الكتاب: التطور في كل الأشياء، كيف تنشأ الأفكار
الكاتب: Matt Ridley
اصدار: دار Harper في سبتمبر 2015
عدد الصفحات: 400 صفحة
عرض: حاتم حميد محسن
في كتاب (التطور في كل الاشياء: كيف تنشأ الافكار) ينسب الكاتب Matt Ridley للحرية ما نسبهُ كارل ماركس للاشتراكية من قوة العلم. هو يرى ان التطور يسود ليس فقط في البايولوجي وانما ايضا في التكنلوجيا والثقافة، وانه يجلب التقدم. مقابل ذلك، يرى الكاتب ان المؤسسات الانسانية التي تستند على السلطة العمودية (أعلى-اسفل) تسبب المزيد من الضرر. يذكر الكاتب:
"التغيير في المؤسسات الانسانية، ومنتجات الانسان الثقافية، والعادات هو هامشي وحتمي ولا يمكن الاستغناء عنه. انه يتبع سلسلة من الاحداث تسير من مرحلة الى اخرى، يزحف بدلا من ان يقفز، له زخمه التلقائي بدلا من ان يندفع من الخارج، لا يمتلك هدفا او غاية في الذهن، ويحدث دائما عبر التجربة والخطأ – اسلوب الاختيار الطبيعي".
محتويات الكتاب
الكتاب جاء على الشكل التالي:
- تمهيد: النظرية العامة للتطور
- تطور الكون
- تطور الاخلاق
- تطور الحياة
- تطور الجينات
- تطور الثقافة
- تطور الاقتصاد
- تطور التكنلوجيا
- تطور الذهن
- تطور الشخصية
- تطور التعليم
- تطور السكان
- تطور القيادة
- تطور الحكومة
- تطور الدين
- تطور النقود
- تطور الانترنيت
- خاتمة: تطور المستقبل
خلاف الكاتب هو مع اولئك الذين يؤكدون على الانسان الفرد وليس على كامل عملية التطور. لذلك فان الطريقة التي يتم بها تلقين التاريخ ستكون مضللة، لأنها تضع كل التركيز على التصميم والاتجاه والتخطيط، بينما تضع القليل من الاهتمام بالتطور. وهكذا، يبدو ان الجنرالات يربحون الحروب، السياسيون يديرون البلدان، العلماء يكتشفون الحقائق، الفنانون يخلقون الاساليب، المخترعون يصنعون الاكتشافات، المعلمون يشكلون الاذهان، الفلاسفة يغيرون العقول، القساوسة يعلمون الاخلاق، رجال الاعمال يقودون الشركات، المتآمرون يسببون الكوارث، الآلهة تصنع الاخلاق...
مرة بعد مرة نحن نخطئ فهم مسببات الاحداث، نلوم القارب المبحر بسبب الرياح، نلقي المسؤولية على المارة في التسبب بالحدث. الطفل يتعلم، لذا فان المعلم هو الذي يجب ان يعلمه (ليس الكتب او الزملاء)، النوع الحيواني يتم انقاذه، لذا فان المحافظ على البيئة يجب ان يكون هو من أنقذه (ليس اختراع الاسمدة المخصبة التي تقلل من كمية ما مطلوب من ارض لإطعام السكان)، الاختراع يتم، لذا فان المخترع يجب ان يكون هو منْ اخترعه (ليس نضوج الخطوة التكنلوجية الحتمية القادمة).
هذا الكتاب ذاته مثال على عملية التقدم الانساني كما يراه المؤلف. هو لم يخترع افكارا جديدة كليا، وانما هو يعيد جمع وتركيب وتحليل افكارا من كتّاب في عدة حقول. المؤلف يقتبس من جوزيف هنرش واخرين عن تطور الثقافة. هنرش يرى ان الناس كأفراد منعزلين لديهم القليل جدا من الذكاء. بدلا من ذلك، نحن متميزون بين الانواع الحية في مقدرتنا على تراكم المعرفة ونقلها الى الاخرين. وبسبب اننا ننقل المعرفة فان نتائج التجربة والخطأ ستنتقل الى الاجيال اللاحقة. هذا يمكّننا من التقدم في الاقتصاد والتكنلوجيا والاخلاق.
