في سياق التحديات التي تفرضها ظاهرة هجرة الشباب نحو الغرب وغياب الهويات الفرعية وضياع الشعور بالانتماء الوطني، عقد في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام ملتقى الشباب الاسبوعي، لمناقشة ورقة أعدها الشاب المغترب في امريكا مصطفى فؤاد، حول إشكالية الشباب المغترب الانتماء والهوية، بحضور نخبة من الشباب الواعي.
افتتح الملتقى الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، مستهلا كلامه بمقدمه اورد فيها، ان العالم اليوم يشهد حالة صراع وصدام شديد، سيما على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين مختلف الجهات، ومختلف الاجيال والاجندات الثقافية المتعارضة ازاء حالة الاندماج، سواء اكان ذلك اندماجا اختياريا او قسريا، ويضاف الى ذلك تمرد الشباب على هويتهم الاصيلة وذهابهم نحو هويات جديدة.
عرض معد ورقة الجلسة مصطفى فؤاد أفكاره قائلا: "في عصر العولمة وشبكات التواصل الاجتماعي، الكل يعيش حالة من حالات الاغتراب لكن بمستويات مختلفة، حيث جعلت شبكات التواصل الاجتماعي التي تتمثل بمواقع الفيسبوك والتيليغرام والتوتير كل فرد من افراد المجتمع حتى داخل وطنه، يعيش حالة من حالات الاغتراب".
يضيف فؤاد "لكن الشاب المغترب في الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال ومن خلال تجربتي الخاصة التي بداءتها منذ العام (2010) والى الان، على الرغم من وجود التكنلوجية ودخولها في كل زوايا الحياة، لا تنتهي عند قنوات التواصل الاجتماعي والجامعات وما الى ذلك، ولتبيان تلك الحقائق تتولد لدى المغترب اثناء تماسه مع الثقافة الغربية، تساؤلات تتمحور حول نقطة استفهامية مهمة وهي (من نحن؟)، (ومن انا؟)".
يكمل فؤاد "بالإضافة الى ذلك ان حالة العزلة التي تعيشها المجتمعات العربية داخل المجتمع الامريكي على وجه التحديد والمجتمعات الغربية على وجه الخصوص، قد يتحمل جزء كبير منها الاباء والامهات ويبقون منعزلين عن المحيط الاجتماعي الغربي، لكن هذا الشيء لا يمكن تمريره على الشباب كون هناك ثمة استثناءات جوهرية لها علاقة بحركة الشاب وتفاعله مع المجتمع بحكم الدراسة او لعمل او للاحتكاك".
يسترسل فؤاد "ان الهوية الشاب المغترب ضائعة والانتماء هو الاخر ضائع خصوصا وان ليس هناك من جهة تدعم ذلك التوجه، خاصة على مستوى المؤسسة الدينية او السياسية او الثقافية او على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، ومن الطبيعي بمكان ان تشكل هذه النقطة نقطة قوة بالنسبة للمغتربين وهي تسهل من عملية الاندماج والذوبان، سيما على الجانب الاخلاقي والانحلال الذي يعاني منه الشاب المغترب، فالشباب العربي ومع شديد الاسف سرعان ما يتأثر بالثقافة الغربية والامر قد يرتقي الى مستوى العقيدة والنظام السياسي والنظام الاجتماعي فهذه المشاعر الغريبة وعدم تحديد الهوية تسبب لدى الشاب المغترب انحرافات كبرى".
والمح مصطفة فؤاد "نحن نحتاج الى ان نوجد عند شبابنا المغترب اولويات تحديد الهوية ومعالم تلك الهوية، وان لا نعول كثيرا على نوع الجهة التي تدخل هذا المعترك، ما يهمنا في المقام الاول ان نرسم مسار وانواع ذلك الانتماء فهناك مثلا الانتماء الثقافي والمؤسسي والعلمي والسياسي والمادي والاقتصادي، فاليهود على سبيل المثال يشتغلون وبتركيز عالي على الانتماءات الخمسة، وكذلك اتباع ديانة المورمون الذين يعيشون في ولاية يوتا عندهم مؤسسات تعمل على توظيف الشباب وهم يعملون على الاشتغال على الانتماء الطائفي ومن ثمة الانتماء الوطني".
كما اكد فؤاد "ولأجل تنفيذ تلك الاجندات تتجه تلك الجهات نحو الاستمرار بالدعم ومحاولة الانطلاق نحو المراحل الدراسية الاولى مرورا بمرحلة المتوسطة او الاعدادية، فهذه المدارس تستطيع ان تحدد هوية الشاب ومن ثمة تعمد الى تنميتها في المراحل المتعددة الاخرى حتى يصل الامر الى الانتماءات الاخرى، خصوصا وان تلك المدارس لها لجان خاصة تستطيع من خلالها تلبية رغبات واهتمامات اي طالب في التخصص الذي يريده، ومن ثمة تتحمل تلك الجهات الدينية تكاليف نفقات هذا الطالب حتى يكمل دراسته العليا".
