأمانة أو ظلم الناس.

الصورة المقابلة في الحكومات العباسية

وفي مقابل ذلك كله نجد بعض الصور المؤلمة في الحكومات الأخرى، وعلى سبيل المثال الدولة العباسية: التي كانت، كنظائرها من الحكومات الاستبدادية، مضرب المثل في الظلم والابتزاز والرشوة:

أ ـ تحصيل الثروات وتولية المناصب بالرشوة

(فالوزير يتولى الوزارة عاماً أو عامين، ثم يعزل أو يستقيل وله عدة ملايين من الدنانير(42)، فضلاً عن الضياع والمباني، وقد اكتسب هذه الثروة بالرشوة ونحوها من أسباب المظالم. وكان الوزير لا يولي عاملاً على ولاية ما لم يقبض منه مالاً على سبيل الرشوة يسمونه "مرافق الوزراء".

ومن أغرب حوادث التولية بالرشوة أن الخاقاني وزير المقتدر بالله ولّى في يوم واحد تسعة عشر ناظراً للكوفة وأخذ من كل واحد رشوة، وإذا لم يكن للعامل أو الناظر ما يفي المبلغ المتفق عليه مع الوزير، دفع بعضه معجلاً وأجّل البعض الآخر إلى مدة معينة أو غير معينة، والخلفاء يعلمون ذلك ولا ينكرونه أو يرون فيه غرابة أو ظلماً(43).

ب ـ التلاعب بالضرائب ومضاعفتها

والعامل الذي يتولى عمله بالرشوة وهو لا يزال مديناً ببعضها، يهون عليه ابتزاز أموال الرعية ـ أو هو يطلب الولاية لهذه الغاية ـ فيأخذ العمال في حشد الأموال إما بالتلاعب في جباية الحكومة، فينفقون ديناراً في بعض مصالحها فيقيدونه عليها عشرة دنانير، أو باستخراج أموال الرعية بالرشوة، أو بضرب الضرائب الفادحة على الباعة وأهل الأسواق في المدن، أو بسلب الفلاحين في القرى بعض غلاتهم، وقد يقاسمونهم إياها فإن بعض العمال كان يبعث رجاله إلى البيدر فيقسمونه كما يشاءون، وإذا تكلم الأكّار (الفلاح) شتموه وحلقوا لحيته وضربوه، وقد لا يرضيهم ذلك فيغتصبون الضياع برمتها.

ومن أغرب طرق الاغتصاب أن يغتصب العامل أو الوزير أو غيرهما من رجال الدولة ضيعة لبعض الناس، فيأخذها بغير ثمن ويستغلها لنفسه، وإذا استحق عليها الخراج أداه صاحبها الأول، مخافة أن يثبت الملك لمغتصبها، إذ يُدوّن خراجها باسمه في الديوان فيبطل حق مالكها في ملكيتها، فيضطر المالك إلى دفع الخراج أعواماً ريثما يتوفق إلى من ينصفه ممن يفضي النفوذ إليهم من أهل العدالة أو يهتدي إلى وساطة أو حيلة.

ناهيك بما كانوا يغتصبونه من أموال الرعية باقتضاء خراج الأرض مضاعفاً أو مكرراً، على أنهم قد يرون لهم نفعاً من ترك خراج بعض الأرضين، فيتركونه لأصحابها على أن يخدموهم في مصلحة لهم، وربما بلغ مقدار الخراج المتروك مالاً كثيراً جداً. فقد كان لرجل يدعى أبا زنبور في وزارة ابن الفرات ضياع مساحتها مائة فرسخ بمائة فرسخ لم يأخذ منه من حقوق بيت المال درهماً، وكثيراً ما كانوا يتركون أمثال هذه الضياع بلا خراج لأهل الوساطة أو الدالة أو النفوذ عند الخليفة أو غيره)(44).

ج- الظلم في أخذ الجزية وغيرها

و(كان العمال يبذلون الجهد في جمع الأموال بأية وسيلة كانت، ومصادرها الجزية والخراج والزكاة والصدقة والعشور. وأهمها في أول الإسلام الجزية لكثرة أهل الذمة، فكان عمال بني أمية يشددون في تحصيلها، فأخذ أهل الذمة يدخلون في الإسلام، فلم يكن ذلك لينجيهم منها، لأن العمال عدّوا إسلامهم حيلة للفرار من الجزية وليس رغبة في الإسلام، فطالبوهم بالجزية بعد إسلامهم.