في حقل التكنلوجيا، يقتبس المؤلف من كيفن كيلي وستيفن برلين جونسن. هما يشيران الى ان الافكار"الخلاقة" مثل المصباح الكهربائي والقارب البخاري او نظرية التطور، عادة تحدث للعديد من الافراد في نفس الوقت. هذا لأن المعرفة تتراكم تدريجيا. العلماء والمخترعون يعملون وفق مفهوم "المجاور الممكن" a djacent possible(1)، اي، المركب الجديد من الافكار التي تصبح متوفرة بعد ان يتم تطوير السابق لها من افكار ضرورية.
وفي الاقتصاد، يكتب المؤلف:
"الازدهار نتج ليس بسبب سياسة الانسان وانما بالرغم منها. انه تطور من خارج تفاعل الناس عبر شكل من التقدم الانتقائي المشابه جدا للتطور. وفوق كل ذلك، انه كان ظاهرة لامركزية، انجزتها قرارات الملايين من الافراد، بالرغم من افعال الحكام. في الحقيقة، من الممكن الجدال، كما يرى Daron Acemaglu and James Robinson ان دول مثل بريطانيا وامريكا نمت اقتصاديا بسبب ان مواطنيها اطاحوا بالنخب المحتكرة للسلطة".
يرى المؤلف ان الشخصيات التاريخية المؤثرة يحتمل جدا ان تكون شريرة وليسوا ابطالا. لا احد يستطيع ان يكون اكثر تأثيرا من التطور في انجاز التقدم. مع ذلك، هتلر وستالين وماو يمكنهم قتل وتحطيم العديد من الناس. ما نصل اليه من استنتاج هو ان الاخبار السيئة هي من صنع الانسان، وهي عمودية، ومادة هادفة مفروضة على التاريخ. اما الاخبار الجيدة فهي طارئة وغير مخططة وتتطور تدريجيا.
رغم القراءة الممتعة للكتاب لكن تبقى هناك عدة اسئلة.
اولا، المؤلف يسخر من الدين. هو يذكر "ان الدين ليس فقط ظاهرة من الاعلى للاسفل في ثيولوجيته، وانما في تنظيمه الانساني ايضا. الاديان دائما وفي كل مكان تنطلق وتصر في جدالها من موقع سلطوي".
لكن السؤال هو الم يكن الدين في فترات معينة من التاريخ قوة نحو التقدم؟ الكاتب ذاته يبدو يقترح بان المسيحية لعبت دورا بناءا في التحول نحو الزواج الاحادي والذي ساعد بدوره في خفض العنف. ايضا، هناك سؤال حول ما اذا كان الناس يحتاجون لبعض الانظمة العقائدية التي تؤدي وظيفة الدين. العديد من التحرريين يخشون بان تكون الماركسية والبيئية هما بديل ديني سلطوي.
ثانيا، الكاتب يهزأ بالتطور البطيء للأنظمة السياسية. غير انه ربما هناك بعض الفوائد في ذلك. اذا كانت الانظمة السياسية تتطور بسرعة، فمن يمنع من ان لا تصبح اكثر سلطوية؟
اخيرا، الكاتب لا يوضح كيف بقيت فكرة التطور ذاتها نائمة لفترة طويلة، وكيف تستمر لتبدو مضادة للبداهة لدى العديد من الناس. هو يقتبس من الفيلسوف اليوناني ايبيقور حين يصف عالما نشأ بلا آلهة او ملوك. الكاتب يعود باستمرار للقصيدة الفلسفية القديمة "طبيعة الاشياء" للشاعر الروماني Titus Lucretia Carus والتي توقعت المزيد من الافكار الحديثة، لكنها هوجمت بشدة وحتى مُنعت لعدة قرون.
اذا كانت الافكار تنشأ من "المجاور الممكن"، فكيف استطاع البعض من الافراد قبل آلاف السنين ان يتوقعوا افكارا لم تدخل الى ثقافتنا الا في القرن الثامن عشر حينما نشر آدم سمث اهم اعماله؟ ولماذا تستمر فكرة التطور تواجه المزيد من المقاومة اليوم؟ كما يشير المؤلف هناك العديد من المحافظين الدينيين وآخرين يصرون بان البايولوجي يأتي من التصميم وليس من التطور. وهناك العديد من اليسار يصرون بان الرفاهية الاقتصادية تأتي من التخطيط الحكومي وليس من الاسواق. هل سيبقى المناصرون للتطور اللامركزي محكوم عليهم دائما بالاقلية؟ ام انه بالإمكان رؤية التقدم التطوري لدى ذلك الفريق ايضا؟
اضف تعليق