أقول في نفسي سامحني يا أخي على قسوتي، فقد جعلنا ابناء الحرام نشك حتى في أنفسنا، فقد غرزوا خناجر الغدر في صدورنا وجعلوا ضمائرنا تنزف ونحن نعجز عن مد يد المساعدة لمن يطلبها خشية أن تكون اليد المقابلة خنجرا مسموما بالحقد والكراهية والتعصب والجهل، كما ترسب في نفوسنا من تجارب مريرة...

(المعروف) من الكلمات الرائعة في اللغة العربية، ففي آية {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} استخدم القرآن الكريم تعبير "المعروف والمنكر" بدلاً من تعبير "الحلال و الحرام" لأن "المعروف" هو ما تعارف عليه البشر مثل مساعدة المسكين والضعيف والمحتاج و"المنكر" هو ما أنكره البشر جميعاً بفطرتهم مثل الظلم و قهر الضعفاء.

في قصة وعبرة سمعتها في طفولتي من والدي رحمه الله تعالى، يقول إن فارسا كان يقطع الصحراء في لهيب الصيف الساخن، وقد شاهد رجلا جالسا على الطريق ويبدو عليه الإرهاق والعطش والجوع، شعر الفارس بالعطف على ذلك المسكين فتوقف ونزل من حصانه وسقاه جرعة ماء ثم أردفه خلفه وانطلق!

بعد لحظات شعر الفارس بوخزة في خاصرته، وراح الرجل يهدده بالطعنة القاتلة بخنجر الغدر إذا لم ينزل من ظهر الحصان فورا!

ترجل الفارس دون أن يقاوم، ومضى السارق بالحصان وما يحمل من طعام وماء ومال وسلاح!

نادى الفارس: يا رجل توقف واسمع مني كلمة فقط قبل أن تمضي بغنيمتك!

رد السارق: نعم قل ما عندك بسرعة!

قال الفارس: ارجوك لا تروي ما فعلت لأي شخص، لكي لا ينقطع سبيل المعروف!

ويقال ان اللص صدم وبكى واعتذر واعاد الحصان لصاحبه!

تذكرت هذه الحكاية خلال سفرتي قبل أيام بالسيارة مع عائلتي إلى ربوع كردستان الجميلة الآمنة، وكنت أتجول بين القرى والجبال والوديان واتمتع بمناظر الطبيعة الساحرة، والوجوه الطيبة الناضرة، وكان يصادفني في الطريق امرأة أو شابا أو عجوزا يقف على حافة الطريق ويؤشر بيده راجيا إيصاله إلى مكان ما في الاتجاه نفسه، وكنت طوال الوقت اشعر بغصة في صدري وأنا أتجاهله وأتجاوزه دون ان اتوقف رغم شعوري بتأنيب الضمير!

عندما يستوقفني عابر سبيل اتذكر فورا قصص مروعة تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي حول الغدر والخيانة والاحتيال، التي يكون ضحيتها أنقياء القلوب الذين احسنوا الظن بالآخرين، فكان جزاء الإحسان السرقة او القتل!

 الحذر المتراكم من الناس السيئين جعلني اخشى مساعدة عابر السبيل المحتاج الملهوف، وبخاصة انني غريب وبعيد عن دياري، أسير في طرق وعرة ولا يوجد معين سوى الله تعالى!

أقول في نفسي سامحني يا أخي على قسوتي، فقد جعلنا ابناء الحرام نشك حتى في أنفسنا، فقد غرزوا خناجر الغدر في صدورنا وجعلوا ضمائرنا تنزف ونحن نعجز عن مد يد المساعدة لمن يطلبها خشية أن تكون اليد المقابلة خنجرا مسموما بالحقد والكراهية والتعصب والجهل، كما ترسب في نفوسنا من تجارب مريرة!

ادعو الله تعالى أن يسامحني على سوء الظن، وقد يكون تصرفي في غير محله، وأرجو من كل يد طلبت المساعدة ولم استجب لها أن تغفر لي ذنبا يتحمل وزره من قطع سبيل المعروف بين الناس!

حسبنا اللّه ونعم الوكيل.

اضف تعليق