من حسن الظن بالأخرين ووضع اما عينيه ان هناك مقصود لم يفهم أو وسع آفاق تفكيره ليفسر مفهوم لم يقصد من وراء التصرفات نأى بنفسه من التقولب العقلي والتنميط الفكري الذي يفرضه ثقافة الرأي الأحادي، ولن يعطي الحق لنفسه او لغيره بالاتهام فقط لأنه مختلف مع الأخر...
يجعل الخلط في اللفظي البرمجي للمعاني بعلاقاتنا مع المحيطين متداخل ويشوش الوضع الصحيح، كما يعطي مفهوما وتفسيرا مغايرا عن الحقيقة، وعليه فإحدى نصائح العارفون ان تسمي الأشياء بمسمياتها وتكن دقيقا وفاهما ومتأنيا قبل تسميتها.
على سبيل المثال هنالك خيط رفيع بين النفاق والنضج في التعامل، مما يدفع الكثير للشك والاتهام والاختلاف بسبب الخلط اللفظي الذي يلجأ اليه البعض للتعبير عن مفهومهم للوضع الذي يرونه، ومن المهم معرفة هذا الفارق الدقيق وتفصيله وتحليله كي لا نقع بجب عتاب النفس او انتقاد الاخرين، وكذلك بفهمنا وتفصيلنا لهذا الفارق نسهم بتوسيع مفهومنا ومفهوم الاخرين الذين ينظرون بمنظور واحد وبعين واحدة قريبة المدى، ويملكون ثقافة الرأي الأحادي الذي ينمط ويقولب المسائل على أساسها.
من المعلوم ان النفاق نوعان هناك من يظهر الإيمان ويبطن الكفر وهذه الملة انتشرت في بداية الرسالة النبوية، والثاني وهي الصفات التي ذكرها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في قوله: "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ".
والمعنى والخلاصة من ذلك ان النفاق يكون بالكذب والخيانة والغدر، وعدم الخوف من الله، وهو بعيدٌ كل البعد عند التعامل مع الخصوم او المختلفين وحتى الأعداء بالإحسان والعقلانية، ويوضحها العارفون بالقول: أن التعامل بلُطف مع شخص لا يعجبك ومختلف عنك لا يعني بأنك تمارس النفاق بقدر ما يعني أنك تمارس قدرٌ كبيرٌ من الحكمة وناضجٌ بما يكفي لتقبل الآخر مهما كان.
فإذا أظهر الإنسان مودةً مبالغة لغيره وهو كارها وناقما له فهو منافق، أما من كان رحيما طيب القلب وموزون العقل ولديه القدرة على الاحتواء رغم كل الاختلافات التي بينه وبين الاخر فهو يملك نضجٌ روحي وعقلي ومتحكم بمشاعره واحاسيسه، حتى لو كان الشخص المختلف معه اعلى منه منصبا او عمرا او اغنى منه ماديا او مختلف معه في مبدأ وفكر، فهو يضع كل شخص في مكانه الصحيح ولا يبالغ في التواضع ولا يغالي في التودد.
يقال "اعرف عدوك كي تنتصر عليه، فيما يحمل الناضج الحكيم وهم نادري الوجود في مجتمعنا اليوم، مقولة مغايرة في التفسير وهي اعرف عدوك حتى تستطيع أن تتعايش معه وتغلق كل الطرق التي يحاول سلكها لأذيتك كما لا تعمل على أذيته.
فهو لا يربك اثره الروحي الأصيل ويعرف ان تعامله ليس نفاقا وضعفا وانما قوة شخصية وروح لا تحمل الضغينة في الخفاء وتتزلف بالعلن، وهو الفائز الأكبر والذي يعيش نعيم الدنيا براحة ضمير وسلامة القلب، فمن الخطأ ان يتهم صاحب هذه الشخصية المعتدلة على أنه ينافق في أفعاله او يحسب على المنافقين.
بحسب المعلومات الناقصة او الخاطئة او الافتقاد لعمق التفكير وتقسيم الاشياء والنظر اليها منظورات اخرى يتهم الكثير بالنفاق او باتهامات اخرى، وكما يقال مقصود لم يُفهم أو مفهوم لم يُقصد، يجعل الفرد يطلق الاتهامات والانتقادات جزافا.
فمن حسن الظن بالأخرين ووضع اما عينيه ان هناك مقصود لم يفهم أو وسع آفاق تفكيره ليفسر مفهوم لم يقصد من وراء التصرفات نأى بنفسه من التقولب العقلي والتنميط الفكري الذي يفرضه ثقافة الرأي الأحادي، ولن يعطي الحق لنفسه او لغيره بالاتهام فقط لأنه مختلف مع الأخر في ثقافته واسلوب حياته ومختلف بالقصد والمفهوم.
اضف تعليق