العقل البشري هو نوع من انواع الطاقة، اذ يمكن امتلاك المعرفة من المصادر العلمية المختلفة، كالكتب والانترنت او المراكز الخاصة بالإستشارة، وتحويل المعرفة الى قوة بتنظيمها في خطط محددة، وتطبيقها على ارض الواقع، ولكن السؤال هنا لماذا التخطيط يعد الركيزة الأساسية للنجاح؟ والجواب هو ان اي عمل يجب ان تدون خطواته وماهية عمله قبل التنفيذ لرسم صورة وهيكلية واضحة عن المشروع قبل تجسيده على ارض الواقع.
اذ ان التخطيط للعمل يعزز من فرص النجاح، ويجعلها تبدو قريبة من الهدف المنشود، لأن اي مشروع يقوم على تصوّر مسبق يصبح سهل الإنجاز، ولقد ثبت أن التخطيط الجيد، يشكل خمسين في المئة من تحقيق العمل، لأن التفكير في اي عمل يصور الاحتمالات المفاجئة التي من الممكن ان تحدث، وبالتالي سيتجاوز المخطط الاخطاء التي من الممكن ان تسبب فشل المشروع.
كما ان اهمال التخطيط يؤدي ليس فقط إلى الفوضى وضياع الجهود، بل إلى الإهمال والتسويف ايضاً وضياع الوقت الذي يعتبر عامل مهم للنجاح، فمن الممكن الحكم بنجاح او فشل اي مشروع من خلال نظرة فاحصة وواقعية الى المخطط قبيل تنفيذه على ارض الواقع.
فمن يملك هدفاً محدداً، وخطة سليمة لتحقيقه، ويمتلك إرادة لتنفيذها لا يبقى عليه الكثير لكي يحقق ما يريد..
ويقول ابراهيم الفقي في هذا الباب: " الشخص الذي لا يخطط قد ينجح، لكن الصعوبات والعقبات والمشاكل التي تواجهه تكون أكثر وأشد من التي تواجه الشخص الذي لديه خطة وهدف واضحين، وليس من الحنكة أو الذكاء أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير".
ولقد جاء التعبير عن التخطيط بالتدبير، في الأحاديث والروايات، والتأكيد عليه كبير جداً... يقول الإمام علي (عليه السلام): "التدبير قبل العمل يؤمنك الندم" (تحف العقول, ص70).
فالخطة هي ترتيب العمل على شكل خطوات متسلسلة، فالإنسان الذكي يضع تفاصيل عمله نصب عينيه، ويدرج على اساسها نقاط مهمة يتبعها خطوة بخطوة، فترى انجح الناس هم من يخططون لحياتهم، ويلتزمون بالخطط الموضوعة.
وموضوع ادارة الوقت يلعب دوراً كبيراً في عملية التخطيط، فالإنسان الذي يرغب في النجاح، عليه ان يضع جدول زمني يحدد من خلاله الزمن الذي يجب ان يستغرقه في تنفيذ كل خطوة من خطوات العمل، وبهذه الطريقة سيكون قد وفر على نفسه جهد ووقت اقل، لأن التنظيم يوفر نصف الوقت، والوقت عامل حاسم للنجاح.
ولا يمكن لأكثر الناس ذكاء أن ينجحوا في اي مشروع أوعمل دون خطط تطبيقية وقابلة للتنفيذ، وهنالك احتمال كبير في فشل الخطط، الاّ ان الانهزام المؤقت ليس فشلاً دائماً، وقد يعني فقط أن الخطط لم تكن سليمة، وان على الشخص ان يضع خطط أخرى وفق معايير ثانية، وان يبدأ الإنسان من جديد.
هناك مقولة يابانية تقول (لابد أن تخسر 200مرة لتكتسب الخبرة، ولتفوز في المرة رقم 201) بما معناه ان الاستمرار هو الطريق الوحيد للوصول الى التفرد والعبقرية، والاستمرار يتفوق على الموهبة، ولكن الاستمرارية تحتاج الى الاصرار والعزيمة.
فالفشل ليس امراً حتمياً على الإنسان، وليس مُقدر عليه ان يكون فاشلاً، حتى وان فشل في جميع المشاريع والاعمال التي يقدم عليها، بل هو المعرفة الأكيدة بوجود خطأ في الخطة الموضوعة..
فالكثير من الناس يعيشون حالة من البؤس والفقر لأنهم يفتقرون إلى خطة سليمة تمكنهم من جمع الثروة، وليس الفشل قدر حتمي كتب على شخص دون غيره.
