يرى العديد من الخبراء ان مشكلة التشرد وفي ظل تدهور الاوضاع الاقتصادية وتفاقم الازمات والصراعات الداخلية والخارجية، اصبحت من اكثر القضايا تعقيدا خصوصا من تزايد اعداد المشردين و المهاجرين من مناطق الصراعات والحروب الى المناطق والدول الامنة، التي تعاني اصلا من مشكلات سياسية واقتصادية بسبب الاثار الكارثية التي خلفتها الازمة المالية العالمية، والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929م، هو ما اسهم بتفاقم معاناة العديد من البشر ممن يعانون الكثير من المتاعب بسبب الإهمال والفقـر والبطالة في مختلف دول العالم، وخصوصا الدول المتقدمة حيث عجزت حكوماتها عن ايجاد حلول مناسبة لهذه المشكلة.
والتشرد وكما تشير بعض المصادر، هي الحالة التي يعيش فيها الإنسان دون مسكن. الأشخاص المتشردون يكونون غير قادرين على تأمين مأوى آمن بشكل مستمر، أو بشكل خاص تأمين مأوى لقضاء الليل. قد يشمل مصطلح التشرد أيضا الأشخاص الذين يمضون ليلهم في المبيت في مأوى للمتشردين، مأوى من العنف المنزلي أو صناديق كرتونية أو في أماكن عمومية غير مخصصة للمبيت البشري مثل محطات القطار.
وفقا لأرقام الأمم المتحدة فان هناك 100 مليون مشرد في العالم والرقم يرتفع إلى مليار إذا اعتمد تعريف من يعيش في مسكن غير لائق. ويشكل الذكور نسبة (75 - 80%) من المشردين في العالم الغربي. ومن اهم الأسباب التي تؤدي للتشرد هي: عدم توفر فرص التوظيف والفقر بسبب فقدان العمل أو عدم القدرة على العمل، صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية، إساءة تصرف الحكومة أو الأشخاص ذوي النفوذ، الحروب أو الصراعات المسلحة، الكوارث الطبيعية، الأمراض العقلية، دون توافر رعاية صحية مناسبة، الإقصاء الاجتماعي، بما فيها بسبب التوجه الجنسي أو الانتماء العرقي، قلة المساكن ذات الأسعار المناسبة، العنف المنزلي، الخروج من السجن،الطرد القسري من قبل الحكومات في بعض الدول من أجل إقامة مباني أو طرقات عمومية مكان المنازل السابقة.
نيويورك
في هذا الشأن يبلغ عدد المشردين في نيويورك نحو 75 الفا في وضع غير مسبوق منذ ثلاثينات القرن الماضي بحسب بعض الخبراء ما يمثل مصدر حرج متعاظم لرئيس بلدية المدينة الديموقراطي بيل دي بلازيو المتهم بالاستخفاف في التعاطي مع هذه الأزمة. وقد أعلن بيل دي بلازيو تنحي مستشاره المكلف شؤون المشردين غيلبرت تايلور واجراء درس معمق لوضع وكالتين متخصصتين في البلدية بهدف دمجهما. وكانت مساعدة رئيس البلدية المكلفة شؤون الخدمات الاجتماعية ليليام باريوس-باولي تنحت بدورها في ايلول/سبتمبر.
وفي ظل التساؤلات المتزايدة الموجهة اليه بشأن مسألة المشردين في المدينة، يشدد رئيس بلدية نيويورك على أهمية الجهود التي تبذلها ادارته بينها خطة لبناء مساكن للمشردين وتقديم مساعدات للعائلات بهدف تجنيبها التشرد والالتزام بتقديم مليار دولار اضافي خلال السنوات الاربع المقبلة لتمويل برامج خاصة بدعم الأشخاص المشردين.
لكنه أشار الى انه ورث مشكلة مستمرة منذ ثلاثة الى اربعة عقود. وقال "ستكون معركة طويلة لن ننتصر فيها بسهولة" على رغم الجهود المبذولة. وتستحوذ نيويورك بسكانها البالغ عددهم 8,4 ملايين نسمة، على 14 % من المشردين في الولايات المتحدة (75 الفا و323 شخصا) بحسب دراسة حديثة صادرة عن وزارة الاسكان والتنمية الحضرية. كما أن هذا الاتجاه يعاكس ذلك السائد في البلاد اذ شهد عدد المشردين تراجعا مستمرا بين 2007 و2015 ليتدنى من 647 الفا و258 شخصا الى 546 الفا و708 اشخاص وفق هذه الدراسة.