وأول من فعل ذلك الحجاج بن يوسف، واقتدى به غيره من عمال بني أمية في إفريقيا وخراسان وما وراء النهر، فارتدّ الناس عن الإسلام وهم يودّون البقاء فيه، وخصوصاً أهل خراسان وما وراء النهر، فإنهم ظلوا إلى أواخر أيام بني أمية لا يمنعهم عن الإسلام إلا ظلم العمال بطلب الجزية منهم بعد إسلامهم، فبعث إليهم رجلاً اسمه أبو الصيداء فقال الرجل: "أخرج إليهم على شريطة أن من أسلم لا تؤخذ منه الجزية" فقال أشرس: "نعم" فشخص إلى سمرقند ودعا أهلها إلى الإسلام على أن توضع الجزية عنهم. فسارع الناس إلى الإسلام وقلّ الخراج، فكتب عاملها إلى أشرس: "أن الخراج قد انكسر"، فأجابه: "إن في الخراج قوة للمسلمين، وقد بلغني أن اهل الصغد وأشباههم لم يسلموا رغبة في الإسلام، وإنما أسلموا تعوذاً من الجزية، فانظر من اختتن وأقام الفرائض وقرأ سورة من القرآن فارفع خراجه" ففعل الناس ذلك وبنوا المساجد، وكتب العمال بذلك إلى أشرس فأجابهم: "خذوا الخراج ممن كنتم تأخذونه منه" فأعادوا الجزية على من أسلم، فامتنعوا واعتزلوا في سبعة آلاف على عدة فراسخ من سمرقند، وكانت بسبب ذلك فتنة ارتد عن الإسلام بسببها أهل الصغد وبخارا واستجاش الترك. وما زالوا كذلك حتى تولى خراسان نصر بن سيار وقد عرف موضع الخطأ، فأعلن سنة 121هـ أنه وضع الجزية عمن أسلم، وجعلها على من كان يخفف عنه من المشركين، فلم يمض أسبوع حتى أتاه 30.000 مسلم كانوا يؤدونه الجزية.

ناهيك بما كان يرتكبه بنو أمية من زيادة الخراج وضرب الضرائب والاستئثار بالفيء)(45). 

د- بيع المحافظات لمن يدفع أكثر!

(وكانوا كثيراً ما يعمدون إذا أعوزهم المال إلى بيع الولايات بالرشوة، وخصوصاً في أيام ضعفهم وفساد دولتهم. فإن الوليد بن يزيد لما تولى الخلافة زاد أعطيات الناس ترغيباً لهم في طاعته، فلم يجد مالاً يكفيه، ولم يكن عنده من العمال الأشداء من يوافيه بالأموال حالاً، فكان من جملة ما استعان به على جمع الأموال أنه باع ولاية خراسان وأعمالها ليوسف بن عمر، وصارت الولايات في أيامه بالرشى للخليفة وأصحابه وكانت الولايات تعطى في أيام أسلافه جزاءً على خدمة، كما أعطى معاوية عمرو بن العاص مصر مكافأة لنصرته على علي (عليه السلام)، فاقتدى به خلفاؤه. فكانوا إذا التمس أحدهم الأحزاب أطمع رؤساءها بالولايات، وصار ذلك مشهوراً حتى أصبح الأمير إذا دعى لنصرة أحد الخلفاء اشترط مالاً أو ولاية معينة. ومما يحكى أن عبد الملك بن مروان، في أثناء محاربته مصعب بن الزبير في العراق، بعث إلى أهل الكوفة والبصرة يدعوهم إلى نفسه ويمنيهم، فأجابوه وشرطوا عليه شروطاً وسألوه الولايات. ومن غريب الاتفاق أن أربعين رجلاً منهم سألوه ولاية أصبهان، فقال عبد الملك لمن حضره: "ويحكم! ما أصبهان هذه؟" تعجباً ممن يطلبها)(46).

هـ - تضمين الخراج بالمزايدة

ومن الغريب والمؤلم أن نشير أيضاً إلى نوع آخر من أنواع الظلم والابتزاز الذي كان يمارسه الحكام في حق الرعايا في أمر الخراج، وهو ما كان يسمى تضمين الخراج:

و(تضمين الخراج على نوعين:

1 ـ تضمينه للعمال، أي الولاة الذين يتولون الأمصار، وهو باطل في الشرع الإسلامي، لأن العامل مؤتمن يستوفي ما وجب ويؤدي ما حصل. فهو كالوكيل الذي أدى الأمانة، لم يضمن نقصاناً ولم يملك زيادة. وكانوا في صدر الإسلام يشددون في منع هذا التضمين: حتى ورد عن ابن عباس أن عاملاً أتاه يتقبل منه الأيلة(47) بمائة ألف درهم فضربه مائة سوط وصلبه حياً تعزيراً وأدباً. ولما صارت الخلافة الإسلامية ملكاً أغضوا عن هذا الأمر، وصار الخلفاء يضمنون الخراج لعمالهم أحياناً، فيعطون بخراج أعمالهم مالاً معيناً، ثم يجبون البلاد ويستولون على ما يفضل مهما كان مقداره، كما فعل يحيى بن برمك وغيره، وتطرقوا بعده إلى تضمين القضاة والحسبة والشرطة كما سترى.