فنحن غالباً ما ننظر الى الجانب الجميل والمزدهر من حياة الناجحين، وندرك انتصاراتهم فقط، ولا ننظر الى هزائمهم المؤقتة التي كان عليهم تخطيها قبل الوصول إلى النجاح، كما انه لا يمكن لأي انسان ان يتوقع النجاح في اي مجال من مجالات الحياة دون المرور بالفشل، واذا تعلم الانسان من فشله اكتسب معرفة جديدة، وعرف بإن هذا الطريق مسدود، وبأنه لن يقصد هذا الطريق مرة اخرى، "توماس اديسون" صاحب الألف إختراع، حاول 9999 مرة قبل أن ينجح في إختراع المصباح الكهربي، وعندما سأله أحد الصحفيين الألمان بسخرية بعد المحاولة رقم 5000 لماذا لا تعترف بأنك فشلت 5000 مرة حتى الآن، وأن إختراعك لن يرى النور أبداً؟ أجابه أديسون: "يا بني أنا لم أفشل أبداً، ولكن للتو إكتشفت 5000 طريقة لا تؤدي إلى إختراعي للمصباح الذي أريد!".
لم يعترف اديسون بفشله مطلقاً، انما اعتبره محاولات غير ناجحة تعلم منها، فقد واجه في بدايته صعوبات كثيرة ومحاولات فاشلة حتى بعد وصوله الى القمة، ولكنه استمر بالمحاولة واوجد خططاً جديدة وتابع مسيرته ليصل الى مبتغاه.
وهنالك بعض النقاط التي يذكرها السيد هادي المدرسي في كتابه فنون النجاح، والتي يوضح فيها الأطر العامة في وضع الخطة السليمة:
1- حدد أهداف الخطة التي تريد وضعها. وكلما كانت الأهداف محددة بدقة، كانت الخطة أكثر إحكاماً وأكثر قابلية للتنفيذ.
2- إجعل خطتك على مقاس أهدافك، لا أوسع منها، ولا أضيق.
3- أذكر الخيارات المتاحة أمامك، بأن تضع أكثر من فكرة لخطط متباينة، ثم اختر واحدة منها، فوجود خيارات متعددة سيجعل الخطة المختارة الأحسن إمكانية، كما أن ذلك يوفر لك طريقة للتنفيذ إذا واجهتك مشاكل في الطريق.
4- أدرس العقبات والمشكلات التي يمكن أن تتعرض طريقك، وضع بعض الحلول لها.
5- حدد الامكانيات المتاحة، وكذلك حدد أسماء الذين سوف يطلب تعاونهم، وحدد مواقعهم.
6- حاول الإستفادة من خطط الآخرين لتنفيذ الأهداف المشابهة "فأعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله" كما يقول الامام علي (عليه السلام)، والاستفادة من خبرات الآخرين يجعل خطتك أقرب الى العلمية، ومن المهم أن لا تكون خطتك مجرد استنساخ لخطط الآخرين، لأن لكل ظرف متطلباته التي قد تختلف عن غيره..
7- أعرض خطتك على خبير في الموضوع، وعلى الأقل اعرضها على اصدقائك لكي يتم نقدها ولا تكن رافضاً لكل اقتراح منهم، بل اختر من بين اقتراحاتهم ما يتناسب مع اهدافك.
8- افتح باب التعديل، وراجع الخطة بين فترة وأخرى وأنت تقوم بعملية التنفيذ.
9- اهتم بالجانب الاقتصادي من تنفيذ الخطة، إبدأ بالتنفيذ حسب المدة المقررة للبدء.. فلا تتأخر عن ذلك، لأن "في التأخير آفات" كما يقول الحديث الشريف، فكم من خطط سليمة وضعت لتحقيق أهداف سليمة ولكن التأخير عن تنفيذها ألغاها تماماً..
وتبقى متابعة الخطة و تتابع سير العمل وتقييم الأخطاء أو العقبات التي تواجه تنفيذ المشروع والعمل على حلها من النقاط الأساسية التي يجب ان يلتفت اليه المخطط، ومن المهم ايضاً ان يضع المخطط والمقدم على مشروع مهم خطة بديلة، ليتمكن من تطبيقها في حال لو فشلت الخطة الاولى او واجه بعض العقبات والصعوبات في تنفيذها، ويجب ان يؤخذ بعين الاعتبار بأن التخطيط قبل العمل يعزز فرص النجاح فتصبح الأهداف على اثرها واضحة، وسهلة التطبيق على ارض الواقع، لأن الخطة تقي اصحابها من الوقوع في الخطأ وتؤمن النجاح، فيقول الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): " حسن التدبير ينمي قليل المال وسوء التدبير يفني كثيره" (ميزان الحكمة، ج2، ص 1385).
اضف تعليق