الكتاب يختلفون في اختيار عناوينهم، بعضهم يطلب الإبهام في العنوان وآخرون الإيضاح، ومنهم من يستل العنوان من نص الكتاب ومنهم من يضعه بمعية الأصدقاء أو المحررين في دور النشر التي تشارك الكاتب في وضع العناوين التي تجذب القارىء. هناك كُتاب تصبح عناوين كتبهم أشهر من الكتب بسبب اللمسة الأخيرة...
بقلم: فيديل سبيتي
كل مؤلف أياً يكن يقف مطولاً قبل أن يختار عنوان كتابه، ولو كان قد ألّف كتابه كله على أساس عنوان معين، إلا أن هذا العنوان لا بد أن يتبدل ويتغير أثناء رحلة الكتابة، ومن ثم في النهاية عند وصوله إلى المطبعة، وما بينهما إلحاح دار النشر على اختيار عنوان نهائي في حال لم تكن الدار تتدخل في اختيار العنوان الذي يضعه الكاتب، كما تفعل معظم دور النشر العربية، ما عدا قلة قليلة تتدخل مع الكاتب في وضع العنوان المناسب لكتابه.
عناوين أشهر من الكتب ومؤلفيها
لا يعترض أي من المؤلفين أو الكتاب سواء في مذكراتهم أو مقابلاتهم على فكرة أن وضع العنوان هو من أصعب الخطوات لختم الكتاب وإرساله إلى المطبعة، فالعنوان مرآة ما في داخل الكتاب ومنه ينطلق القارىء ليغور فيه، وبسببه قد يقرر هذا القارىء أن يشتري الكتاب أو لا يشتريه، فالعنوان بالنسبة إلى الكاتب بمثابة فخ عليه أن يداوره بكل الطرق كي يتمكن من جعله مفتاحاً محبباً للقراء من جهة، ومختصراً ومفيداً لمضمون الكتاب من جهة ثانية، ثم تأتي لغة الكاتب وشخصيته ونفسيته لتضع اللمسة الأخيرة على العنوان.
هناك كُتاب تصبح عناوين كتبهم أشهر من الكتب نفسها بسبب هذه اللمسة الأخيرة. عنوان "لن" المجموعة الشعرية الأولى لأنسي الحاج وفيها البيان الأول عن قصيدة النثر العربية قد يكون مثالاً، وهناك كتاب "آيات شيطانية" الذي شغل العالم بسبب عنوانه أولاً وقبل قراءته وإصدار الفتوى بهدر دمه من قبل الولي الفقيه الإيراني وبعض الجماعات السنيّة المتشددة، فقد سحب العنوان في هذه الحالة الشهرة من الكتاب ومن كاتبه نفسه، أما في الأدب السياسي فالمثال الأفضل هو عنوان كتاب "السلم الأهلي البارد" للمفكر اللبناني وضاح شرارة، إذ تحول هذا العنوان إلى عبارة يستخدمها المحللون والكتاب والسياسيون لوصف حال لبنان في الفترة اللاحقة على البدء بتنفيذ اتفاق الطائف، أي فترة اللاحرب واللاسلم، أو فترة السلم بالتراضي.
كيف تختار عنوان كتابك؟
الكتاب يختلفون في اختيار عناوينهم، بعضهم يطلب الإبهام في العنوان وآخرون الإيضاح، ومنهم من يستل العنوان من نص الكتاب ومنهم من يضعه بمعية الأصدقاء أو المحررين في دور النشر التي تشارك الكاتب في وضع العناوين التي تجذب القارىء.
الشاعر السعودي المتفرد في عناوينه وفي نصوص قصائده ومواضيعها أيضا ماجد الثبيتي صاحب "الفهرست وقصص أخرى"، "القبر لم يعد آمناً" و"الإشارة عمداً نحو الاتجاه الخطأ"، يقول إن مرحلة اختيار العنوان هي أصعب مرحلة لأن نصوصه متنوعة وغير مترابطة بخط واحد. ويقول إن "العنوان هو ابتكار لنص جديد ومستقل. أحب هذه اللحظة وأحرص على العناوين الطويلة والقادرة على التعبير عن لحظتي النفسية أثناء كتابة كل قصيدة على حدة. مجموع اللحظات التي يتوجها العنوان بلحظة واحدة".
أما الشاعر والإعلامي المصري سامح محجوب فيقول إنه يتعامل مع العنوان باحتفاء كبير ويعتبره أحد أهم نصوص الكتاب، "ولذلك أفرغ من محتوى الديوان وأراجعه عشرات المرات، وقد أنتظر عاماً كاملاً حتى أعثر على العنوان، ولم يحدث أبداً أن تشككت في عنوان نتج من حدسي". ومن عناوين سامح نختار عشوائياً "الحفر بيد واحدة" و "امرأة مفخخة بالياسمين ينتظرها عاشق أعزل، يفسر للريح أسفارها".
