من الملحّ أن نفهم ماهيّة التفكير الذي نحتاجه؟، إنه سؤال لا يحتاج إلى تفسير، هل نحن بحاجة الى التفكير السائد الذي سبقنا إليه الآخرون وانتقلوا الى سواه؟، بالطبع سوف تأتي الإجابة بالنفي، نحن لسنا بحاجة الى تفكير نمطي مقولَب، فمن يريد أن يحقق قفزة عظيمة في عالم الإنتاج المتميز بشقيه المادي والمعنوي.
السبات مفردة يدل معناها على الجمود، وعدم التفاعل وانتفاء الرغبة بالتغيير، والبقاء على نمط واحد يقضي على أية رغبة بالتجديد، وليس الكائنات الحية وحدها تُصاب بالسبات، فالفكر على الرغم من أنه لا ينتمي لعالم الأحياء لكنه معرّض للسبات أيضا، لكن من ناحية أخرى يعد التفكير المحرِّك غير المرئي للحياة، فلا أحد يمكنه أن يعزل التفكير أو يحد من تأثيره، ولكن يمكن أن يجعله تفكيرا نمطيا لا فائدة تُجنى من ورائه، لهذا نحتاج إلى خلخلة ركائز هذا النوع من السبات.
من ناحية أخرى يمكن أن يكون الفكر فاعلا مؤثرا، وثمة الكثير من الأمم أنقذها التفكير الحر كالأمة الهندية مثالا، فقد تمكن غاندي من إحداث موجة فكرية كسرت الأنماط السائدة وأحدثت خلخلة في بنية السبات الفكري، فثمّة دلائل حصيفة تغيّر من نمطية التفكير وتدفع بتأثيراته بأشكال مادية مختلفة الأثر والمفعول، فإذا كان غير ملموس، فإنه يمكن أن يكون محسوسا، بعدما تدقق فيه الحواس المناسبة له، ومنها على سبيل المثال، الإحساس بالتقدم ورؤية المشاهد التي تدل على ذلك، كذا الحال هنالك نتائج النقاش والحوارات المتنوعة، فإنها تستطيع أن تبيّن أنماط التفكير بعد التعرّف على مصدرها ومن ثم البدء في خلخلة الركائز.
وبعد التدقيق النشيط فيما يدفعه التفكير من أدلة مادية، سوف نكتشف ذلك، فهو من النوع الذي يُعرَف بنتائجهِ، وربما ينطبق عليه أكثر من قول مأثور، كونه يعمل بلا لسان، ويتكلم بلا صوت، فنتائجه هي التي تدل على جودته أو خرابه، الحرب مثلا تفكير سياسي يصدر عن رأس صنّاع القرار، ولكن نتائجه تظهر فيما ينتجه من خراب مدمّر يلحق الويلات والبؤس بالعالم، وقد يحدث العكس فترى شعباً ما متقدما بارعا ذكيا، يفكر بطرائق ليست نمطية، وهذا لا يمكن اكتشافه إلا بمعاينة الواقع ومعرفة درجة تطور ذلك الشعب كي نفهم درجة ارتقاء الفكر الذي يقوده.
لدينا أنواع كثيرة ومتباينة من التفكير، ولكن هناك نمطين رئيسين له، تنحصر في هذين النمطين أنواع وأشكال التفكير، هذان النوعان هما:
الأول: نمط الفكر المجدي والمحبوك.
الثاني: نمط الفكر ذي النتائج العكسية.
وتتجمع في هذين النوعين أعلاه، كل أنواع وأنماط التفكير الفرعية التي تنتمي الى أحد النوعين بحسب نتائجها، فإن كانت جيدة ومفيدة فهي بالتأكيد تنتمي الى التفكير الجيد، وهذا النوع من التفكير هو العماد الأول، والمرتكَز، الأوحد لتقدم وتطور الأفراد والشعوب والأمم والبلدان.
أما الأفكار الفرعية الرديئة، فإنها تتجمع مع بعضها حتى ينطبق عليها القول المتداوَل المعروف (الطيور على أشكالها تقع)، لتصبح مصدر الخراب والبؤس والأذى بأنواعه المادية والمعنوية، وهذا النوع من التفكير البائس، هو الذي ينحدر بالإنسان الفرد نحو الحضيض، وهو الذي يدمر الساسة الطغاة وللأسف يلحق الخراب بالبلدان والشعوب معاً.
بالنتيجة قد يكون من الملحّ أن نفهم ماهيّة التفكير الذي نحتاجه؟، إنه سؤال لا يحتاج إلى تفسير، هل نحن بحاجة الى التفكير السائد الذي سبقنا إليه الآخرون وانتقلوا الى سواه؟، بالطبع سوف تأتي الإجابة بالنفي، نحن لسنا بحاجة الى تفكير نمطي مقولَب، فمن يريد أن يحقق قفزة عظيمة في عالم الإنتاج المتميز بشقيه المادي والمعنوي، أول خطوة يجب عليه القيام بها، مغادرة التفكير النمطي، وإقصاء هذا النوع كليّا عن عقولنا وأنماطنا الفكرية كونه لا يقدم لنا سوى نتائج لا روح فيها لأنها مكرّرة ومعادة ونحن نحتاج التجديد قبل أي شيء آخر.