2 ـ تضمين الخراج للملتزمين، وهم أناس من أهل الغنى أو النفوذ كانوا يتقبلون الأراضي، أي يضمنونها من متولي الخراج بمال معين يقع عليه بالمزايدة، فيضمن الواحد قرية أو بلداً أو كورة فيزرعها ويستغلها، ويدفع ما عليها من الخراج ويستولي على الباقي. وضمانة الأراضي أو التزامها على هذه الصورة ليس من مخترعات الإسلام، بل هو قديم من أيام اليونان، وقد شاع في المملكة الرومانية وكان في جملة ما اقتبسه العرب عنهم. وظل ضمان الأراضي على هذه الصورة شائعاً في المملكة الإسلامية إلى عهد قريب، وقد مرت عليه أدوار تقلب فيها على أشكال وضروب، ومن هذا القبيل ضمان الأعشار في المملكة العثمانية)(48).

انخفاض(49) نسبة التهرب الضريبي

ويدل على الحقيقة الرابعة: (إنّ نسبة التهرب الضريبي كانت منخفضة بل كانت صفراً) والحقيقة السادسة: (إنّ الناس كانوا يبادرون إلى تسديد الضرائب برغبة ورضا) ما ورد في وصية الإمام علي (عليه السلام) لأحد عماله(50): (إِذا صِرْتَ إلَيْهِمْ، وَلاَ قُوَّةَ إلا بِاللهِ، فَخُذْهُمْ بِمَا آمُرُكَ بِهِ؛ فَإِنْ خَالَفْتَني أَخَذَكَ اللهُ بِهِ دُوني؛ وَإِن بَلَغَني خِلاَفُ مَا أَمَرْتُكَ عَزَلْتُكَ).

وظاهر هذا النص بل صريحه حرمة كل ما سيأتي مما نهى (عليه السلام) عنه، فإن مؤاخذة الله تعالى على المحرمات وأما المكروهات فلا مؤاخذة عليها.

(إذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِمْ فَلا تَبْغَيَنَّ لَهُمْ رِزْقاً يَأكُلُونَهُ. وَلاَ كِسْوَة شِتَاءٍ في شِتَاءٍ. وَلاَ كِسْوَةَ صَيْفٍ في صَيْفٍ. وَلاَ تَأخُذَنَّ مِنْهُمْ شَاةً وَلاَ بَقَرةً، وَلاَ تَبيعَنَّ لَهُمْ حَانَةً، وَلاَ دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا، عَلَى طَلبِ دِرْهَمٍ.

وَلاَ تَضْرِبَنَّ مُسْلِماً أَوْ يَهُودِياً أَوْ نَصْرَانياً مِنْهُمْ سَوْطاً، وَلاَ تَهَيِّجُهُ، وَلاَ تُقِمْهُ في سِجْنٍ، في جِبَايةِ خَراجٍ؛ فَإنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ).

ومن هذا النص، ككثير من نظائره، يظهر مساواة غير المسلمين مع المسلمين في حرمة ظلمهم سواء بسجنٍ أم بضرب أم نظائرهما، و(لَمْ نُؤْمَرْ) دليل الحرمة؛ إذ ما هو محرم في أصله لا يجوز فعله إلا إذا أمر به وحيث لا أمر فالحرمة باقية ثابتة.

(فقال له عامله: يا أمير المؤمنين؛ إذن أجيئك كما ذهبت من عندك!.

فقال (عليه السلام): وَإِنْ رَجَعْتَ كَمَا ذَهَبْتَ. وَيْحَكَ؛ إِنَّما أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمُ الْعَفْوَ. أتَدري مَا الْعَفَوُ؟ هُوَ الطَّاقَةُ.

قال العامل: فخرجت في وجهي واتّبعتُ ما أمرني به أمير المؤمنين؛ فقدمتُ، والله، وما بقي عليهم درهم واحد إلا أدّوه)(51).

ويجدر بعلماء الاقتصاد والتنمية والباحثين أن يتوقفوا طويلاً عند قراراته (عليه السلام) المثالية التي جسّدت أسمى أنموذج للحكومة الفاضلة: (لا تَبْغَيَنَّ... لاَ تَبيعَنَّ... لاَ تَضْرِبَنَّ... وَلاَ تَهَيِّجُهُ، وَلاَ تُقِمْهُ في سِجْنٍ)، ثم عند انطباعات عامله عن نتائج هذه اللوائح التيسيرية المذهلة: (إذن أجيئك كما ذهبت من عندك) أي صفراً خالي اليدين، ثم عند إجابة الإمام (عليه السلام) النادرة الفريدة: (وَإِنْ رَجَعْتَ كَمَا ذَهَبْتَ. وَيْحَكَ؛ إِنَّما أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمُ الْعَفْوَ)، وبعد ذلك عند النتائج المعاكسة وغير المتوقعة أبداً: (قال العامل: فخرجت في وجهي واتّبعتُ ما أمرني به أمير المؤمنين؛ فقدمتُ، والله، وما بقي عليهم درهم واحد إلا أدّوه).

