قضية الموت الرحيم التي اثير حولها الكثير من الجدل والنقاش لأسباب دينية واخلاقية، لا تزال محط اهتمام واسع كونها ترتبط بحياة الكثير من البشر ممن يعانون أمراضا مستعصية ومشكلات صحية ميؤوس من شفائهم، هذه القضية وكما يقول بعض المراقبين اصبحت اليوم من القضايا الاساسية في العديد من الدول خصوصا بعد اقرار بعض القوانين والتشريعات التي تسمح بتطبيق القتل الرحيم، وأول دولتين في العالم أقرتا قانوناً يجيز الموت الرحيم في الحالات المستعصية، هما هولندا (2001) وبلجيكا (2002). وبذلك، وللمرة الاولى في تاريخ البشرية ينظم الموت الرحيم على الصعيد المدني والاجتماعي والقانوني. وهناك عدة دول تبحث الآن امكانية تشريع مثل هكذا قوانين.
وهو ما اثار موجة من الانتقادات الحادة من قبل المعارضين الذين يعتبرون ان هكذا اجراء يعد جريمة غير اخلاقية قد تسهم بتدمير المجتمعات، متهمين تلك الدول أصدرت مثل هكذا قوانين بانها تسعى الى الحصول على مكاسب اقتصادية من خلال تخفيف مصاريف المعالجة الطبيّة والأدوية للمواطنين. والقتل الرحيم كما تشير بعض المصادر، تعني الموت الجيد وهو مصطلح يشير إلى ممارسة إنهاء الحياة على نحو يخفف من الألم والمعاناة. وفقا لمجلس اللوردات البريطاني اللجنة الخاصة بآداب مهنة الطب، فإن التعريف الدقيق للقتل الرحيم هو "إجراء تدخل متعمد مع الإعلان عن النية في إنهاء حياة، للتخفيف من معاناة مستعصية على الحل"، يتم تصنيف القتل الرحيم بطرق مختلفة، أولهما والتي تشمل الطوعي غير الطوعي والقسري وثانيهما تشمل الإيجابي أو السلبي.
غالبا ما يستخدم مصطلح القتل الرحيم للإشارة إلى القتل الرحيم الإيجابي ويعتبر عادة القتل الرحيم كجريمة قتل جنائية، لكن القتل الرحيم الطوعي، والسلبي غالبا لا يعتبر جريمة قتل جنائية. والجدل الدائر حول مراكز القتل الرحيم يدور حول حجة المعارضين الذي تصف القتل الرحيم بشيء من إثنين: الطوعي ويوصف بأنه "انتحار"، أو القسري ويوصف بأنه قتل.
قانون يجيز الانتحار
وفي هذا الشأن فقد وافق المجلس التشريعي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية على مشروع قانون يجيز انتحار المرضى الميئوس من شفائهم بمساعدة طبية على الرغم من اعتراض الجماعات الدينية والمدافعة عن حقوق المعوقين. وأرسل المجلس مشروع القانون إلى جيري براون الحاكم الديمقراطي لولاية كاليفورنيا للموافقة أو الاعتراض عليه. وسيسمح مشروع القانون للمريض الذي يتمتع بحالة عقلية سليمة واتفق طبيبان على أنه لن يعيش سوى ستة أشهر أن يطلب وصفة طبية تُنهي حياته.
ووافق مجلس الشيوخ بالولاية على هذا الإجراء بأغلبية 23 صوتا مقابل اعتراض 14 صوتا بعد أن وافق عليه مجلس النواب في وقت سابق ويعتمد مشروع القانون هذا على قانون مماثل في ولاية اوريجون. وقالت السناتور هانا-بيث جاكسون التي قالت إن امها توفيت متألمة بسبب أحد أنواع سرطان الدم "إننا هنا اليوم على وشك منح رغبة لم أستطع منحها لأمي." بحسب رويترز.
