الهواء والماء والتربة التي تمثل مكونات كوكب الأرض وسر استمرار الحياة فيه باتت تعاني من التلوث المتعدد الأنواع، الذي أصبح سمة الحياة المعاصرة، في ظل بيئة متدهورة نتيجة السلوكيات البشرية الخاطئة، لكن هناك نوع من التلوث لم يحظ بالاهتمام الكافي، يتمثل في تزايد الأصوات في كل مكان...
الهواء والماء والتربة التي تمثل مكونات كوكب الأرض وسر استمرار الحياة فيه باتت تعاني من التلوث المتعدد الأنواع، الذي أصبح سمة الحياة المعاصرة، في ظل بيئة متدهورة نتيجة السلوكيات البشرية الخاطئة، لكن هناك نوع من التلوث لم يحظ بالاهتمام الكافي، يتمثل في تزايد الأصوات في كل مكان، وقد بينت الدراسات الطبية العلمية الحديثة ان ارتفاع الأصوات المزعجة الفوضوية يؤدي إلى مشاكل صحية عديدة في مقدمتها الفقدان التدريجي لحاسة السمع لدى الإنسان فضلاً عن أمراض جسدية ونفسية عديدة!
يمكن ملاحظة مستويات التلوث السمعي المتفاقم في الشارع، وفي أماكن العمل والسكن، ولا توجد أية متابعة من الجهات المعنية لهذه الظاهرة رغم وجود قوانين تنظم الأصوات وتمنع الضوضاء الضارّة، في أغلب دول العالم، ومن بينها العراق!
في العراق صدر قانون منع الضوضاء رقم (21) لسنة 1966، قبل نحو خمسة وخمسين عاماً، ومن بين فقراته المهمة المادة رقم (2):
1– لا يجوز استعمال وسائل البث في الأماكن العامة بكيفية تؤدي إلى إقلاق راحة الغير ولا يجوز استعمال هذه الوسائل في الأماكن الخاصة بكيفية تؤدي إلى إقلاق راحة الغير إذا وقعت شكوى من المتضرر.
2 – لا يجوز مطلقا نصب مكبرات الصوت بأنواعها المختلفة خارج الأماكن العامة او الخاصة، ويجوز نصبها داخل هذه الأماكن بإجازة من مركز الشرطة المختص على ان يمنع استعمالها مطلقا بين الساعة العاشرة مساء والثامنة صباحا).
يعد هذا القانون من التشريعات التي تعبر عن وعي ثقافي واجتماعي وصحي مرتفع، واهتمام مبكر نسبياً بتنظيم الحياة والسلوك العام، رغم محدودية مصادر الضوضاء، في ذلك الوقت، وقلة انتشارها وضعف تأثيرها، مقارنة بالوقت الراهن!
يبدو أن تفاقم ظاهرة التلوث الصوتي وتزايد وسائلها وتعدد مصادرها قد جعل مجلس النواب العراقي يلغي القانون السابق ويصدر قانوناً جديداً للسيطرة على الضوضاء وتحديد مستويات الأصوات المختلفة، ومعاقبة مرتكبيها، وهو القانون رقم (41) لسنة 2015 الذي تميز بتغطية هذه الظاهرة المنتشرة ومعالجة جوانبها كافة، لكن تطبيقه ما زال يتطلب جهوداً كبيرة، من جميع الجهات المعنية، فضلاً عن الوعي المجتمعي والتعاون بين المواطن والدولة.
فقد حددت المادة رقم(4) أنواع الملوثات الصوتية المحظورة وعاقبت مرتكبيها بالغرامة التي تصل إلى مليون دينار، ومن أهم الممنوعات وفق هذا القانون: حظر إطلاق أصوات المنبهات من المركبات كافة إلا في حالات الضرورة، ومنع تشغيل وسائل البث في الأماكن العامة والخاصة التي تؤدي إلى ازعاج الآخرين، ومن ضمنها مكبرات الصوت، ومنع النشاطات الحرفية مثل الحدادة والنجارة التي تؤدي إلى الضوضاء في المناطق غير الصناعية في الفترة الزمنية ما بين التاسعة مساءً والسابعة صباحاً، كما منع القانون انشاء معامل النجارة والحدادة ومعامل تصليح السيارات.
وأي نشاط يحدث ضوضاء في المناطق غير الصناعية، يؤثر على مستخدمي المكان، وحظر القانون تشغيل مكبر الصوت أو جهاز مشابه في المناطق السكنية لغرض الدعاية، ومنع وقوف سيارات الحمل والباصات الكبيرة، أو إنشاء مرائب لمبيتها أو وقوفها في الأزقة.
إذا تمعنا في بنود هذا القانون نجده يقدم معالجات دقيقة لأغلب مظاهر الضوضاء والضجيج والإزعاج والفوضى التي نشهدها يومياً، لكنه من القوانين غير المفعّلة مع الأسف من قبل الجهات التنفيذية والوزارات المعنية، رغم أن القانون نفسه يشير إلى ضرورة متابعة تنفيذه، من قبل تلك الجهات الرسمية، وبخاصة وزارة الصحة والبيئة وأمانة بغداد والدوائر البلدية ومديرية المرور العامة وغيرها!
تشريع أي قانون لا يكفي لمعالجة أية ظاهرة دون وجود حرص على تطبيقه، وتعاون حقيقي بين المواطن والأجهزة الحكومية، ولاشك أن تطبيق بنود هذا القانون سوف يجعل الجميع يشعرون بالراحة والهدوء والسكينة في بيئة صحية خالية من الضوضاء المزعجة؟!
.............................................................................................
اضف تعليق