يعد التحرش الجنسي شكل من اشكال العنف ضد افراد المجتمع، اذ انه يعبر عن اعتداء من خلال سلوكيات وتصرفات واضحة مباشرة او غير مباشرة تصدر عن شخص يستغل نفوذه وقوته لتلبية رغبته الجنسية من خلال شخص يرفض الاستجابة لها.
أنواع جريمة التحرش الجنسي
التحرش الجنسي اللفظي: ان هذا النوع من التحرش الجنسي يعتمد على الالفاظ والكلمات والتعليقات والنكات والمعاكسات ذات المغزى جنسي.
التحرش الجنس الجسدي (العاطفي): يعتمد هذا النوع من التحرش الجنسي على تعبيرات الوجه وحركة الحواجب والعيون ونظرات العين والاشارات باليد وبالأصابع ونغمة الصوت والاحتكاك والتلامس والرتب على الجسد والاحتكاك والقرص والتقبيل والدخول الى المسافة الحميمية والتودد للضحية وإعطاء الهدايا.
التحرش الجنسي الاجتماعي والاقتصادي: ويتجلى هذا التحرش الجنسي بحرمان الافراد سواء كانوا ذكوراً او اناثاً من العمل ومنع من متابعة التعليم وزيارة أقاربهم او اصدقاءهم او التدخل في علاقاتهم الشخصية وفي اختيار علاقاتهم الزوجية وكذلك حرمانهم من التعبير عن آرائهم داخل المحيط الاجتماعي والاسري.
اركان جريمة التحرش الجنسي في المسؤولية الجنائية (القانون الوضعي)
ان جريمة التحرش الجنسي تحتاج لغرض تحقيقها لتوافر ثلاث اركان أساسية:
1- الركن الشرعي او القانوني: ان تحقيق هذا الركن يتطلب وجود نص قانوني يبين الفعل الانحرافي الذي يقوم به الفرد او الامتناع عن الفعل المعاقب عليه ويحدد الجزاء المقرر له من عقوبة، كما ان هذا الركن يضفي الصفة القانونية للجريمة الا هي (لا جريمة ولا عقوبة الا بوجود نص تشريعي يحدد ارتكاب الفرد للجريمة الجنسية).
2-الركن المادي: ان تحقيق هذا الركن يتطلب قيام الجاني بارتكاب الأفعال التي يرى المشرع القانوني بانها جرائم تمس أمن واستقرار المجتمع ومن ضمنها جريمة التحرش الجنسي التي تنتهك أعراض ومشاعر الحياء، بمعنى اخر ان تكون هذه الأفعال ماسه بكرامة الشخص وتخدش حياة وتثير أعصابه، اذ ان هذه الجريمة لا تقوم بمجرد التعبير عن عاطفة حب او عن نية الزواج او عن بداية علاقة شريفة بل يجب ان تكون دعوة واضحة الى ممارسة الجريمة الجنسية ويكون ذلك بعبارات مخدشه لشعور المعنوية والروحية للشخص.
3-الركن المعنوي: يتحقق هذا الركن بقيام الجاني بفعل غير مقصود اتجاه المجني عليه بمعنى ان الجاني لو كان يؤدي القيام بارتكاب الجريمة كإرضاء لشهوتيه الجنسية فيصبح هناك عقوبة قانونية بحقه، ومثال على ذلك تطاول يد الجاني لملابس المجني عليه بغير قصد او نية في أي مكان سواء في وسائل النقل او في الشارع ومن ثم يدخل في شجار معه ومن ثم تتمزق وتنكشف اعراض جسمه الجنسية فتصبح هناك عقوبة قانونية بحقه.
التفسير الاجتماعي للمسؤولية الجنائية لجريمة التحرش الجنسي
نصت المادتين (396، 397) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة (1969) على هذا الموضوع، حيث تضمنت المادة (396) على انه ((1 – يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس من اعتدى بالقوة او التهديد او بالحيلة او باي وجه اخر من اوجه عدم الرضا على عرض شخص ذكرا او انثى او شرع في ذلك، 2– فاذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة او كان مرتكبها ممن اشير إليهم في الفقرة (2) من المادة 393 تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين))، كما نصت المادة (397) على انه ((يعاقب بالحبس من اعتدى بغير قوة او تهديد او حيلة على عرض شخص ذكراً او انثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره فاذا كان مرتكب الجريمة ممن اشير إليهم في الفقرة (2) من المادة(393) تكن العقوبة السجن مدة لا تزيده على سبع سنوات او بالحبس)).