واستمرت مناقشة مشروع القانون أسابيع مع قول أنصاره بأن هذا الاجراء سيسمح للناس في المراحل الأخيرة من مرض عضال بالموت في هدوء في حين قال المدافعون عن كبار السن والمعوقين إنه قد يجعل هؤلاء الناس عُرضة لاقارب جشعين أو آخرين يرغبون في أن يتفادوا رعايتهم أو أن يرثوا ثروتهم. واعترضت أيضا بعض الهيئات الدينية ومن بينها الكنيسة الكاثوليكية على مشروع القانون. وسيسمح هذا الإجراء للأطباء بأن يصفوا دواء لإنهاء حياة شخص لو اتفق طبيبان على أن هذا الشخص لن يعيش أكثر من ستة أشهر. ويجب ايضا أن يقرر متخصص في الصحة النفسية أن هذا الشخص يعتبر سليما من الناحية العقلية.
الحق الموت في بريطانيا
على صعيد متصل رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان طلبا من نشطاء حملة بريطانية تدعو إلى نقض قانون يتعلق بالانتحار بمساعدة آخرين. واستبعدت المحكمة طلبا تقدمت به جين نيكلينسون، التي كان يعاني زوجها توني من "متلازمة المنحبس"، وطلبا آخر من بول لامب، الذي أصيب بالشلل في حادث سيارة. وقالت المحكمة إن البرلمان البريطاني هو "أفضل" من يتخذ قرارا في قضية حساسة مثل هذه. وقالت لورين، ابنه نيكلينسون، إن المرض "مدمر"، لكنها قالت إن القانون "لابد أن يتغير عندما يلزم الأمر". وأضافت :"هذا يعني أن الناس ستواصل الذهاب إلى عيادة ديغنتاس في سويسرا، وسنستمر في تصدير المشكلة، وستستمر المعاناة". ويذكر أن قانون الانتحار الصادر في عام 1961 يجرّم كل من يشجع أو يساعد في انتحار شخص أو يحاول الانتحار في انجلترا وويلز، وكل من يقدم على فعل ذلك يعاقب بالسجن 14 عاما.
وكان توني نيكلينسون، من ميلكشام في ويلتشاير، قد أصيب بالشلل أسفل الرقبة بعد معاناته من سكتة في عام 2005. وكافح نيكلينسون من أجل الحصول على حق يسمح للأطباء بإنهاء حياته، لكنه خسر المعركة أمام المحكمة العليا في عام 2012، وامتنع عن تناول الطعام وبعدها أصيب بالتهاب رئوي وتوفي في منزله عن عمر ناهز 58 عاما. ورحبت جمعية "سكوب" الخيرية لمتحدي الإعاقة بحكم المحكمة وقالت إن القانون الحالي بشأن الانتحار بمساعدة آخرين "يحمي حياة المعاقين في بريطانيا".
وقال مارك أتكينسون، الرئيس التنفيذي المؤقت للجمعية :"كثيرون قالوا لنا إنهم خائفون من حدوث أي تغيير في القانون على نحو قد يدفع المعاقين والضعفاء الآخرين إلى الشعور بضغط لإنهاء حياتهم". وأضاف "القانون الراهن المعني بمكافحة أعمال الانتحار بمساعدة آخرين يبعث رسالة قوية لمواجهة الفكر القائل بأن المعاق غير جدير بالحياة وأنه عبء". وأشار إلى أنه "ينبغي أن ينصب التركيز أكثر على مساعدة المعاقين في أن يعيشوا حياتهم بدلا من تمكينهم من الانتحار".
ولجأ كل من نيكلينسون ولامب للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بعدما رُفضت قضيتهما العام الماضي من قبل المحكمة العليا في المملكة المتحدة، والتي قالت إن هذا الأمر يجب أن يناقش في البرلمان. وقالت نيكلينسون إن المحاكم البريطانية "فشلت في أن تجد توافقا" بين قانون المملكة المتحدة والمادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والحق في احترام الحياة الخاصة والعائلية. بحسب بي بي سي.