غير أن الأرقام الرسمية المقدمة في نيويورك مختلفة إذ ان المدينة احصت في نهاية تشرين الاول/اكتوبر وجود 59 الف مشرد يتم ايواؤهم خلال الليل في مساكن او فنادق او مقار خاصة إذ ان المدينة مرغمة قانونا على توفير سقف للمنامة لمشرديها. ويضاف الى هؤلاء ما بين ثلاثة الى اربعة الاف شخص ينامون بحسب رئيس البلدية في الشارع او في المتنزهات ومحطات القطارات والارصفة ما يشكل مصدر تذمر متزايد لدى سكان نيويورك.
وقال رئيس شرطة نيويورك بيل براتون في تصريحات إن الوضع "تدهور بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين" مشيرا الى أن رئيس البلدية بيل دي بلازيو الذي يتولى مهامه منذ كانون الثاني/يناير 2014 قلل من خطورة المشكلة في البداية. وتؤكد منظمة "كواليشن فور ذي هوملس" (الائتلاف من اجل المشردين) أن "عدد المشردين بلغ خلال السنوات الاخيرة اعلى المستويات منذ فترة الكساد الكبير".
ومن بين المشردين الحاصلين على مأوى من سلطات المدينة في نهاية تشرين الاول/اكتوبر، ثمة 23 الفا و858 طفلا و21 الفا و967 بالغا من المقيمين لدى عائلات و3687 امرأة وحيدة و10 الاف و56 رجلا وحيدا بحسب ارقام الائتلاف. وخلال عشر سنوات، سجل عدد هؤلاء ارتفاعا بنسبة 86 %. ويؤكد رئيس البلدية أن "ثمة الكثير من هؤلاء لا ترونهم خلال النهار لأنهم يقصدون العمل. ثمة الكثير من الاطفال الذين يرتادون المدارس"، مقرا بأن الكثير غيرهم يهيمون في الشوارع نظرا الى عدم السماح لهم بالبقاء في مراكز استقبال خلال النهار.
ويلفت دي بلازيو الى ان "عددا متزايدا من المشردين يصبحون كذلك لأسباب اقتصادية" بفعل عجزهم عن الاستمرار في دفع قيمة الايجارات في مدينة تسجل فيها معدلات كبيرة من التفاوت في المداخيل. وبات السعر الوسط للشقق في مانهاتن يتخطى مليون دولار في حين يبلغ الحد الأدنى للأجور 8,75 دولارات لكل ساعة عمل. وينبه "الائتلاف من اجل المشردين" الى ان عدد الأشخاص الذين يبيتون في العراء "اكبر بكثير من التقديرات" المتداولة في شأنهم إذ يتم احتسابه مرة واحدة سنويا خلال ساعات الليل في نهاية شهر كانون الثاني/يناير. بحسب فرانس برس.
وتضاف الى هؤلاء اعداد المتسولين الذين يكونون غالبا من الشباب وليسوا بالضرورة من المشردين. ويعمد هؤلاء عادة الى التسول من المارة خصوصا في محطات القطارات. وقال دي بلازيو خلال اعلانه تنحي مستشاره تايلور "المعركة ستكون طويلة. انه تحد كبير في سائر انحاء البلاد. لم تتمكن أي مدينة من حل المشكلة"، لافتا الى ان سان فرانسيسكو ولوس انجليس ومدن اخرى "تواجه مشكلة مشردين اكبر نسبيا". وتعد لوس انجليس 41 الفا و174 مشردا بحسب وزارة الاسكان، تليها سياتل (10122 مشردا) وسان دييغو (8742). وتحتل سان فرانسيسكو المرتبة الثامنة بين المدن الكبرى مع 6775 مشردا خلف لاس فيغاس (7509) وواشنطن (7298) وشيكاغو (6786).
لوس انجليس
الى جانب ذلك خلصت دراسة إلى أن أعداد المشردين في مقاطعة لوس أنجليس تزايدت بنسبة 12 بالمئة على مدى العامين المنصرمين وسط تباطؤ التعافي الاقتصادي الذي أدى إلى مزيد من البؤس للسكان الأكثر فقرا في ثاني أكبر مدينة أمريكية. وأشار تقرير هيئة رعاية المشردين في لوس أنجلس إلى ركود الأجور أو تراجعها بين أصحاب الدخول الأدنى وبقاء معدل البطالة المحلي عند مستويات أعلى من المتوسط على مستوى الولاية وعلى المستوى القومي.