الفشل النسبي لنظام الضرائب الغربي

وفي مقابل ذلك كله نجد الفشل النسبي الذي يعاني منه نظام فرض الضرائب في العصر الحديث حتى في أكثر دول العالم تطوراً وديموقراطية (فالكونجرس يضع القوانين، ولكن الأثرياء من دافعي الضرائب لا يقفون مكتوفي الأيدي دون التصرف حيال ذلك، فتجدهم يغيرون تصرفاتهم بطريقة تجنبهم دفع الضرائب قدر الإمكان، مثل تحويل الأموال خارج المدينة أو الانخراط في استثمارات تحمي دخلهم، أو اللجوء لسلطات قضائية أخرى. فعندما حقق بيورن بورج Bjorn Borg نجاحاً في رياضة التنس، فرضت الحكومة السويدية على مكاسبه ضرائب عالية جداً، عندئذٍ لم يحال بورج استمالة الحكومة السويدية لتقلل عنه الضرائب، أو أن يكتب مقالة عاطفية يعبر فيها عن دور الضرائب في الاقتصاد، ولكنه قام فقط بنقل محل إقامته إلى موناكو التي تطالب سلطتها القضائية بضرائب أقل بكثير.

على الأقل استمر في لعبة التنس. فالضرائب تعطي دافعاً لتجنبها أو لتقليل النشاط الذي يجري فرضها عليه)(52).

الخراج المنخفض مع نسبة الواردات المرتفعة!

وأما الحقيقة الخامسة، وهي أن نسبة الوارد من الخراج كانت ممتازة جداً بالمقارنة مع الخراج الذي كان يأخذه حكام آخرون، وأنه مع ذلك كان مجموع الخراج المتحصل كبيراً وأكثر مما كان يحصل عليه الحكام الذين وضعوا الخراج المرتفع على الناس، فقد يستشهد له بالرواية التالية التي رواها الشيخ الطوسي في التهذيب، فعن مُصْعَبِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: (اسْتَعْمَلَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) عَلَى أَرْبَعَةِ رَسَاتِيقِ: الْمَدَائِنِ الْبِهْقُبَاذَاتِ، وَنَهْرِ شيريا، وَنَهْرِ جُوَيْرٍ، وَنَهْرِ الْمَلِكِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ زَرْعٍ غَلِيظٍ دِرْهَماً وَنِصْفاً، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبٍ وَسَطٍ دِرْهَماً، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبِ زَرْعٍ رَقِيقٍ ثُلُثَيْ دِرْهَمٍ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبِ كَرْمٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبِ نَخْلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبِ الْبَسَاتِينِ الَّتِي تَجْمَعُ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُلْقِيَ كُلَّ نَخْلٍ شَاذٍّ عَنِ الْقُرَى لِمَارَّةِ الطَّرِيقِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلَا آخُذَ مِنْهُ شَيْئاً.

وَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ عَلَى الدَّهَاقِينِ الَّذِينَ يَرْكَبُونَ الْبَرَاذِينَ وَيَتَخَتَّمُونَ بِالذَّهَبِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَماً، وَعَلَى أَوْسَاطِهِمْ وَالتُّجَّارِ مِنْهُمْ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَماً، وَعَلَى سَفِلَتِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً، عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، قَالَ فَجَبَيْتُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي سَنَةٍ)(53)، وسيجد القارئ الكريم بعض الإيضاحات للرواية في الملحق (11).

وقد روى في (وسائل الشيعة) هذه الرواية عن الشيخ الطوسي في التهذيب، وعن الشيخ الصدوق والشيخ المفيد، ثم علّق بقوله: (أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى أَنَّهُ (عليه السلام) رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَغَيَّرَ الْمَصْلَحَةُ إِلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَكَذَا ذَكَرَ الْمُفِيدُ وَغَيْرُهُمَا)(54).

ونكتشف من ههنا حقائق هامة: 

عوائد الخراج المرتفعة على أربعة رساتيق

الحقيقة الأولى: إن نسبة العوائد من الخراج على هذه الرساتيق الأربعة (نهرسيريا، نهر جوير، نهر الملك والمدائن البهقباذات) كانت مرتفعة جداً، وهي ثمانية عشر مليون درهم، وهي تساوي ثروة كبيرة جداً ذلك الزمن، إذ كانت الشاة مثلاً تباع وتشترى بعشرة إلى عشرين درهماً أو ما يقارب ذلك.