بعد الانتهاء من عرض الورقة لاحت في الافق مجموعة تساؤلات مفادها:
السؤال الاول: ما هي اسباب عدم الانتماء؟
- باسم الزيدي مدير وكالة النبأ للأخبار، يصف "الشاب سواء كان في الغرب او في بلده كلاهما يعاني من نفس المشاكل وهي ذات المضامين التي اعرض اليها الباحث في ورقته، وللتأكيد أكثر علة هذا المعنى كتبت (BBC) تقرير يؤكد ان عام (2017) سيكون عام صراع الافكار، خصوصا وان العام (2016) شهد انهيار القيم القديمة التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية ولغاية اليوم على المستوى الاقتصادي والسياسي، فعلى سبيل المثال العمل الجمعي والمؤسسي كالتجارة العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات".
يضيف الزيدي "فاليوم تشهد هذه النظريات انهيارا بشكل او باخر وذلك من خلال خروج بريطانيا من السوق الاوربية، وكذلك السياسية الامريكية الجديدة التي دائما ما تتحدى الاتفاقيات الدولية وايضا تم طرح مفهوم الاقتصاد القومي والمحلي ورفاهية الفرد، الى جانب ذلك برزت الى السطح قضية الدولة القومية من جديد وهو بالضد من نظرية العولمة وتذويب الهويات واستقبال المغتربين".
يكمل الزيدي "لذا فالأسباب كثيرة وهي تكاد تكون لها علاقة بالسياسية وبالاقتصاد وان الصراعات السياسية التي شهدتها الدول ايام الربيع العربي وما بعدها، كانت هي سبب في عدم شعور الشاب العربي والعراقي على حدا سواء بانتمائه الاصلي للوطن فضلا عن انتمائه الاخر، ايضا مسألة الدين والارهاب هي ايضا ولدت ثنائية في داخل الشاب بين ما يقرأ وما يشهد".
- الشاب عصام علاوي محرر اخبار في قناة الامام الحسين (ع) "يلقي باللائمة على الحكومات كونها هي المسبب الرئيسي للاغتراب فعندما يتخرج لا يجد امامه مستقبل، اضافة الى الحروب التي يعاني منها الواقع العربي والعراقي لذا الحل يكمن في ان تفعل المؤسسات الدينية دورها وتحاول ان تدعم الشباب بشكل المباشر".
الشاب عمار العطار، يعتقد "ان الموضوع لا يختص فقط بالشباب المغترب بل يتعداه الى الشباب داخل البلد، فبعض الشباب العراقي وخصوصا الطلاب منهم لا يحفظون النشيد الوطني العراقي على سبيل المثال، وبالتالي هذا الامر لا يمكن ان يمر مرور الكرام وهو يحتاج لدراسة مستفيضة كي نحدد الاسباب الرئيسية التي ادت الى غياب الهوية الوطنية وعدم الاحساس بالانتماء الوطني الشباب العراقي والعربي اليوم يعاني من الفراغ ومحاولة ملء هذا الفراغ بما هو ايجابي والسبب الابرز هنا هو الوضع الاقتصادي والسياسي".
- الاستاذ كمال عبيد مدير تحرير شبكة النبأ المعلوماتية "تطرق الى حقيقة وجود مصطلح التسميم السياسي وهذا من ضمن العوامل الرئيسية، التي تجعل الاغتراب عند الشباب سريع التأثير بالعولمة وهذا المصطلح وما يحمل يكاد ان يعزز مفهوم الانسلاخ عن القيم المزروعة لدى الشباب، ومحاولة الاغراء بالحرية والقانون الذي يعطيه الحقوق".
يضيف عبيد "كل تلك العوامل هي مؤثرات ومحفزات لكي يكون انتمائه للبلد المضيف، الشاب غير الفاعل بسبب التأثر بوسائل الاعلام والتفكك الاسري، مما يؤدي الى عدم الانتماء، وطرح كمال عبيد مجموعة تساؤلات تمثلت لماذا يلجئ الشاب العربي الى الاغتراب؟، لماذا يفشل الشباب بالاندماج؟، ما هو التحدي الاكبر للشباب المغترب؟ وما هي تطلعاتهم في المستقبل القريب؟".
