عندما نسمع بكلمة لص نُصابُ بالخوف، ويصيبنا رعب شديد، وفزع لا نهاية له، ولكن ماذا لو كنّا جميعاً لصوص، أو أننا نستحق هذا التوصيف لأسباب معقولة؟
نعم نحن !!أنا وأنت، نحن الذي ندّعي الإيمان والمثالية، فإننا كثير ما نسرق من بنك إيماننا وعهودنا وآمالنا وأحلامنا!.
هل تتذكر عندما نطقتَ بعهد قطعته على نفسك.. بأن أكونُ أنا وطنُك دائما وأبدا، وقد صدَّقتكَ بكل الصدق، لكنني لم أعرف بأن الصدق كان من الطراز القديم ولا يستفاد منه في هذا الزمن بالتحديد!.
فأنتَ سرعان ما تغيرت يا سيدي، وليس الذنبُ ذنبك! إنها الحياة تهدي لنا صدفاً جميلة وبعد ذلك تصفعنا بقسوة لا نتوقعها، أو أننا نفاجأ بها لأنها لم تخطر على بالنا قط !
ففي الوقت الذي تظن فيه، بأن الأمور تجري معك على ما يرام، تجد نفسك تتأرجح في أرجوحة قديمة ذات حبال متهرئة، ومع أنك تستمتع بهذه الأرجوحة، لكن قلبكَ لا يمكنهُ أن يخفي ذلك الشعور بالخوف، فأنت تبقى تشعر بتلك اللحظة التي تُرعب قلبك، لأنك قد تسقط من الأرجوحة في أية لحظة.. إن مجرد الشعور بهذا الخوف.. هو نوع من أنواع السرقة من حقوق الآخرين علينا.
هل تعرف أنّ هنالك وعوداً لا تُكتب على ورق ولا يشهد عليها أحد، لكنَّ أدقّ تفاصيلها تُكتب على جدران القلب، وهي وعود الكلمة والعهد الذي لا ينكثه صاحبه، فهنالك وعود لفظية لا تضاهيها أدق الوعود المكتوبة على الورق والمشهود عليه بأكثر من شاهد، إنها عهود القلب للقلب، والروح للروح، تلك التي تحميها القيم، ويرعاها الصدق، وتصونها إنسانية الإنسان، وعندما يخونها أحدهم لأي سبب كان، ألا يُعدّ ذلك من أنواع السرقات؟!.
لذلك أدعوكم الى أن ترحموا من تتعهدون لهم بعهد ما، نعم عليك أن ترحم وتفي بوعدك لمن تعدهُ بشيء. هل سمعتَ بتلك القصة المؤلمة، عندما مر ذلك الملك من باب قصره وكان الهواء شديد البرودة، فرأى أحد جنوده واقفا عند باب قصره وعلى ملامحه تبدو آثار البرد صارخةً، مما نبيَّن بأنه يعاني من زمهرير الهواء القارس البرد، وعندما رآه الملك في تلك الحالة، مرتجفا من شدة البرد، ملتزما بأداء واجبه، قال له الملك: ي إنّ آثار التعب تبدو ظاهرة عليك، كأنك تعاني من هذا الجو الشديد البرد، سوف أرسل لك غطاء كي تتخلص من هذه المأساة التي تعاني منها، واصل أداءَك الواجب وكنْ مطمئنا.
ثم ذهب الملك الى قصره، وفِي اليوم التالي عثروا على جسد ذلك الجندي متجمدا بسبب الصقيع، وكان قد لفظ أنفاسه بصورة تامة، نعم لقد وجدوا ذلك الجندي ميتا، ويبدو أنه نرك رسالةً فوق جثته كتب فيها ( لم أمت بسبب تأخر الملك في إرسال الغطاء لي، لقد قتلني الانتظار).
وبعد أن وصل خبر موت الجندي الى الملك، فتذكَّر وعده، ولكن عندما يفوت الأوان، ليس باستطاعة أحد أن يرجع الأمور الى مجراها، أو الى ما كانت عليه في السابق، وليس باستطاعة أحد أن يُرجع الأموات الى بيوتهم مرة أخرى.. وليس بإمكان أحد أن يلصق أجزاء وقطع القلب الممزق مرة أخرى.. لذلك ارحموا الناس عندما تعدونهم بشيء.. أليس هذا نوعا من السرقة؟.
ربما يعاني أحدهم بسبب الوحدة فيحتاج الى الطرف المقابل ليكون قريبا منه، فإذا لم تكن لديك نيّة البقاء معه، لا تقترب أكثر، لا تكسر الحاجز الزجاجي بينكما، في بعض الأحيان هناك أناس يزيدون الجرح آلاما وحدّةً، لأنهم يقتربون ويقتربون أكثر ممن يحتاجهم، وهكذا وبكل لطف يفتحون الجروح القديمة، فتدمي روح الإنسان ومن ثم يفقد توازنه ويركع بضعف، بعد أن كان مرفوع الرأس فيما مضى، تُرى لماذا أجبرته على الشعور بالذل وهو أخوك في الإنسانية، أليست هذه سرقة لحقوق الآخرين؟.
أتعرف؟؟ لقد كنت أغامر بالغوص في المياه الراكدة، حيث لا يوجد أي مركب غيري، وما من نسيم يغير رائحة المكان، وما من ريح تتسبب في أية حركة، حتى يتحرك المركب قُدُما الى أمام كي يمخر عباب البحر، هنا عند هذه اللحظة يعاني الجميع من عدم القدرة على تحريك المركب، ولكن لا أحد يسعه فعل أي شيء تجاه ركود الريح وصمتها!.
فالجميع يجلس في المركب مذعنا لما يحدث، متذرّعا بالقدرية، ويسمي هذا الوجع قسمة وقدر، نعم نحن لصوص ومتهمون لأننا نتجاوز على حقوق غيرنا من الناس، وبعضهم ضعفاء، بل في حالة ضعف لا يمكنهم معها فعل أي شيء، ولا قدرة لديهم على الرفض أو المقاومة، فأقوى شيء يمكنهم فعله هو الصمت والإذعان لا عن قناعة، بل عن ضعف، أليس هذا نوعا من السرقة؟.
إننا نعد ونخالف لأننا نحب ونخشى من إظهار حبنا، لأننا نسرق الآخرين، فنخفي أنفسنا وراء أقنعتنا كي لا يشك فينا أحد، نسرق من آمالنا، طموحنا، إيماننا، نسرق قلوب أحبتنا من دون أية رحمة، ونظهر مرة أخرى خلف قناع جديد.
رائحة النفاق أصبحت خانقة وأوشكت أن تفقدنا وعينا لأننا لصوص مع سبق الإصرار!.
اضف تعليق