إضافة إلى ذلك فإنه ومع قياس هذا الوارد بما كان يحصل عليه بعض الحكام الآخرين، نعرف أنهم كانوا يحصلون على أقل من ذلك رغم أنهم كانوا يفرضون خراجاً أكبر وكانوا يتشددون في تحصيله واستخراجه من الناس، ويمكن أن نستشهد على ذلك بما نقلناه في الملحق الآخر لتجد فيه مثلاً وارد الحاكم العباسي من تلك الرساتيق: (بهرسير 150 ألف درهم، باروسما ونهر الملك 122 ألف درهم، قطربل وخطرانية 350 ألف درهم، الفلوجة العليا 70 ألف درهم، الفلوجة السفلى 280 ألف درهم، طسوج النهرين 45 ألف درهم، عين التمر 45 ألف درهم، الجبة والبداة 150 ألف درهم، سوراء وبرنسيما 250 ألف درهم فرات وبارقلي 62 ألف درهم طسوج السيلحين 140 ألف درهم)(55).

ومقادير الضريبة المنخفضة!

الحقيقة الثانية: إن مقادير الضريبة التي وضعها الإمام (عليه السلام) على الدهاقين وعلى التجار كانت منخفضة جداً، فإن الجزية كانت تؤخذ على الرؤوس، أي على كل شخص، مقابل توفير الحماية الكاملة له، ومع ذلك نجد أنه (عليه السلام) وضع على التجار مثلاً 24 درهماً، وعلى كبار الأثرياء 48 درهماً، و48 درهم ولعلها كانت تعادل ما يتراوح بين شاتين إلى خمسة شياة(56)، وهذه الضريبة لا تشكل شيئاً خاصة أنها كانت سنوية لا أكثر، وأما 12 درهماً الموضوعة على السِفلة، (والمراد بهم ما يقابل أعيان الناس، وفي مجمع البحرين: "السِفلة الساقط من الناس") وعلى الفقراء (والمراد بهم ما عن ابن السكيت: "الفَقِيرُ هو الذي له بُلْغَةٌ من العيش" وليس الفقير المطلق، فتأمل)، فتعادل نصف شاة أو شاة واحدة سنوياً، وهذه الضريبة لا تعدّ شيئاً بالقياس إلى الضرائب التي كان يجعلها الحكام الآخرون، في ذلك الزمن بل وحتى في هذا الزمن فإن ضرائب الكهرباء والماء والضرائب المفروضة على السلع الاستهلاكية والخدمات هي أكثر بكثير من ذلك، وعلى سبيل المثال: (تحصل الولايات على معظم إيراداتها من الضرائب العامة على بيع السلع والخدمات. فكل عملية شراء تتم في متجر، أو صيدلية، أومطعم، تفرض عيها نسبة مائوية كضريبة (في بعض الولايات يستثنى الطعام والضروريات الأخرى). كما أن الولايات تضيف عادة رسوم إنتاج خاصة بها على التبغ والكحول، علاوة على رسوم الإنتاج الفدرالية. وهناك نوع من القبول لدى الناس تجاه "ضرائب الخطيئة" هذه، لأن معظمهم ـ بما في ذلك المدخنين والذين يتعاطون الكحول بإعتدال ـ يشعرون بأن هناك شيء لا اخلاقي غامض في الكحول والتبغ)(57)، على أن العاجز لم يكن يؤخذ منه شيء بل كانت تكاليف معيشته على بيت المال.

ولعل الفلسفة في فرض ضريبة عليه، والإنفاق عليه عند حاجته من بيت المال، هي أن يستشعر المسؤولية ويفهم قيمة الأموال.

دمج مبدأي القدرة على الدفع والانتفاع

الحقيقة الثالثة: الذي يبدو من تركيبة الضرائب التي وضعها الإمام (عليه السلام) أنها كانت تعتمد على المزج بين مبدأين في الضريبة، هما مبدأ النفعية ومبدأ القدرة على الدفع، أما مبدأ النفعية benefit principle، فإنه ينص على أنه يجب فرض الضرائب على مختلف الأفراد بمقدار يتناسب مع المنافع التي يتلقونها من برامج الحكومة. أي، كما أن الناس يدفعون من نقودهم الخاصة ما يتناسب مع ما يستهلكونه من خبز، فإن الضريبة المفروضة على الشخص يجب أن يكون لها صلة بمقدار ما يستخدم من سلع جماعية مثل الطرق أو الحدائق العامة.