- الشاب منتظر الحسيني صحفي "القى باللائمة على المؤسسة الحكومية ومن ثمة على المؤسسات غير الحكومية والمؤسسات الدينية والمؤسسات الثقافية، السبب الرئيسي يقع على عاتق السياسية الخارجية العراقية من اجل تشكيل لوبيات معينة والاستفادة منهم".
- الشاب محسن معاش مصمم فني، يعتقد "ان من اهم دواعي تصريح الشخص بانتمائه الوطني يعود لمدى استفادته من الجهة التي ينتمي اليها، وبالتالي عند وصوله الى الغرب لا يصرح بحقيقة انتمائه الوطني لأنه يحس بغبن، والشيء ذاته بالانتماء الطائفي ففي دولته التي انتمائها هو يعيش حالة فقر او حالة عدم اهتمام لذا يظن الشاب في الهجرة الى الغرب سيجد حياة جديدة".
- محمد الصافي ناشط مدني، حدثنا قائلا "ان بعض التجارب نجحت لذا لابد الاستفادة منها من قبل الشيعة بالإضافة الى ذلك هل هناك ثمة احصائيات دقيقة عن عدد الشيعة في امريكا ومن لديهم تعليم عالي وفي اي المجالات ومدى الاستفادة منهم ومحاولة تحريك ملف استثمار الكفاءات والخبرات الوطنية في الخارج، أضف الى ذلك ان الفقر في الوطن غربة، والبعض يجد ان انتمائه الوطني يمر عبر الهوية او الجنسية التي دائما ما يتوعد بإتلافها".
الدكتور حيدر ال طعمة اكاديمي وباحث اقتصادي من جانبه "يعتبر هذا الموضوع من الموضوعات الحيوية التي تحاكي العالم اليوم الذي يشهد موجات هجرة غير مسبوقة على الصعيد الدولي، وان هشاشة الواقع العربي والعراقي هو الذي تسبب في هشاشة اواصر الانتماء بين المغترب وبين حضارته وواقعه، غالبية الاشخاص المغتربين يعيشون حياة جديدة ويحاول ان يمسح الماضي كله من خلال الانخراط بتيارات جديدة على اعتبارها تمثل الحضارة وهو كان يعيش التخلف فينسى كل شيء، البعض منهم نسى حتى اللغة العربية".
- الشاب ايهاب النواب محرر اقتصادي في شبكة النبأ المعلوماتية، يجد "ان سبب فشل المنظمات في احتواء شبابها في الداخل بالتالي هي لا تستطيع ان تحتوي شبابها في الخارج خاصة مع ضعف سيطرتها ونفوذها هناك، فالشاب عندما يخرج من وطنه تراه يخرج هارب من الجحيم ومن السجن على امل ان يحقق ما لم يحقق هنا، وهناك الشاب الخائف والهارب لا يستطيع ان يكون مؤثرا وفاعلا سيما وان غالبية هؤلاء الشباب تحصيلهم الدراسي بسيط ومتواضع، الشيء الاخر لابد ان نبحث عن اسباب فشل احتواء هؤلاء الشباب المغترب".
- الشيخ مرتضى معاش، يؤكد "على ان الانتماء حاجة غريزية وهو ايضا شعور بالحماية وبالأمان وبالاطمئنان، ونحن لم نستطع ان نوفر تلك الحاجة الثنائية المهمة جدا وهي لا زالت مستمرة الى الان من خلال ترسخ الاستبداد والعنف، خصوصا وان مجتمعاتنا بالأساس تؤمن بالتحكم والتسلط ومخرجات ذلك حتما سيؤدي الى العنف".
يضيف معاش "وهذا كله خلق نوع من انواع القلق فالأسرة التي فيها الاب مستبد ترى الطفل فيها لا يشعر بالانتماء لهذه الاسرة، وهذا الثقافة انتقلت الى امريكا فالشاب المغترب يرى ان اسرته اسره تقليدية تتماشى مع قيم الاستبداد والعنف، فهو لا يشعر بالانتماء لهذه الثقافة بل على العكس تماما تجده منصهر تماما نحو تحقيق الحلم والاستغراق في حالة الانتماء لمجتمعات ثانية، فبعض الشباب يتمردون على ابائهم".
يكمل معاش "النقطة الثانية لا توجد لدينا مؤسسات تحتوي هؤلاء الشباب، وليست هناك منتديات تعني بالشباب، لذا نجد الشباب مهدور فهو كالتسونامي دون قنوات احتواء، وعلى هذا الاساس فنحن نحتاج للكثير من السيناريوهات كي نبعد عن الشباب شبح الهروب، خاصة وان هؤلاء الشباب يمتلكون رصيد لابأس به من القيم الاجتماعية والدينية، وهم لا يحتاجون الا لجهود بسيطة ومدروسة كي يكونوا في صف الانتماء الوطني وكذلك بناء الهوية الوطنية خصوصا وان العالم اليوم يعيش حالة صراع فكري كبير".
