q
يكمن فن العيش في المزج بين الراحة والأزمات، والتكيف مع الأخطار بطريقة مثالية واختيار الفرص المناسبة للارتقاء بالعقل والنفس والتفكير والسلوك نحو القمة، لما رأي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) جابر بن عبد الله وقد تنفس الصعداء قال (عليه السلام): يا جابر، علام تنفسك، أعلى الدنيا؟. فقال جابر: نعم، فقال له: يا جابر، ملاذّ الدنيا سبعة...

"عندما تكتب كلمة الأزمة باللغة الصينية تجد إن الكلمة تتألف من حرفين الأول يمثل الخطر والآخر يمثل الفرصة"

حين يصل المتسلقون إلى أواسط جبال الإلب، يتجهون نحو أماكن الاستراحة التي توجد هناك، ليأخذوا قسطاً من الراحة ويجددوا طاقاتهم كي يواصلوا التسلق، واذا بدأ المتسلقون حركتهم منذ الصبح سيصلون إلى هناك عند الظهر تقريباً فيحين وقت الغداء، لذلك يقول أحد أصحاب هذه الأماكن، هناك أمر ما لفت انتباهي خلال هذه السنوات، إذ أنني أشاهد هؤلاء المتسلقين عندما يصلون إلى هنا في الداخل ويشعرون بحرارة النار ودفء المكان ويشموا رائحة الطعام، فيقول بعضهم لأصحابه وزملائه: أتعرفون أظن من الأفضل أن أبقى هنا وأنتم تكملوا المسير وتصعدوا الجبل لكي تصلوا الى القمة وأنا أنتظركم هنا كي أرافقكم في النزول ونرجع معاً.

ومن ثم يجلسون هؤلاء معا ويغنون ويشعرون ببعض الدفء والفرحة وتغمرهم السعادة ويخيم الفرح على المكان، حيث هناك أشياء كثيرة تقود إلى الراحة والسعادة كمجالسة الأصدقاء ومعرفة بعض الأشخاص الجدد، والأكل المشهي في مكان دافئ، وفي الوقت الذي يهنأ القسم الأول بالملذات والراحة، يلبس القسم الثاني الذي يريد إنهاء المسير ملابسه كي يتسلق ويصل الى القمة، وبعد ساعة من خروجهم يبدأ أثر الفرح يختفي شيئا فشيئا.

أما بعد ثلاث ساعات يقوم هؤلاء من أماكنهم ويتجهون نحو النافذة، مع نظرات مملوءة بالهم والندم ينظرون إلى زملائهم الذين يقتربون أكثر فأكثر نحو القمة، وفجأة يتغير كل شيء وتتحول تلك السعادة إلى غمّ وألم قاتل، يسكت الجميع ويجلس جانبا ليصرخ بأعلى صوته ليتني لم أبقَ هنا...

في تلك اللحظة يدرك كل شخص اختار البقاء على إنهاء المسير بأن أصدقاءه دفعوا ضريبة النجاح، وتركوا هذه الملذات كي يصلوا الى هدفهم وعلى العكس هو اقتنع بالبقاء واغتر بالملذات المؤقتة ونسي هدفه الذي جاء من أجله، ولكن ماذا حدث؟!، تقديم شيء مقابل شيء آخر، فراحة المكان المؤقتة أصبحت حاجزاً بين هؤلاء وهدفهم الذي هو تسلق الجبل والوصول الى القمة.

هذه الحالة أو هذا المشهد ربما يشرح وضعنا وحالة الكثير منا، وربما يجعل كل شخص في هذا المأزق حيث لا يعرف ماذا يفعل ويغتر بجمال بعض الأشياء والأماكن، والراحة المؤقتة ويختار الجلوس قرب المدفئة ومصاحبة أناس جدد، ولكن ما يحصل في النهاية هو الأسف والندم حيث يطلب مشاهدة نجاحات الآخرين ووصولهم الى القمة.

في الحياة توجد أماكن الراحة، المغريات في جانب والقمة في جانب آخر، وباستطاعة الانسان البقاء في أماكن الراحة والعيش الرغيد ويأكل ما يشتهي ويحصل على المزيد، بالتأكيد ليس هناك آثار للتعب والبرد القارس والأخطار، يتبع نفس الروتين من الصباح حتى الليل، ويوما بعد يوم وأسبوع بعد آخر وإلى نهاية حياته، لكن إذا يريد أن يشعر بطعم النجاح ويصل الى القمة ويجرب شعورا جديدا يجب عليه متابعة المسير كي يعبر من المنحدرات ويترك وراءه الأخطار ويصل ماضيا نحو الجبل.

بالتأكيد سيصل كل شخص من خلال رحلته الصعبة القاسية الى أماكن الراحة، ويشعر بأن عليه البقاء ويرضى بعدم فتح قمة الجبل، ولكن يجب أن يدرك بأنه يريد الراحة المؤقتة أم الراحة الأبدية، فمهما يكون مقام الانسان ومكانته لابد وان يشعر بأن عليه الارتقاء واقتحام القمم وبلوغ الجبال، لذلك كل فرد يكون أمام طريقين، طريق الراحة والطمأنينة وانتظار الأصحاب والزملاء كي ينحدر معهم الى الأسفل، أو الحركة وترك الراحة المؤقتة من أجل الصعود نحو القمة بالتأكيد.

أدر وجهك نحو الشمس وسوف تسقط الظلال من خلفك

يكمن فن العيش في المزج بين الراحة والأزمات، والتكيف مع الأخطار بطريقة مثالية واختيار الفرص المناسبة للارتقاء بالعقل والنفس والتفكير والسلوك نحو القمة.

لما رأي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) جابر بن عبد الله وقد تنفس الصعداء قال (عليه السلام): يا جابر، علام تنفسك، أعلى الدنيا؟. فقال جابر: نعم، فقال له: يا جابر، ملاذّ الدنيا سبعة: المأكول، والمشروب، والملبوس، والمنكوح، والمركوب، والمشموم، والمسموع. فألذ المأكولات العسل وهو بصق من ذبابة، وأحلى المشروبات الماء وكفى بإباحته وسباحته على وجه الأرض، وأعلى الملبوسات الديباج وهو من لعاب دودة، وأعلى المنكوحات النساء وهو مبال في مبال ومثال لمثال، وإنما يراد أحسن ما في المرأة لأقبح ما فيها، وأعلى المركوبات الخيل وهو قواتل، وأجل المشمومات المسك وهو دم من سرة دابة، وأجل المسموعات الغناء والترنم وهو إثم، فما هذه صفته لم يتنفس عليه عاقل. قال جابر بن عبد الله: فوالله ما خطرت الدنيا بعدها على قلبي.

الدنيا بمثابة ذلك المكان الجميل الذي قد يراه المتسلق جميلا مدهشا وهو لما يزل في منتصف الطريق، ولكن لا يستطيع أن يمكث فيه إلى الأبد، فلابد الخروج منه، إما النزول إلى الأسفل وإما الصعود نحو القمة، والحصول على وسام الشرف، وقد ورد أيضا عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): أحذركم الدنيا والاغترار بها، فكأن قد زالت عن قليل عنكم كما زالت عمن كان قبلكم، فاجعلوا اجتهادكم فيها التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل.

اضف تعليق