وهل يوجد هذا النوع او النمط من التفكير بيننا، أو في شعوب وأمم أخرى؟، بالطبع الإجابة، نعم يوجد وربما يسود نسبة عالية من سكان العالم، أفرادا وشعوبا، فيمكننا القول أن جميع الدول المتأخرة أو المتخلفة في مشارق الأرض ومغاربها، سبب تأخرها هو التفكير النمطي الخالي من الإبداع، فكل فكر نمطي لا يغير الحال ولا يقدم الفرد أو الأمة قيد أنملة.
أما كيف يمكننا التخلص من هذا النوع من التفكير الساكن أو التراجعي، فإن الأمرَ ليس هيّناً ولا طوع النوايا أو التمنيات، وأجزم هنا أن القضاء على التفكير السقيم، يستدعي جهودا عظمى لردم الهوّة الفكرية الفاصلة بيننا وبين الأمم المتطورة، وأكرر لا سبيل الى التقدم إلا بردم هذه الفجوة، وهي كبيرة بما يفوق تصوراتنا، ولو أننا قررنا ردمها ومعالجة التفكير السائد، فإن ذلك يحتاج الى جهود فكرية عملية عملاقة، تسبقها خطط تثقيفية تعليمية إستراتيجية، بحيث تغيّر هذه الجهود عقول الناس طرّاً.
فهي عملية معقدة، وليست في متناول العقل أو اليد، إلا إذا سبقت النتائج إجراءات ومعالجات مخصصة جدّيا لمحو الأفكار السائدة أو النمطية غير القادرة على تحريك السبات الفكري القارّ، ومما يمكن تقديمه بصيغة مقترحات هنا:
- تشكيل مؤسسات فكرية، مراكز بحوث ودراسات متخصصة، تقدم الوصايا الى صانع القرار.
- التركيز على المؤسسات الجامعية التعليمية والمدارس بجميع مراحلها، ورفدها بمناهج علمية، وكوادر تدريسية قادرة على تنمية عقول الدارسين، لتجعل منها أدوات لوأد التفكير السائد.
- من غير الممكن أن تكون هنالك جدوى للمعالجات ما لم يتم الأخذ بوصايا مراكز البحوث والدراسات من طاقم الحكومة، وزراء وغيرهم.
- إدخال المناهج المتطورة في رياض الأطفال صعودا، لتنظيف العقلية الصغيرة وتزويدها بالحديث والطازج من الأفكار والقيم.
- إقامة حملات تثقيفية للأسرة، تتعهد بها جهود مدنية.
- لا يوجد مانع من تحرّك الجهد الحكومي بما يحفّز الخلاص من الفكر النمطي.
- لابد أن تتصدى المنظمات الثقافية الى دورها الأساس في هذا الفضاء.
- الإعلام بوسائله وأنواعه حتى المغمورة منها، عليه البدء بحملات لنقض الفكر النمطي، وتشجيع العقول على الولوج في العوالم الفكرية الجديدة.
- لا يصح استنساخ الأفكار التي لا تنبع من الثقافة الأصيلة والقيم الأم.
- لا يمكن الاستفادة من الطرائق التقليدية المستهلَكة، فالتفكير النوعي الحديث، لا ينتجه السائد أو المستهلَك.
- زق جرعات مناسبة لدعم الجرأة الفكرية لدى الأفراد ومن ثم المجتمع.
- عدم التوقف عن تحديث الخطط الفكرية التعليمية، وتجديدها بما يواكب المستجدات الحداثوية في هذا الفضاء.
وهكذا يمكن أن نغير من السبات الفكري الهاجع في رؤوسنا، والمهيمن على منظومة السلوك النمطية أيضا، لذا قد تكون هذه المجموعة من المقترحات، ذات أثر فعال في تطوير أنماط التفكير وتحديثها، على أن يتم التزام المؤسسات والمنظمات والجهات والشخصيات الفاعلة وحتى عموم الأفراد، بالخطط المحدّثة التي تمّ وضعها، والتحرك في ضوئها، مع التأكيد على ملحوظة لا يمكن إهمالها، وهي تكمن في الأهمية القصوى لتوظيف كل ما من شأنه تقويض السبات واجترار الأنماط الفكرية المعتادة، ومن ثم الدخول في فضاء فكري متجدد، لتجديد آفاق الحياة ودفعها نحو الانتماء للعصر وخواصّه ومبتكراته.
اضف تعليق