وقال بيتر لين المدير التنفيذي للهيئة "الاقتصاد تحسن لكن ليس للاشخاص الأكثر عرضة لمخاطر التشرد." ووفقا للإحصاء الأحدث الذي تجريه الهيئة كل عامين فإن ما يقدر بحوالي 44300 شخص يعيشون في الشوارع أو في سيارات أو في مبان مهجورة أو في ملاجيء أو في "سكن انتقالي" تموله الحكومة في أي ليلة في لوس أنجليس. بحسب رويترز.
ويزيد هذا الرقم -الذي يستند الي احصاء سكاني اجري في يناير كانون الثاني- بنسبة 12 بالمئة أو ما يقرب من خمسة آلاف شخص في أنحاء لوس أنجليس مقارنة بالأعداد التي أعلنت في التقرير السابق الصادر في عام 2013 . وارتفع عدد العائلات التي لديها اطفال التي يشملها الرقم الاجمالي للمشردين بنسبة 12 بالمئة عن عام 2013 .
جنوب لبنان
على صعيد متصل وفي احد شوارع مدينة صيدا القديمة في جنوب لبنان، وجدت عائلات سورية وفلسطينية معدمة ملجا لها في كنيس مهجور لم يبق فيه الكثير من الرموز الدينية وبهت طلاؤه الازرق والرسوم التي كانت تزين جدرانه. لكن لا زال في الامكان رؤية نجمة داود السداسية المصنوعة من الحديد في القناطر التي تلامس السقف، مع بعض الرسوم بالاحمر والذهبي على الجدران التي كانت تحيط بالمنبر الذي كانت تقرأ منه التوراة في يوم غابر.
ويقع هذا المعبد اليهودي في ما لا يزال يعرف اليوم بحارة اليهود في صيدا، حيث يعود وجود الطائفة اليهودية الى العهد الروماني. ويقيم جهاد المحمد مع اولاده الستة وزوجته ووالدته في الكنيس منذ ان غادروا سوريا قبل 25 سنة. ويقول الرجل البالغ من العمر 49 عاما "في 1990، كان المكان مهجورا وتنتشر فيه الجرذان. نظفته، واستقريت فيه".
وبني الكنيس في 1850، وملكيته لا تزال رسميا تعود للطائفة اليهودية. ومنذ 1982، تاريخ مغادرة آل ليفي، آخر عائلة يهودية من صيدا، استقبل المكان العديد من "الزوار"، منهم جنود اسرائيليون خلال اجتياح جنوب لبنان. قبل ان يستقر فيه لفترة عناصر من المخابرات السورية.
ويروي جهاد انه كان مراسلا لوزارة الاعلام السورية حتى 2005. ويقول "انه مكان للصلاة، لكن بالنسبة الي، انه بيت مثل اي بيت اخر. انا لست محتلا". وعلى بعض الجدران، تم طلاء كتابات بالعبرية مأخوذة من سفر التكوين ومن الواح الوصايا، باللون الاحمر. ويضم الكنيس مطبخا، وحماما صغيرا، وغرفتي نوم، وقاعة جلوس وضع فيها جهاز تلفزيون. وبدل الشمعدان ذي الفروع السبعة، علقت لمبات انارة في السقف.
على الرغم من الاضرار الجسيمة التي لحقت به، لم يدخل الكنيس حيز النسيان. ويقول جهاد وهو يعد القهوة، "استقبل زوارا من كندا وفرنسا والبرازيل يبرزون صورا لاجدادهم (يهود لبنانيون) من صيدا". في 2012, صلى حاخامان م ن مجموعة ناتوري كارتا المناهضة للصهيونية في الكنيس للمرة الاولى منذ اربعين سنة، ما اثار فضول السكان. كما زارا مقام زبولون بن يعقوب في صيدا.
ويقول الخبير في شؤون يهود لبنان والعالم العربي ناجي جرجي زيدان ان "الكنيس كان يحتوي على خمسين مخطوطة من التوراة مكتوبة على ورق الغزال، بعضها يعود الى العهد اليهودي الروماني في صيدا". واشار الى ان الاسرائيليين "اخذوا معهم هذه الوثائق النادرة" لدى انسحابهم. ويقول جهاد المحمد انه سيغادر اذا طلب منه ذلك، "لكنني اصبحت متعلقا بهذا المكان".
