ما تزال الولايات المتحدة تعاني من تزايد وتكرار جرائم القتل وغيرها من الجرائم العنيفة في اغلب المدن الأمريكية، حيث أظهرت الإحصاءات ان استخدام الأسلحة النارية في أمريكا كان وراء 69 % من جرائم القتل. يضاف إلى ذلك التصرفات الوحشية وإساءة استخدام القوة من قبل قوات الشرطة وانتشار المخدرات والبطالة وغيرها من المشكلات الأخرى التي ساعدت في اتساع رقعة العنف في الولايات المتحدة.
فقد أظهرت بعض تقارير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي)، أن جرائم العنف في الولايات المتحدة زادت بنسبة 1.7 بالمئة في النصف الأول من 2015 مع ارتفاع جرائم القتل، لكن جرائم الاعتداء على الممتلكات هبطت 4.2 %. وتأتي هذه الزيادة بعد تراجع معدلات الجرائم في البلاد بشكل مطرد على مدى عشرين عاما الماضية.
وأشارت البيانات إلى أن جرائم القتل زادت بنسبة 6.2 % في النصف الأول من العام الماضي، مقارنة مع الفترة نفسها من 2014 في أول زيادة على أساس سنوي منذ 2012 . وارتفعت جرائم الاعتداء العمد على الأشخاص 2.3 %، وجرائم السطو المسلح 0.3 %. وزادت جرائم الاغتصاب بنسبة 1.1 %، في حين قفزت جرائم التحرش الجنسي حوالي 10 %. وقال مكتب التحقيقات إن جرائم سرقة السيارة زادت بنسبة 1 %، في حين انخفضت جرائم الحريق العمد 5.4 %. وحذر رئيس مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي في العام الماضي من احتمال ارتفاع الجرائم العنيفة في الولايات المتحدة بسبب التدقيق المتزايد في أساليب رجال الشرطة التي تسببت "بموجة من المشاكل" مما بات يثني رجال الشرطة عن مكافحة الجريمة بحزم. وتركزت الزيادة في الجريمة في الأحياء المعزولة والفقيرة في المدن الكبرى. ويرى بعض الخبراء ان جرائم العنف ربما سترفع بشكل مخيف في السنوات القليلة القادمة، خصوصا وان الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب الذي اعتمد في حملته الانتخابية، خطاب عنصرية يدعوا الى العنف والكراهية.
جرائم مستمرة
وفي هذا الشأن قالت السلطات في ولاية ساوث كارولاينا الأمريكية إن فتى يبلغ من العمر 14 عاما قتل أباه بالرصاص ثم قاد شاحنة بيك اب إلى مدرسة للتعليم الأساسي وفتح النار فأصاب طفلين ومعلمة، وأضافت السلطات أن عامل الإطفاء جيمي بروك تمكن من احتجاز الفتى المسلح في الفناء الخلفي لمدرسة تاونفيل بمقاطعة آندرسون إلى أن وصلت الشرطة.
وتتخذ المدارس الأمريكية إجراءات أمن وقائية منذ عام 2012 عندما قتل مسلح 20 طفلا وستة مدرسين بمدرسة ساندي هوك للتعليم الأساسي في نيوتاون بولاية كونيتيكيت. وقال سكوت ستولر مدير خدمات الطوارئ في مقاطعة آندرسون لصحيفة (آندرسون إندبندنت ميل) إن أحد الطفلين المصابين عمره ستة أعوام وإن أحدهما يرقد في حالة حرجة ويخضع لجراحة. وقالت متحدثة باسم مركز آنميد الطبي إن الطفل الآخر والمعلمة في حالة جيدة. بحسب رويترز.
وذكرت السلطات أن الفتى أطلق الرصاص على أبيه جيفري ديويت أوزبورن (47 عاما) فأصابه في صدره ثم قاد الشاحنة لمسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات حتى وصل إلى المدرسة ثم صدم العربة بالسور المحيط بالفناء. ويجيء الحادث بعد سلسلة من حوادث إطلاق النار في مدارس أمريكية أثارت جدلا حول شيوع استخدام السلاح في الولايات المتحدة. كما أصابت فتاة عمرها 14 عاما بالرصاص زميلة لها في مدرسة في تكساس ثم لفظت أنفاسها بعد أن أصابت نفسها.
من جانب اخر قالت الشرطة الأمريكية إن فتى عمره 16 عاما أصيب بجروح خطيرة خلال مشاحنة أمام مدرسة إعدادية في مدينة ساندي بولاية يوتا وإنها احتجزت مراهقا عمره 14 عاما. وقال السارجنت دين كاريجر إن جرس الانصراف بمدرسة يونيون الإعدادية كان قد دق لتوه حين وقع الحادث. وأضاف أن المحتجز تلميذ بالمدرسة لكن الضحية غير ملتحق بها. ونقل المصاب في حالة حرجة إلى المستشفى حيث خضع لجراحة بعد إصابته بعيارين.