وأما مبدأ القدرة على الدفع ability – to – pay principle، فإنه ينص على أنه يجب أن يكون للضريبة صلة بمقدار الدخل أو الثروة. فكلما زادت الثروة أو الدخل، كلما زادت الضريبة. وتكون الأنظمة الضريبية المنظمة حسب مبدأ القدرة على الدفع معيدة لتوزيع الدخل، أي إنها تجمع الأموال من ذوي الدخل المرتفع لزيادة دخل أو استهلاك المجموعات الأفقر.

مثلاً: إذا موّل إنشاء جسر جديد بفرض رسوم على عبور ذلك الجسر، فإن ذلك انعكاس لمبدأ النفعية، لأنك لا تدفع للجسر إلا إذا عبرته، أما إذا موّل الجسر مما يجمع من ضريبة الدخل، فذلك مثال على مبدأ القدرة على الدفع)(58).

والضريبة على الفقراء (القادرين رغم فقرهم على دفع ضريبة منخفضة جداً) تعتمد على مبدأ النفعية، أما مضاعفتها على الأغنياء فتعتمد على مبدأ القدرة على الدفع.

خفض الضرائب والإنفاق على البنية التحتية في حكمه (عليه السلام)

وأما الحقيقة السابعة التي تشير إلى كلا جناحي السياسة المالية التوسعية، فقد مضى بعض الكلام عنها في الكتاب السابق(59)، كما أشرنا إليها في مواضع من هذا الكتاب(60)، ويشهد لها قوله (عليه السلام) في عهده للاشتر:

أولاً: (فَإِنْ شَكَوْا(61) ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شُرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ، أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ).

وهذا النص صريح في خفض الضرائب، وأما النص الآتي فهو صريح في السياسة المالية التوسعية بالإنفاق على إصلاح ما يقدرون عليه، الظاهر في الإنفاق على إصلاح البنية التحتية، من أنهار وطرق وجسور وغير ذلك، ولئن تأمل متأمل في ظهوره فانه لا مجال للتأمل في عمومه(62).

ثانياً: ("وإن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم، فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ؛ فَإِنَّ في عاقِبَةِ كِفايَتِكَ إيّاهُم صَلاحاً، إِنْ شَاءَ الله"(63).

وَلَا يَثْقُلَنَّ شَيْ‏ءٌ عَلَيْكَ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلَايَتِكَ، مَعَ "اقتِنائِكَ مَوَدَّتَهُم و"(64) اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ(65)، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ "وَالخَيْرِ"(66) فِيهِمْ، "وما يُسَهِّلُ اللّهُ بِهِ مِن جَلبِهِم.

فَإِنَّ الخَراجَ لا يُستَخرَجُ بِالكَدِّ والإتعابِ؛ مَعَ أنَّها عُقَدٌ تَعتَمِدُ عَلَيها، إن حَدَثَ حَدَثٌ كُنتَ عَلَيهِم"(67) مُعْتَمِداً لفَضْلَ قُوَّتِهِمْ، بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ، وَالثِّقَةِ مِنْهُمْ، بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ، فِي رِفْقِكَ بِهِمْ.

فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ.

فَإِنَّ الْعُمْرَانَ يَحْتَمِلُ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا.

وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَر)، وحيث فصّلنا الكلام عن مقاطع من هذا الحديث في مواضع أخرى فلا داعي للإعادة، ولكن سنتوقف ههنا عند بعض ما لم نبحثه هنالك.

* مقتبس من كتاب (التنمية الاقتصادية في نصوص الإمام علي عليه السلام) المجلد الثاني، لمؤلفه: السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

............................................... 

(1) Virginia Postrel, "The U. S. Tax Syatem Is Discouraging Married Women from Working," New York Times, November 2,2000, p. C2..

(2) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشّاري، الاقتصاد عارياً: ص68.

(3) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشّاري، الاقتصاد عارياً: ص71، و68 ـ 69.

(4) بول سامويلسون ونورد هاوس، الاقتصاد، ترجمة هشام عبد الله، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ـ عمان: ص341.

(5) Friedrich Schneider and Dominik H. Enste, "Shadow Economies; Size, Causes, and Consequences," Journal of Economic Literature, March 2000..

(6) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشّاري، الاقتصاد عارياً: ص69.

(7) وخلافاً للنقطة الرابعة الأخيرة.

(8) وخلافاً للنقطة الثالثة السابقة.

(9) وخلافاً للنقطة الثانية الماضية.

(10) إنه (عليه السلام) كان يدفع لهم كلما احتاجوا لإصلاح أو استصلاح.

(11) من: (إنطلق على تقوى الله) إلى: (شريك له) ومن: (ولا تروعن) إلى: (ترهقه) ورد في كتب الشريف الرضي: تحت الرقم 25.