لكن القضاة في ستراسبورغ قالوا إنه يحق للمحكمة العليا أن تقول إنه من الأفضل أن تناقش القضية من قبل البرلمان، وحكمت بأن الطلب المقدم من نيكلينسون "مبني على أساس غير سليم وغير مقبول". أما في حالة لامب، فقضت المحكمة الأوروبية بأنه لم يستنفد جميع سبل التظلم المحلية – في الوقت الذي عجز فيه عن إقناع المحكمة العليا بحجته لكي يحصل على إذن قضائي يسمح لأحد المتطوعين بإعطائه عقارا ينهي حياته. ويتطابق القانون تقريبا مع القانون المعمول به في أيرلندا الشمالية. وفي اسكتلندا، لا يوجد قانون محدد بشأن الانتحار بمساعدة الغير، وهو ما يخلق بعض الغموض، على الرغم من أنه من الناحية النظرية يمكن مقاضاة الشخص الذي يتورط في ذلك بموجب قوانين القتل.
من جانب اخر دعا ممثلو الجماعات الدينية في بريطانيا مجلس العموم الى عدم اقرار قانون يجيز للمرضى في مراحل اخيرة من امراض مستعصية وضع حد لحياتهم. وفي رسالة الى كل اعضاء مجلس العموم، دعا ممثلون عن الجماعات الانغليكانية والكاثوليكية والارثوذكسية واليهودية والمسلمة والسيخ في بريطانيا، اعضاء البرلمان الى رفض المشروع.
ويجيز مشروع القانون هذا للمرضى الذين يؤكد الاطباء انهم لن يعيشوا اكثر من ستة اشهر، ان يتناولوا جرعة من عقار قاتل. ورأى المسؤولون الدينيون ان هذا القانون ينتهك قيمة الحياة الانسانية. وجاء في الرسالة "ان احترام حياة الآخرين، وهو أساس في نظامنا الجزائي وقوانيننا حول حقوق الانسان، لا ينبغي ان نفرط به".
واضاف الموقعون على الرسالة "رغم ان الانتحار لا يعد جريمة في بريطانيا، الا انه مأساة علينا ان نبذل جهدنا لتجنب وقوعها"، معتبرين ان مشروع القانون هذا "لا يشرع الانتحار فحسب وانما يشجع عليه ايضا". ويقضي مشرع القانون المقدم للبرلمان بالسماح لكل مريض يؤكد طبيبان وقاض انه في مراحل نهائية من مرض مستعص، وانه يريد انهاء حياته بملء ارادته، ان يفعل ذلك، على ان يتناول العقار القاتل بنفسه.
صراع قضائي طويل
من جهة اخرى أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان قرارا يقضي بوقف تقديم العلاج لفانسون لامبير، المريض الذي يقبع في المستشفى منذ 2008 دون أمل بالتعافي. وقالت المحكمة إن هذا القرار لا يتنافى مع حق العيش. وقال دين سبيلمان، رئيس المحكمة، إن قرار المحكمة لا يتناقض مع حق العيش ولا يتعارض مع المادة الثانية للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تضمن حق الحياة والعيش لكل شخص.
وعبرت راشيل لامبير، زوجة المريض فانسون لامبير، عن موقفها إزاء قرار المحكمة قائلة "لا توجد فرحة ولا ارتياح يمكن التعبير عنهما. نحن نريد فقط أن تحترم رغبة فانسون والمتمثلة في وقف تقديم العلاج له". وتجدر الإشارة إلى أن فانسون لامبير دخل إلى المستشفى في 2008 بعد حادث سير خطير فقد بموجبه كل حركاته الجسدية، ومنذ ذلك الوقت تم إبقاءه على قيد الحياة بشكل اصطناعي.