رجل يقل سبعة أشخاص
على صعيد متصل قالت سلطات ولاية ساوث كارولاينا الأمريكية إن تود كوليب المشتبه به الذي اعتُقل قبل اكتشاف جثة رجل عُثر على صديقته مكبلة بالأغلال في حاوية تخزين اعترف بقتله ستة أشخاص آخرين. وجاء هذا الاعتراف بعد يوم واحد من إبلاغ المرأة التي عُثر عليها في الحاوية مسؤولي إنفاذ القانون بأن هناك أربع جثث مدفونة في ذلك المكان. وقال تشاك رايت قائد شرطة منطقة سبارتانبرج إن كوليب اعترف بقتله أربعة أشخاص في متجر للدراجات النارية في 2003 وقاد السلطات أيضا إلى مكان جثتين أخريين دفنهما في منزله بساوث كارولاينا.
وقال رايت إنه قد يتم العثور على مزيد من الجثث دون أن يدلي بتفاصيل. وقال رستي كليفينجر الطبيب الشرعي بمنطقة سبارتانبرج إنه تم العثور على جثة في المنزل ببلدة وودرف بشمال شرقي جرينفيل. وذكر رايت أن المحققين بدأوا عملية تفتيش المكان بالاستعانة بكلاب مدربة بعد أن عثرت الشرطة على كالا براون (30 عاما) داخل حاوية مغلقة. وكانت براون وصديقها تشارلز كارفر (32 عاما) قد اختفيا في وقت سابق. وقال رايت إن كارفر كان هو الشخص الذي عُثر على جثته. بحسب رويترز.
وقالت براون للسلطات بعد يوم من إنقاذها إنها شاهدت كوليب وهو يطلق النار على كارفر. وكان قائد شرطة المنطقة قال أيضا إن براون أبلغت السلطات بأن هناك أربعة أشخاص مدفونون في المكان. واعتقلت الشرطة كوليب (45 عاما) وهو مسجل كمرتكب لجرائم جنسية ويعمل سمسار عقارات للاشتباه بارتكابه جريمة خطف. وقال مسؤولون إن براون وكوليب يعرفان بعضهما وإن خطفها لم يكن عملا عشوائيا.
مقتل شرطيين
في السياق ذاته قالت الشرطة المحلية بولاية كاليفورنيا الأمريكية إن شرطيين قتلا في بلدة بالم سبرينجز جنوب الولاية بعد استدعائهما للتعامل مع شجار عائلي وتعرضهما لإطلاق النار لدى وصولهما لمكان البلاغ. وقال قائد الشرطة بريان رايز في مؤتمر صحفي إن شرطيا ثالثا أصيب في إطلاق النار. وأغلقت الشرطة الأحياء السكنية المجاورة لدى بحثها عن مشتبه.
وأُعلن أن الشرطيين القتيلين هما هوزيه فيجا وهو شرطي مخضرم عمره 35 عاما كان من المقرر أن يتقاعد في ديسمبر كانون الأول وليسلي زيريبني (27 عاما) والتي أصبحت شرطية منذ نحو عام ونصف العام وكانت أما لرضيع عمره أربعة أشهر.
وذكرت صحيفة (ذا ديزيرت صن) أن شاهدة قالت إن والد المشتبه به قال لها إن ابنه عبر عن رغبته في قتل أفراد من الشرطة قبل دقائق قليلة فقط من إطلاق النار. ووفقا للصحيفة قالت فرانسيس سيرانو عن والد المشتبه به "جاء وطلب المساعدة" وأضاف أن ابنه يعاني من مشكلات عقلية. وتدفق عشرات من رجال الشرطة إلى موقع الحادث الذي وقع في حي سكني في بالم سبرينجز وهي بلدة تتسم عادة بالهدوء وتقع على بعد نحو 161 كيلومترا شرقي لوس أنجليس.
وطوقت الشرطة المنزل ووضعت مركبة هجومية مدرعة أمامه. وقال رايز إن من الوارد أن المشتبه به لا يزال داخل المنزل أو هرب من المنطقة. وأظهرت لقطات بثتها وسائل الإعلام المحلية فيما بعد نشر رجال آليين في المنطقة. وقال رايز إن أفراد الشرطة توجهوا إلى ذلك المنزل بعد أن اتصلت مواطنة وقالت إن ابنها يتسبب في اضطرابات. وكان أفراد الشرطة في الخارج يحاولون التفاوض مع المشتبه به عندما بدأ إطلاق النار.
وقال رايز "كان نزاعا عائليا بسيطا لكنه اختار أن يفتح النار على بعض حراس هذه المدينة" مضيفا أن الشرطي المصاب في وعيه و"بحالة جيدة". وقال أحد الجيران واسمه خوان جراسيانو (67 عاما) إنه سمع صوت صراخ غاضب بين أب وابنه الذي يعيش في الحي قبل خروج الأب من المنزل وعبوره الشارع وطلبه النجدة من جارة أخرى. وأضاف إن الجارة الأخرى استدعت على ما يبدو الشرطة التي تعرضت لإطلاق نار لدى وصولها إلى المنزل وأن بعض رجال الشرطة ردوا على إطلاق النار بالمثل. بحسب رويترز.