(12) ورد في الغارات: ص76. وفي المقنعة: ص255. وفي الكافي للكليني: ج3 ص536 الحديث1. وفي فقه القرآن: ج1 ص235. وفي منتهى المطلب: ج1 ص481. وفي تذكرة الفقهاء: ج1 ص232، عن الإمام جعفر الصادق عن علي (عليهما السلام). وفي ج5 ص246 بالسند السابق.

(13) ورد في المصادر السابقة.

(14) نهج البلاغة: الكتاب 25.

(15) أي تلقي لهم تحية ناقصة مبتورة أو جافة.

(16) ورد في المقنعة، والكافي للكليني، ومنتهى المطلب، وتذكرة الفقهاء: ج1 وج5، وفقه القرآن.

(17) من: (فخذ) إلى: (تعالى) ورد في كتب الشريف الرضي: تحت الرقم 25.

(18) ورد في المقنعة: ص255، وفي الكافي للكليني: ج3 ص536 الحديث 1. وفي منتهى المطلب: ج1 ص481. وفي تذكرة الفقهاء: ج1 ص232. وفي ج5 ص246.

(19) ورد في المصادر السابقة، وفي فقه القرآن: ج1 ص235.

(20) نهج البلاغة: الكتاب 25.

(21) سورة آل عمران: 159.

(22) سورة هود: 118 ـ 119.

(23) من: (فأنصفوا الناس) ومن: (ولا تحشموا) إلى: (طلبته) ورد في كتب الشريف الرضي: تحت الرقم 51.

(24) ورد في وقعة صفين: ص108. عن نصر، عن عمر بن سعد، عن علي (عليه السلام)، وفي المعيار والموازنة: ص122.

(25) الاحتشام من الحِشمة: الانقباض والاستحياء، وكلاهما محتمل، أي لا تجعلوه ينقبض ويتراجع عن عرض حاجته، أو يستحيي من عرضها وطرحها عليكم.

(26) من: (ولا تبيعن) إلى: (شوكة عليه) ورد في كتب الشريف الرضي: تحت الرقم 51.

(27) أي لا تؤدى منها.

(28) نهج البلاغة: الكتاب 51.

(29) وربما يكون علّة أيضاً لأمره بالإنصاف، لكنه يكون حينئذٍ عِلّة لتأكّد الوجوب لا لأصله، فتدبر.

(30) من: (أمره) إلى: (العبادة) ورد في كتب الشريف الرضي: تحت الرقم 26.

(31) (أمره) ورد في هامش نسخة نصيري: ص160. ونسخة عبده: ص542. ونسخة الصالح: ص382.

(32) (عمله) ورد في المصادر السابقة: ونسخة ابن أبي المحاسن: ص290. ونسخة العطاردي: ص327.

(33) ورد في دعائم الإسلام: ج1 ص252.

(34) من: (وأمره) إلى: (فاقةٍ) ورد في كتب الشريف الرضي: تحت الرقم 26.

(35) ورد في دعائم الإسلام: ج1 ص252.

(36) ورد في دعائم الإسلام: ج1 ص252.

(37) ورد في دعائم الإسلام: ج1 ص252.

(38) من: (وإنا موفوك) إلى: (والسلام) ورد في كتب الشريف الرضي: تحت الرقم 26.

(39) (وَإلاَّ) ورد في نسخة ابن المؤدب: ص234. ونسخة الآملي: ص247. ونسخة ابن أبي المحاسن: ص290. ونسخة الإسترابادي: ص403. ونسخة الصالح: ص382. ونسخة العطاردي: ص327.

(40) ورد في نسخة الصالح: ص382.

(41) نهج البلاغة: الكتاب 26.

(42) أقول: وكذلك الحال في هذا الأمر وما يليه، في زماننا هذا، في الدول الاستبدادية، بل وفي الدول الديمقراطية إلى حد ما، ولكن بطريقة أكثر ذكاءً؛ إذ يحصل المسؤولون على امتيازات في عدد من الشركات أو يوظفون فيها، في مناصب عالية بعد انتهاء ولايتهم، حسب اتفاقات مسبقة أو ليكونوا جزء جماعات الضغط نظراً لخبرويتهم بدهاليز الحكومة وأروقة السياسة.

(43) ابن الطقطقي، كتاب الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، دار القلم العربي، بيروت: ص260.

(44) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج4 ص190ـ 191.

(45) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج4 ص87 ـ 88.

(46) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج4 ص89.

(47) بفتح الهمزة: اسم بلد بين مصر والشام. وبكسر الهمزة: بين نيسابور وهرات. وقال الذهبي: اسم ثلاثة أماكن.

(48) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج1 ص234 ـ 235.

(49) والأدق: هو انعدام النسبة أو تصفيرها بحسب الرواية المذكورة في المتن وبعض الروايات الأخرى.