في الجزء الذي كان مخصصا في الماضي للنساء، تعيش وردة، وهي لاجئة فلسطينية نزح اهلها من ارضهم ابان النكبة في 1948، مع افراد عائلتها. ويفصلها عن جارها جدار من الاسمنت. وتقول "كان والداي يعيشان في هذا الحي. اذكر انني كنت العب مع اطفال يهود. وكنت اشاهد اليهوديات يصلين هنا على المقاعد الخشبية". وتحول مكان صلاة النساء الى "قاعة استقبال" لهذه الفلسطينية الخمسينية. وتتذكر وردة الكيبا (القبعة اليهودية) وايام السبت التي كانت تقوم خلالها باضاءة النور لجيرانها الذين لم يكن في امكانهم القيام بذلك. وتتحدث خصوصا عن الانسجام بين اليهود والطوائف الاخرى في لبنان. "لم يكن هناك توتر، لكن عند الاجتياح الاسرائيلي (عام 1982)، خاف اليهود وهربوا. لم يبق احد".
وكان عدد اليهود في لبنان سبعة آلاف في 1967، واصبح 1800 في 1974، ثم 35 في 2006، بحسب زيدان. في صيدا، كان عددهم يناهز ال1100 في 1956 قبل ان يختفوا في 1985. ولا تزال بعض الابنية في صيدا باسم عائلات يهودية مثل نيغري وحديد وبالانسيانو والخليلي. ويقول المؤرخ ان اليهود "رحلوا على مراحل الى اسرائيل والبرازيل واوروبا واميركا اللاتينية". لكن وتيرة الهجرة تسارعت بعد حرب 1967. بحسب فرانس برس.
ويضيف زيدان "في صيدا، كانت العلاقات جيدة جدا مع بقية الطوائف، ولم يحدث توتر حتى 1967، عندما حصل اطلاق نار على المقابر اليهودية انتقاما لخسارة العرب في حرب 1967 مع اسرائيل". واشار الى ان اليهود يشكلون الطائفة الاكثر قدما في لبنان. في صيدا، يعود تاريخهم الى سنة 47 قبل الميلاد، عندما أمر القيصر الروماني يهود صيدا بدفع ضرائب في القدس. في القرن العشرين، كانوا معروفين بعملهم في مجال التجارة والحرف اليدوية. ولا تزال بعض الكنس القديمة في لبنان، احدها في طرابلس تم تحويله الى مصبغة، وكنيس ماغين ابراهام في بيروت الذي تم ترميمه لكن دون ان يفتح للزوار. ويرى زيدان ان رحيل اليهود من لبنان، البلد المتعدد الطوائف، "يشبه اقتلاع ذراع من جسم بشري".
روما
في السياق ذاته صدر حديثا في روما دليل جديد لكنه لا يتضمن أفضل المطاعم وأبرز المعالم الأثرية بالمدينة كما انه لا يتوفر بالمكتبات إنما يستهدف المشردين. والكتيب الصادر في 250 صفحة بحجم الجيب يحمل اسم "روما - أين تأكل وتنام وتغتسل" لكن اطلق عليه مجازا "دليل ميشلان للمعدمين". وطرحت النسخة الجديدة من الدليل لجذب الإنتباه إلى المشردين بمناسبة حلول عيد الميلاد.
وتقدر سانت ايجيديو -وهي مؤسسة كاثوليكية خيرية توزع الدليل- عدد المشردين في روما بنحو 8000 شخص معظمهم من الأجانب لكن بينهم عددا متزايدا من الايطاليين. وينام نحو 2500 في العراء وآلاف اخرون في مآوي غير ثابتة مثل المباني المهجورة. وقال ماركو إيمباليازو رئيس الجماعة العالمية المشكلة من غير رجال الدين إن هناك عددا متزايدا من الرجال الايطاليين في منتصف الثلاثينات من العمر انفصلوا عن زوجاتهم أو طلقوا ولا تظلهم شبكة الرعاية الأسرية التي كانت تحمي الايطاليين عادة في الماضي.
