هل تفضِّل أن يكون طفلك صادقًا أم مقبولًا اجتماعيًّا؟ سؤال حاول باحثون الإجابة عنه، محذرين من خطورة التعامل بقسوة مع الأطفال الذين يقولون الحقيقة بصورة صريحة بدلًا من الحرص على أن يكونوا مقبولين اجتماعيًّا، اذا يؤكدون على أهمية تعليم الأطفال عدم الكذب والتحلِّي بالكياسة والتعبير عن الرأي برفق دون الإساءة إلى أحد...
بقلم دينا درويش
هل تفضِّل أن يكون طفلك صادقًا أم مقبولًا اجتماعيًّا؟ سؤال حاولت دراسة لفريق من الباحثين في جامعة ولاية تكساس الإجابة عنه، محذرين من خطورة التعامل بقسوة مع الأطفال الذين يقولون الحقيقة بصورة صريحة بدلًا من الحرص على أن يكونوا مقبولين اجتماعيًّا.
ووفق الدراسة، التي نشرتها دورية "جورنال أوف مورال إديوكيشن" (Journal of Moral Education)، فإن "الأطفال الذين يقولون حقائق صريحة مثل "لا أريد هذا الشخص- إنه قبيح!" يتم الحكم عليهم بقسوة من قِبل البالغين أكثر من أولئك الذين يحيدون عن الحقيقة ليكونوا مهذبين أو ليحموا الآخرين.
تقول لوري بريمبال، الأستاذ بكلية العدالة الجنائية وعلم الجريمة في جامعة ولاية تكساس، والباحث الرئيسي فى الدراسة: "إن معظم الآباء يشعرون بالحرج أو الانزعاج من صراحة أطفالهم، التي قد تبدو قاسية".
تعلُّم الكذب هو جزء طبيعي من التطور الاجتماعي للأطفال، وحتى الآن لا نعرف الكثير عن الآليات والعمليات الكامنة وراء تطوُّر الكذب لديهم وتشكُّله.
تضيف "بريمبال" في تصريحات لـ"للعلم": الأطفال يعرفون أن الكذب خطأ، لكنهم يبدأون الكذب في وقت مبكر من أجل اكتساب مهارات اجتماعية وتجنُّب العقاب والعزلة، ويلجأ الأطفال إلى الكذب حين يعاقبهم البالغون لقولهم الحقيقة التي قد تكون قاسيةً أو لا تتفق مع الذوق، وتتابع: وجدنا أن الأطفال يتعلمون قيمة الصدق في بيئة معقدة للغاية؛ إذ يُنظر إلى الكذب باعتباره إحدى المهارات الاجتماعية المهمة للتواصل، ويزداد الأمر تعقيدًا في ظل الرسائل المتضاربة المحتملة التي يقدمها البالغون للأطفال؛ إذ يحرص مقدمو الرعاية على وصف الكذب بأنه تصرف خطأ، لكنهم ينظرون إلى الطفل على أنه طفل غير لطيف إذا قال الحقيقة بشكلٍ جارحٍ أو قاسٍ.
أجرى الباحثون تجاربهم على 267 شخصًا بالغًا من شمال شرق الولايات المتحدة؛ إذ عرضوا عليهم مقاطع فيديو "تمثيلية" لأطفال تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و15 عامًا يقولون الحقيقة أو يكذبون في مواقف اجتماعية مختلفة، وقام المشاركون بتقييم ثمانية مقاطع فيديو لكلٍّ منهم، وكانت التقييمات من انطباعاتهم عن الأطفال وما إذا كانوا سيعاقبونهم أو يكافئونهم.
في بعض السيناريوهات، كذب الأطفال بدافع الأدب لتجنُّب إيذاء مشاعر شخصٍ ما، وفي سيناريوهات أخرى، كذب الأطفال من أجل حماية الآخرين؛ فعلى سبيل المثال، فإن الطفل يكذب بخصوص مكان اختفاء شقيقته عندما تكون لديها مشكلة مع والديها، وتنوعت صيغة ردود الأطفال وفق أربعة أشكال مختلفة، هي: "الكذبة الصريحة" التي تمثلت في قول الطفل إن شقيقته ذهبت إلى المكتبة لأداء واجباتها المدرسية، ثم "الحقيقة الخفية" بقوله إنه يعتقد أنها قد تكون في الخارج.
وتمثلت "الكذبة الخفية" في قول: أعتقد أنه كان من الممكن أن تذهب إلى الفراش أو شيء من هذا القبيل، أما "الحقيقة الخام" فتمثلت في قول الطفل: إنها تحت الشرفة، بعد مشاهدة كل مقطع فيديو، قام البالغون بتقييم انطباعهم عن شخصية الطفل، بما في ذلك جدارته بالثقة واللطف والكفاءة وقابلية الإعجاب والذكاء والأمانة، وتخيل البالغون أنهم أحد والدي الطفل، وقاموا بتصنيف مدى احتمالية معاقبة الطفل أو مكافأته، سواء على قول الكذب أو التزام الصدق، وأظهرت النتائج أن البالغين كانوا أكثر قسوةً في حكمهم على مَن التزموا بقول الحقيقة مقابل أولئك الذين كذبوا أو قالوا حقائق غامضة، وبشكل عام، أكد المشاركون في الدراسة أنهم سيكافئون الأطفال كثيرًا لقولهم "حقائق خفية"، مثل: "أعتقد أنها قد تكون في الخارج" في سيناريو الأخت المختبئة.
تقول "بريمبال": تؤثر التنشئة الاجتماعية على سلوك الأطفال مثل الرسائل المختلطة التي يتلقاها الأطفال حول الكذب، وبالتالي لا عجب من انخراط الأطفال في رواية الكذب منذ سنٍّ مبكرة، لذا يجب تعليم الأطفال قول الصدق وعدم الكذب مع الالتزام بعدم إلحاق الضرر بالآخرين، وأن يتحلى الطفل بالكياسة، ومثال على ذلك، إذا أعطى شخصٌ ما الطفل هدية، ينبغي على الطفل شكره دون التطرق إلى جمال الهدية من عدمه، ويجب أن يقدم البالغون نموذجًا يُحتذى به في قول الحقيقة وعدم الكذب حتى لا يفقدوا ثقة الأطفال بهم، ويجب التعامُل مع قول الطفل للحقيقة –لو كانت قاسية- بصورة لطيفة بدلًا من عقابه.
لكن هناك بعض التحفظات على الدراسة؛ فعلى الرغم من أن العينة تبدو ممثلةً من ناحية الجنس 50% ذكورًا و50% إناثًا، وأنها تشمل أعراقًا مختلفة، لكن حجم العينة يظل صغيرًا، كما أن الحيز الجغرافي لها ضيق.
وردًّا على سؤال لمجلة "للعلم" حول إمكانية تطبيق نتائج هذه الدراسة على مجتمعات أخرى، تقول "بريمبال": الدراسة الحالية أُجريت على المجتمع الأمريكي، وسيكون من المثير للاهتمام للغاية النظر في كيفية استجابة الأشخاص من ثقافات مختلفة في هذه السيناريوهات.
اضف تعليق