(50) ورد في محاضرات الأدباء: ج1 ص166. وفي الكافي للكليني: ج3 ص540 الحديث 8. عن علي (عليه السلام). وفي من لا يحضره الفقيه: ج2 ص13 الحديث 9 ـ 34. عن رجل من ثقيف، عن علي (عليه السلام)، وفي تيسير المطالب: ص41، عن علي (عليه السلام). وفي شرح الأخبار: ج2 ص365 الحديث 726، عن الدغشي، بإسناده عن علي (عليه السلام). وفي تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص487.

(51) ورد في محاضرات الأدباء: ج1 ص166. وفي الكافي للكليني: ج3 ص540 الحديث 8. وفي من لا يحضره الفقيه: ج2 ص13 الحديث 9 ـ 34. وفي تيسير المطالب: ص41. وفي شرح الأخبار: ج2 ص365 الحديث 726. وفي تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص487. وفي كتاب الورع لابن أبي الدنيا: ص89 الحديث 127. وفي كشف الغمة: ج1 ص173. وفي كنز العمال: ج4 ص501 الحديث 11488. وفي ج5 ص773 الحديث 14346. وفي أسد الغابة: ج4 ص24. وفي نهج السعادة: ج2 ص46. وفي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم: ج1 ص82. وفي بهجة المجالس: ج1 ص333. وفي كتاب الأموال لابن زنجويه: ج1 ص166 الحديث 173.

(52) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشاري، الاقتصاد عارياً: ص67ـ 68.

(53) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية: ج4 ص169، وعنه: بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ط مؤسسة الوفاء ـ بيروت: ج33 ص466.

(54) الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ج15 ص152.

(55) أقول: لكن الأمر بحاجة إلى تتبع أشمل ومقارنة أوسع، إذ المذكور في قائمة قدامة بن جعفر هو جباية السواد، دون الرؤوس، وأما المذكور في رواية التهذيب فهو المجموع من الخراج والجزية، فلا بد من معرفة كمية ما كان يتحصل من جزية الرؤوس أيضاً، فتأمل وتدبر.

(56) إذ كانت قيمة الشاة دينارين وربما بلغت ديناراً أو نصفه، كما تدل عليه رواية عروة البارقي التي عبّر عنها في الجواهر بقوله: (أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر في سنده) (جواهر الكلام: ج22 ص277)، والحديث هو: (عن عروة بن جعد البارقي قال: قدم جلب (أ)، فأعطاني النبيّ (صلى الله عليه وآله) ديناراً، فقال: «اشتر بها شاة»، فاشتريت شاتين بدينار، فلحقني رجل فبعت أحدهما منه بدينار، ثم أتيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) بشاة ودينار، فرده عليّ، وقال: «بارك الله لك في صفقة يمينك»، ولقد كنت أقوم بالكناسة ـ أو قال بالكوفة ـ فأربح في اليوم أربعين ألفاً)، (مستدرك الوسائل: ج13 ص245).

 (أ) الجَلَب: ما جُلب من خيل وإبل ومتاع إلى الأسواق للبيع. (لسان العرب: ج١ ص٢٦٨ مادة جلب).

(57) بول سامويلسون ونورد هاوس، الاقتصاد، ترجمة هشام عبد الله، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ـ عمان: ص343.

(58) بول سامويلسون ونورد هاوس، الاقتصاد، ترجمة هشام عبد الله، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ـ عمان: ص337.

(59) يراجع كتاب (بحوث في الاقتصاد الإسلامي المقارن): ج2 ص444 و 452 فصاعداً، وأيضاً ص419 ـ 443.

(60) عنوان (إطلالة على السياسة المالية التوسعية في نصوص الإمام (عليه السلام)) ومواضع أخرى آتية مثل (الركن الثاني: زيادة الإنفاق وصولاً إلى الإصلاح الاقتصادي) و(الركن الثالث: الإنفاق خاصة على المحرومين) وغيرها.

(61) من: (فإن شكوا) إلى: (به أمرهم)، ومن: (ولا يثقلن) إلى: (العدل فيهم) ورد في كتب الشريف الرضي: تحت الرقم 53.

(62) للإنفاق على البنية التحتية وعلى مثل شراء الأسمدة والبذور والمبيدات الحشرية وغيرها.

(63) ورد في دعائم الإسلام: ج1 ص361. وفي تحف العقول: ص97، باختلاف يسير.

(64) ورد في تحف العقول: ص97.

(65) (نِيَّاتهمْ) ورد في هامش نسخة الإسترابادي: ص475.

(66) ورد في تحف العقول: ص97.

(67) (يَأتي) ورد في تذكرة ابن حمدون: ص62.

اضف تعليق