وقال إنه رأي شرطية مصابة على ما يبدو ترقد على الأرض في الوقت الذي كان زملاؤها يحاولون إسعافها. وقال إدموند براون حاكم الولاية في بيان إن الشرطيين القتيلين سقطا "وهما يؤديان ما يفعلانه كل يوم وهو حماية مجتمعهما. نشاطر أفراد أسرتيهما وأصدقاءهما وزملاءهما الأحزان في التأقلم مع تلك المأساة غير المنطقية."
تشديد العقوبات
الى جانب ذلك وبعدما ارتفعت جرائم القتل في شيكاغو بنسبة 56 % في غضون عام، يسعى النواب الى تشديد عقوبات السجن لمواجهة انتشار العنف الذي يعيد الى الاذهان الماضي الدامي لثالث كبرى المدن الاميركية، فيما يرى البعض ان الحل يبدأ بمعالجة جذور العنف. ويرى البعض ان تشديد العقوبات ليس هو الحل الامثل في مدينة سجلت فيها 668 جريمة قتل بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر، وفقا لارقام الشرطة، بل ان حلولا اخرى ينبغي البحث عنها.
ومن المتوقع ان تكون السنة الحالية الاكثر دموية منذ العام 1998، ويعيد ارتفاع حدة العنف التذكير بعهد عصابة ال كابون في العشرينات من القرن الماضي. والحلول الاخرى التي يتحدث عنها البعض تبدأ بالالتفات الى جذور العنف، ولاسيما الفقر الذي ينهش بعض احياء المدينة، منها احياء منطقة "ساوث ويست سايد"، حيث تقيم اليسيا مينز مع اطفالها في منزل يحيط به عدد من البيوت المهجورة.
وتروي اليسيا ان المنطقة كانت "جميلة ونظيفة" حين كانت هي صغيرة في السن، و"كان الناس يعتنون باطفال الآخرين" في الحي، قبل ان يصبح اطلاق النار امرا عاديا يقابله السكان بالانبطاح ارضا خوفا من الرصاصات الطائشة. ومع الازمة الاقتصادية العام 2008، اختلفت الامور في الحي، و"ما تغير فعلا هو البطالة وفقدان الموارد، وخسارة البعض لمنازلهم بعدما عجزوا عن تسديد المتوجبات عليهم".
وصارت مشاهد العنف مألوفة في هذه الاحياء الواقعة جنوب غرب المدينة، ومنها رؤية عناصر من الشرطة يهرعون الى بيت شاب اصيب بطلقات نارية، ثم يتعالى الصراخ، ويدرك السكان ان الشاب قضى. ويقول ادي جونسون قائد الشرطة المحلية "كثيرون من الاشخاص دمرت حياتهم، كثيرون من الاهل فقدوا ابناءهم، هذا الواقع يشعرني بالخجل، لأنه في الامكان ان نكون افضل". وبحسب معلومات الشرطة المحلية، يقف وراء معظم اعمال العنف 1400 من مرتكبي الجنح اصحاب السوابق، وكثيرون منهم اعضاء في عصابات مخدرات.
ويقول انتوني غوليلمي المتحدث باسم الشرطة "نحن اكثر من محبطين، لانه بالامكان تقليص العنف في المدينة بنسبة 40 % إن ابقينا المجرمين وراء القضبان". ولهذا السبب تحديدا، يفكر ايدي جونسون مع بعض نواب ولاية الينوي بتشديد عقوبات السجن على الاشخاص الذين توقفهم الشرطة اكثر من مرة في جرائم ومخالفات تستخدم فيها الاسلحة النارية. بحسب فرانس برس.
ويرى اليكس كوتلوفيتش وهو صاحب كتاب عن الفقر بين الاطفال في شيكاغو ان اثار اعمال العنف السابقة مضافة الى عوامل اقتصادية اجتماعية هي التي تفسر تركز العنف في بعض احياء المدينة. ويقول "ان طرح هذا الاجراء على انه الحل الاول هو امر يبعث على الاحباط"، ولا يرى انها ستكون فكرة جيدة في مجتمعات يشكل السود غالبيتها، وكثيرا ما عانى ابناؤها من السجن لمدد اطول من العقوبة التي يستحقونها. ويؤكد ايدي جونسون انه واع تماما لهذا الامر، وهو نفسه من اصحاب البشرة السوداء، ويقول ان تشديد العقوبات سيكون حصرا في حق الاشخاص الذين يرتكبون اعمال عنف. ويضيف "آخر ما نرغب فيه هو ان نسجن احدا بسبب لونه او الحي الذي يقيم فيه".
اضف تعليق