ويتعافى الاقتصاد الايطالي لكن ببطء بعد ثلاث سنوات من الركود ولا تزال معدلات البطالة قريبة من ذروتها القياسية مع عدم تحقق نمو حقيقي في الوظائف هذا العام بين الفئة العمرية دون الخامسة والثلاثين عاما. ويشمل الدليل عناوين مراكز للخدمة الطبية و40 مركزا لتقديم الحساء و40 مركزا لتقديم الطعام و45 موقعا للنوم و17 مركزا للاغتسال وقص الشعر وتشذيب اللحية.
وارتفع عدد مراكز الاغتسال في السنوات القليلة الماضية في روما بعد أن أبلغ المشردون بأنفسهم القائمين على الجمعيات الخيرية ان هذا هو أكثر ما ينقصهم. وأمر البابا فرنسيس بفتح مراكز اغتسال للمشردين عند ساحة القديس بطرس هذا العام. ويشمل الدليل -وهذه هي نسخته السادسة والعشرون- خرائط مقاومة للماء عليها رسوم بسيطة مثل شطيرة للإشارة لمراكز الطعام وخطوط النقل العام للوصول إليها. وتعتزم سانت إيجيديو -التي رشحت لجائزة نوبل للسلام لجهودها في حل النزاعات وبرامج مكافحة الإيدز في افريقيا- توزيع 13000 نسخة مباشرة للمشردين والمتطوعين الذين يساعدونها.
الشرطة".
من جانب اخر هل يتحول مشردو جمهورية التشيك إلى محطات توجيه "الواي فاي" (الإنترنت اللاسلكي)؟ هذه هي فكرة شركة "واي فاي من أجل الحياة" WiFi4Life التي قررت مساعدة المتسولين عبر تزويدهم بأجهزة توزيع الإنترنت ليجوبوا بها الشوارع وهي في جيوبهم. في المقابل، تقترح الشركة على المشردين الأكل واللباس وبعض المال (5 يورو)، وإن كانت الخدمة مجانية فللمستخدمين بدورهم إمكانية مساعدتهم ببعض النقود.
ورحب البعض بهذه المبادرة، واعتبروها صالحة للسياح ولسكان مدينة براغ، في حين رأى فيها آخرون مشروعا غريبا يقترح مساعدة الفقراء الراغبين في تلبية حاجيات الأثرياء، عبر المزج بين إعادة التأهيل الاجتماعي والاستغلال! وخلال حملة صيفية لجمع المال على موقع إلكتروني تشاركي من أجل تجهيز المشردين، لم تنجح الدوافع "الإنسانية" في إقناع رواد الشبكة وتم حصد 388 يورو فقط في الوقت الذي كان يأمل فيه تحصيل 5500 يورو.
لكن فشل هذه المرحلة لم يثن أصحاب الفكرة عن الاستمرار، فأعلنوا مؤخرا أن أول جهاز من هذا النوع بات يتجول في شوارع براغ وأنه بالإضافة إلى "الواي فاي" بإمكانه مساعدة المارة على شحن هواتفهم النقالة! وقال لوبوس بوليتشيك، وهو واحد ممن أطلقا المشروع، في فيديو نشر على موقع "يوتيوب" لتقديم هذه "المحطات البشرية" للإنترنت: "إن المشردين الذين يشاركون في توزيع "الواي فاي" إذا أثبتوا أنهم قادرون على النهوض صباحا واحترام الأوقات، وتفادي تناول الكحول، والعمل ثماني ساعات في اليوم، يمكن لمشروعنا أن يصير لهم بمثابة توصية إيجابية تساعدهم على إيجاد عمل في المستقبل". بحسب رويترز.
وعلى صعيد آخر، كشف موقع "نوميراما" الإلكتروني أن بلدية براغ مهتمة بالمشروع وأن مباحثات جارية لتقديم منحة سنوية لشركة WiFi4Life حتى يتم تجهيز عدد أكبر من المشردين بهذه التكنولوجيا. وأكد لوبوس بوليتشيك للإعلام الروسي: "اخترنا المشردين لأنهم يعيشون في الشارع وليس لديهم ما يفعلون"!
كتاب لمتشرد
في السياق ذاته قبل شهرين روى الفرنسي جان-ماري روغول البالغ 47 عاما في كتابه "جو تاب لا مانش" حياته كمشرد وقد حقق نجاحا وبيع منه حتى الان 40 الف نسخة ومع ان هذا الوضع لم يسمح له بعد بمغادرة الشارع الا انه غير حياته. وشددت دار النشر "كالمان-ليفي" على ان الكتاب الواقع في 176 صفحة هو من اكثر الكتب مبيعا وقد حل جان-ماري ضيفا على الكثير من البرامج التلفزيونية والاذاعية برفقة رئيس المجلس الدستوري جان-لوي دوبريه السياسي اليميني ووزير الداخلية السابق الذي ساعده في كتابته.