ان قانون العقوبات العراقي لم يتضمن نصوص شديدة ورادعة لمن يمارس التحرش الجنسي، فضلا عن افتقارنا لإحصائيات قانونية ثابتة تحدد حجم الجريمة الجنسية. وترجع هذه الجريمة الى أسباب شخصية ونفسية واجتماعية ترتبط بتراجع التنشئة الاسرية في البيت العراقي في هذا العصر نتيجة لكثرة المشاكل الشخصية والنفسية والاجتماعية من طلاق وبطالة وفقر وفقدان الحنان والعطافة بالأسرة بين الزوجين وتدني المستوى الثقافي، وكذلك تهاون اغلب افراد المجتمع في اللبس الضيق والشفاف داخل الاسرة او خارجها او العمل، وكذلك الثقة الزائدة اتجاه الأقارب، إضافة الى فقدان هيبة وقوة المؤسسة القانونية في ضبط سلوك الافراد المتحرشين جنسيا.
بالإضافة الى الانفتاح الثقافي الذي يعتبر من اخطر الوسائل المساهمة في وقتنا الحالي في توسع هذه الظاهرة بمختلف وسائله الإعلامية المرئية والسمعية، وذلك لما يبثه من بعض المواد الإباحية وعرضه لجسد الافراد عارياً واستخدام جسد الافراد سواء كان (ذكراً او انثى) للترويج والسلع والأفلام والأغاني. بذلك فهو يبعث رسالة مؤداها أن جسم الافراد عبارة عن جسد جميل مليء بإغراءات ونداءات المتعة حيث أصبحت شخصية الافراد تعيش في حالة جوع جنسي شديد فنراهم يبحثون عن أي وسلية لإشباع هذا الجوع فانهم يتجهون للتحرش سواء بأفراد اقاربهم او جيرانهم او من تقع عينهم على أحد افراد حيهم وذلك لان للشهوة الجنسية سيطرة عليهم فأصبحت تسيرهم ولا يلقون بالا للعواقب التي قد تواجههم في الحياة، أضف الى ذلك تخوف اغلب الافراد المعرضين للتحرش من تلوث سمعتهم الشخصية سواء في العمل او خارج إطار الاسرة.
وعليه فقد تم تشريع قوانين رادعة في بعض الدول العربية والأجنبية، فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية يواجه المتحرش جنسياً عقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة وغرامة قدرها ربع مليون دولار، وفي المملكة العربية السعودية يعاقب المتحرش بالسجن خمس سنوات وغرامة نصف مليون ريـال، ويحدد الحكم والعقوبة القاضي حسب تفاصيل القضية المعروضة ومجرياتها حسب القانون، وفي فرنسا، صوتت الجمعية الوطنية على قانون جديد يتعلق بالتحرش الجنسي يتضمن فرض عقوبات أشــد على المدانين به، ويرفع النص الجديد عقوبات التحرش إلى سنتين و30 ألف يورو غرامة، مع إمكانية تشديد العقوبات في بعض الحالات، كأن يمارس التحرش الجنسي على شخص في وضعية حرجة، حيث ترفع العقوبة إلى ثلاث سنوات والغرامة إلى 45 ألف يورو، أما في العراق حيث نادرا ما تتقدم الفتاة بدعوى على شخص ما تدعي انه تحرش بها وذلك نظراً لطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه حيث يعيب على المرأة التقدم بمثل هذه الدعوى، ومع ذلك فان هناك قانوناً قديماً ما زال ساري المفعول حيث تشير المادة 402 من قانون العقوبات الى تغريم المتحرش 75 دينارا فقط لإطلاق سراحه، وهذا يعد قصوراً في القوانين المفروضة على المتحرشين جنسياً.
حلول وعلاج ظاهرة التحرش الجنسي
1- أن تحذر الأسرة العراقية من تكرار مداعبة الذكور والإناث لأعضائهم الجسدية وهم صغار السن والذي يكون غرضها إثارة الضحك والمرح لديهم فقد يكون لذلك عواقب نفسية واضحة عند الكبر وان تحرص على تكوين علاقة إيجابية بين ابنائهم تتسم بالمحبة والتشاور بعيداً عن حالات القسوة والتشرد.
2- العمل على مراقبة الافراد لما يشاهدون في الوسائل الإعلام وخاصة التي تساعد على الانحراف من أفلام ومسلسلات وصحف وكتب واشرطه مضغوطة وغيرها.
3- ضرورة تشديد القوانين التي تحاسب المتحرشين جنسيا في قانون العقوبات العراقي.
4- العمل على رفع المستوى الثقافي والاقتصادي للعراقيين عن طريق المؤسسات الإعلامية والثقافية ومحاربة ظاهرة الفقر والبطالة.
اضف تعليق