السؤال الثاني: ما هو الحل في ايجاد الانتماء؟
- يتصور باسم الزيدي "ان الحل يبدأ من الداخل وان على الدولة ان تحسن معاييرها، حتى تخدم حركة الشباب في الحاضر والمستقبل لأنهم الضمانة الاكيدة للامة وان نعيد قراءة الدين قراءة واعية".
- فيما يعتقد الشاب عصام علاوي، "ان الامر ينحصر بأمرين الاول ديني وان لا يكون التعويل فقط على الارشاد والنقطة التالية هي اكاديمية".
- من جهته يوصي الشاب عمار قحطان "بضرورة الاهتمام بالشباب من عمر مبكر".
- بينما دعا كمال عبيد " الى الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي وخلق بيئة للاندماج الايجابي".
- في حين يفضل الشاب منتظر الحسيني "العمل الجماعي وان نقوم بتشكيل لوبي اقتصادي وسياسي ونحتاج الى ايجاد قاعدة بيانات دقيقة تخص المغترب العراقي وبالتالي تستطيع ان تضع المعالجات والحلول المناسبة".
- على الصعيد نفسه يرى الشاب محسن المعاش، "ان الحل له اتجاهان اما من الحكومة او المؤسسة الدينية، الحكومة لا نستطيع التعويل عليها كثيرا يبقى الحل الوحيد عند المؤسسة الدينية".
- من جانبه الدكتور حيدر ال طعمة، "يدعو الى الاهتمام بالأسرة على اعتبارها تمثل الخطوة نحو مشروع اعادة الانتماء والتثقيف والهوية، فالكثير من الاشخاص بدأ اغترابهم منذ كانوا صغار نتيجة القمع والتسلط والدكتاتورية والظروف التي يعاني في داخل الاسرة، بالتالي من الضروري الاهتمام بالأطفال وتربيتهم على الانتماء وحتى القوميات الاخرى اليهود او غيرهم في امريكا اعتقد بأنهم بذلوا جهود ل تربية اطفالهم منذ الصغر وعلى تمتين الاواصر لذلك نحن نشهد حاليا تميزهم عن الجالية العربية والامر مرهون في داخل الاسرة".
- في الوقت نفسه يحث الشاب ايهاب علي "على العودة الى الانتماء الوطني قبل الانتماء المذهبي في العراق لأنه الجامع الحقيقي والواقعي لكل مكونات الواقع العراقي المفعم بالكثير من الطوائف والقوميات والاديان".
- ويؤكد الشيخ مرتضى معاش "ان الشباب المتغرب يقع بين شيئين اما الذوبان واما التطرف، بعض المتدينين يصبحون متطرفين بقوة وغير المتدينين يذوبون، نحن نحتاج الى بناء ثقافة وسطية متوازنة بين عدم الذوبان وبين عدم التطرف وهو الاعتدال، ايضا نحتاج الى بناء نماذج قوية لاحتواء الشباب من قبل المؤسسة الدينية وان تقيم المؤتمرات المحلية او الاقليمية او الدولية للوقوف على مشاكل المغترب الشاب".
اخير الباحث مصطفى فؤاد يقترح على المؤسسة الدينية وعلى الحكومة ان ترتبط النخب الثقافية والاكاديمية مع بعضها البعض الاخر وان توفر مناخات ملائمة كي تستقطب الى جانب ذلك كلا من التاجر والطالب والشاب والباحث عن فرصة عمل، وبالتالي هذه التجربة وما تحمل ستنعكس بشكل ايجابي مع احتمالية ان يتوفر من خلال ذلك لوبي ضاغط في سبيل تعزيز حالة الانتماء والشعور الوطني.
التوصيات والمقترحات:
- الاندماج المدروس مع العالم الغربي.
- استثمار تجارب الأقليات الاخرى.
- خلق مجتمعات موازية لبناء الانتماء والشعور بالهوية بشرط الانتماء الحكيم.
- على المراكز الدينية الموجودة في الغرب ان تعمل دورات تثقيفية للإباء وللأمهات في كيفية التعامل مع أولادهم.
- تأسيس وحدة استطلاع رأي تهتم بالمغتربين.
- تأسيس وحدة داخل العراقي لمعالجة اسباب هجرة الشباب.
- استثمار القانون الامريكي في الحفاظ على الحصانة الاسرية.
- صناعة لوبيات للضغط.
- تفعيل الاعلام الموجه للمغترب.
- الاهتمام بعالم الشباب وتحسين الواقع الاقتصادي والسياسي.
اضف تعليق