وقال ان لقاءهما اتى ثمرة الصدفة. فكان جان-ماري يتسول امام متجر في جادة شانزيليزيه عندما التقى جان-لوي دوبريه واقترح عليه ان يحرس دراجته الهوائية. وقد تبادل الرجلان الحديث واقترح جان-لوي على جان-ماري بعد فترة مساعدته على رواية السنوات السبع والعشرين التي امضاها في الشارع. واستمر المشروع سنتين تمكن خلالهما جان-ماري روغول الذي "لم يتردد الى المدرسة كثيرا" بكتابة ثلاثة دفاتر عكف الوزير السابق على نقلها واعادة صياغتها. وكانت النتيجة ان حل الكتاب في المرتبة الثانية عشرة بين افضل مبيعات الكتب بحسب تصنيف مجلة "ليكسبريس".
ويؤكد جان-ماري وهو جالس على شرفة مقهى صغير قريب من مكان "تسكعه" في باريس ، "لم افكر يوما ان تأليف كتاب سيكون له هذه الانعكاسات". الا انه لا يزال يواصل التسول يوميا امام متجر "شانيل" للمنتجات الفاخرة في جادة مونتانيه في احياء باريس الراقية. وهو يعتمر قبعة سانتا كلوس متوسلا المارة حتى يجمع 80 يورو يوميا يحتاجها لدفع كلفة غرفة الفندق وحاجاته الغذائية. ويوضح "ساحصل على حقوق المؤلف بعد عشرة اشهر. لا اريد دفعة مسبقة افضل ان احصل على كل شيء دفعة واحدة".
لكنه حصل على دفعة صغيرة سمحت له بشراء هاتف ذكي يرد من خلاله بحماسة على اصدقائه الجدد عبر شبكة فيسبوك موضحا "يكتب الي الناس من كل مكان ويتحدث الي يوميا في الشارع اشخاص قرأوا كتابي". ويوضح "دعيت الى المطعم الاسبوع الماضي" من قبل "رجل من تينيسي (الولايات المتحدة) اشترى 15 نسخة من كتابي. (..) وقد اتى رجل اخر من سويسرا حاملا لي الشوكولا". ويقول وهو يعرض حذاءه الجديد الذي اهداه اياه احد سكان المنطقة "يطلبون مني ان اكتب اهداء على نسخ كتابي ويعطيني بعض الناس المال والبعض الاخر الملابس". وقد اهداه جان-لوي دوبريه الذي يستمر بلقائه بانتظام، معطفا.
ويحب جان-ماري كثيرا عندما يقول له بعض القراء ان كتابه سمح لهم بتغيير نظرتهم الى المشردين موضحا "باتوا يلقون نظرة مختلفة على الناس في الشارع". وفي الشارع يستفيد "نظراؤه" من التغير الحاصل "يقولون لي الكثير من الناس يأتون الينا بفضلك". وتمكن جان-ماري ايضا من التواصل مجددا مع احد اشقائه. ويوضح "لقد رآني عبر التلفزيون لم يكن يعرف اني مشرد. عندما يصبح الشخص مشردا يبقى منطويا على نفسه ويشعر بالخزي. اولاده يريدون التعرف الي...وهذا امر غريب لاني لطالما عشت وحيدا". بحسب رويترز.
وبمساعدة اشخاص تأثروا بوضعه باشر جان-ماري المعاملات للحصول على الحد الادنى من العائدات والتسجل في الضمان الاجتماعي والتقدم بطلب للحصول على مسكن شعبي. وهو يقول "عندما يكون الشخص في الشارع لا تكون الاولوية لهذه الامور فمن المستحيل خسارة يوم من التسول". ويتابع قائلا "عندما ساحصل على شقة ساشتري حاسوبا لاستمر بتأليف الكتب". ويأمل بعد حصوله على المال، بشراء مقهى متخصص باعداد شطائر الكريب وهو حلم يراوده منذ فترة طويلة. ويحلم كذلك بالمشاركة في فيلم سينمائي بوليسي "مع جان-لوي دوبريه في دور مفوض الشرطة".
اضف تعليق