ويشكل القرار الذي اتخذته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان نهاية صراع قضائي طويل دار بين زوجة فانسون لامبير التي ترغب أن يتوقف الأطباء عن تقديم العلاج له كي "يرحل بهدوء" بفضل الموت الرحيم، وبقية العائلة التي ترفض دائما توقيف العلاج لأسباب دينية. ففي 2013 مثلا، اتفق مستشفى "ريمس"، حيث كان يقيم فانسون، مع زوجته على إيقاف العلاج ومساعدته على الموت الرحيم، لكن عائلته رفضت ذلك ورفعت دعوى قضائية ضد المستشفى وأرغمته بإعادة تقديم العلاج لفانسون من جديد. بحسب فرانس برس.
ونفس الأمر حدث في 2014، ووفق قانون "ليونيتي" الذي صدر في 22 نيسان/ أبريل 2005 والذي يقر بأن الطبيب لديه الحق بأن يوقف تقديم العلاج لمريض ميؤوس من شفائه، أوقف مرة أخرى المستشفى علاج فانسون، لكن العائلة تدخلت مرة أخرى ورفعت دعوى قضائية جديدة للنقض في قرار المستشفى لتتمكن في نهاية المطاف من إبطال القرار. كما رفعت زوجة فانسون في 2014 دعوى أمام مجلس الدولة بفرنسا الذي أمر بالقيام بفحوصات طبية جديدة على المريض. وأثبتت التحاليل أن المريض لن يتعاف من مرضه، بل أصبح يتدهور يوما بعد يوم، ما جعل هذه المؤسسة القضائية تصدر قرارا يقضي بوقف تقديم العلاج للمريض. وهذا ما أثبتته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي طلبت من جهتها وقف تقديم العلاج. لكن يتوقع أن لا ينهي هذا القرار الصراع القائم بين زوجة المريض وبقية العائلة التي ستطالب بالقيام بفحوصات طبية جديدة.
المساعدة على الانتحار
في السياق ذاته قالت منظمة سويسرية تساعد المرضى الميؤوس من شفائهم على التخلص من حياتهم وتدافع عن حقهم في رفض العلاج الطبي إن السلطات المحلية سمحت لها بفتح وحدة جديدة للمساعدة على الانتحار. وقالت منظمة (اجزيت) التي تقدم عقاقير قاتلة لمساعدة من يريد الانتحار إن المجلس المحلي للمباني في بازل رفض اعتراضات على خطتها تحويل جزء من مكتبها في بينينج في سويسرا إلى قاعة للمساعدة على الانتحار.
وكان بعض السكان المحليين ومنشآت قطاع الأعمال قد اعترضوا على وجود مثل هذه الوحدات قرب مقار عملهم وقالوا إن المبنى لا يتسق ولوائح البناء المحلية. وستكون هذه الوحدة ثاني مقر لمنظمة (اجزيت) بزوريخ في سويسرا. وسيقرر مجلس إدارة المنظمة الآن اجراءات إنشاء الوحدة الثانية. وقال بيرنهارد سوتر المدير التنفيذي لمنظمة (اجزيت) "أتصور أننا سنمضي قدما في انشاء الوحدة الثانية لأن الهدف منها واضح. المرضى الذين يعيشون في بازل ممن لا يمكن مساعدتهم وهم في منطقتهم وممن لا يستطيعون السفر إلى زوريخ يمكن أن يجدوا مكانا ينهون فيه حياتهم". بحسب رويترز.
وقالت المنظمة في مارس آذار الماضي إن عضويتها بلغت مستوى قياسيا العام الماضي بعد زيادة نسبة طلبات الانضمام إليها 20 في المئة. وتكتسب المساعدة على انهاء الحياة صبغة قانونية في سويسرا منذ أربعينات القرن الماضي شريطة أن تتم بمعرفة شخص لا مصلحة له في وفاة المريض. وكانت زيادة أعداد الأجانب الذي يسعون إلى الانتحار في سويسرا قد أثارت جدلا حاميا في البلاد. وفي عام 2011 رفض الناخبون في مقاطعة زوريخ حظرا مقترحا على طلب مساعدة الانتحار و"سياحة الانتحار" وبعد عام من ذلك اعترض برلمان البلاد على تشديد القيود على هذا النشاط.
اضف تعليق