في مراجعة ما يقوله المؤلفون على شبكة الإنترنت حول اختيارهم لعناوين كتبهم، فإن أغلبهم يعتبرون أن الجهد في وضع العنوان يساوي الجهد المبذول في كامل نص الكتاب، ولو اختار الكاتب عنوانه بسرعة ومن دون تفكير يذكر، ولكن هذا نفسه يعتبر جهداً بحسب مؤلفين كثر، لأن الكاتب بهذه الطريقة يتهرب من كثرة التفكير والتدقيق، ليأخذ العنوان الأول الذي يخطر في باله، وهذا ما فعله كتاب "الفوضوية"، أما السورياليون وعلى عكس المعتقد عنهم، فقد اعتنوا اعتناء كبيراً بعناوين كتبهم ومؤلفاتهم وبشكلها الخارجي أيضاً وألوانها وأغلفتها.
أحد "الكيتشات" الثقافية العربية حول التجربة السوريالية المختصرة ببيانها، حين يصف الشاعر العراقي عدنان محسن في كتابه "المغامرة السريالية" أسماء لوحات السورياليين وعناوين كتبهم وقصائدهم بأنها "مستدعاة بوسائل الخيال والحلم والتلقائية والكتابة الآلية وهذيانات ما قبل النوم أو تحت سطوة المخدر والتنويم المغناطيسي، وغيرها من الوصفات التي لخصها بيان السريالية الأول الذي كتبه العام 1924 أندريه بريتون متأثراً بمخلفات الدادائية". بالطبع هكذا يفهم الناقد العراقي البيان، أو هذا ما يفهمه منه.
ينتقد سامح محجوب "المقولات الكلاسيكية المتكلسة للنقاد والصحافيين بأن العنوان عتبة أولى للنص، وأن العناوين مفاتيح قراءة النصوص"، وبرأيه أن "العنوان يمكن أن يتحول إلى إعلان دعائي لمنتج قد يخدعك محتواه، أو بالعكس قد يسد العنوان الطريق على محتوى أكبر منه، لذلك يجب أن يكون العنوان قصيدة بعينه".
سيكولوجية عناوين الكتب
يرى الكاتب والباحث في علوم التحليل النفسي كيفن توملينسون في بحث له بعنوان "سيكولوجية العناوين: عقلية المؤلف وعناوين كتبه" أن اختيار العنوان المثالي لعمل ما هو أكثر من مجرد العثور على كلمات جيدة إنما كلمات تثير ما في نفس الناظر إلى غلاف الكتاب ومركزه، أي العنوان، فالأسماء أدوات نفسية وهي وسيلة مرجعية أيضاً لما قد يحتويه الكتاب، فأنت حين تسمع اسم كتاب معين تتذكر مباشرة ما قرأته منه، لأن العناوين وجدت لتختصر بحسب توملينسون، وعليه فإن العنوان هو أول لقاء نفسي بين الكاتب وقارئه.
الناقد والروائي السعودي خالد ربيع يتحدث عن اختياره لعناوينه، ومثله اختيار عنوان "الفانوس السحري" لأحد كتبه، والذي يتعلق بلعبة بسيطة على شكل بروجكتور صغير صنعه له والده في طفولته، وسمياها "الفانوس السحري"، فترابطت الذكرى والاسم. أما عنوان روايته "بقيلي" فقد اختاره من اللهجة المحلية في منطقة الطائف وهو اسم الحارة التي ترعرع فيها، واسم الحارة جاء من عادة لدى سكان الحي حين يطلبون ممن يأكل شيئاً أن يترك لهم حصة بالقول "بقيلي"، وهي تستخدم باللهجة الشامية أيضا، فأطلق اللقب تهكماً على الحارة بأكملها، وفي هذين العنوانين لروايتي ربيع كانت الطفولة وذكرياتها مفتاح العنوان.
الشاعر والقاص السوري المقيم في ألمانيا علي جازو يقول إنه يختار عناوينه بطريقة تقليدية بعض الشيء، فهي إما من متن الديوان نفسه أو يأتي العنوان على شكل ومضة تختصر كل نصوص الكتاب، خصوصاً إذا ما كانت عبارة عن قصص أو قصائد تتناول الموضوع نفسه، فيكون العنوان حينها محور الديوان وحامله الأساس كما في ديوان "ابتهالات"، أما في مجموعته "الغروب الكبير" فيقول إن عنوانها هذا كان مجرد تخييل بصري، وكان الغروب هو الصورة التي شكلت فضاء القصائد كلها، وكان عنواناً جامعاً ووداعياً لقصائد خلت من العناوين وحلت محلها الأرقام الرومانية.
يقول جازو إنه أحياناً يتوارد إلى خاطره عنوان لكتاب يرغب ويفكر في تأليفه، ولم يكتب منه شيئاً حتى اللحظة سوى عنوانه وهو "لحم الحلم المحمول".
الكاتب الجيد يختار عنواناً جيداً
يأخذنا الباحث توملينسن معه في تفحص عنوان رواية "دافنتشي كود" فيقول إن جريمة قتل وقعت في متحف اللوفر أدت بمساعدة أدلة غامضة تم العثور عليها في بعض أشهر لوحات ليوناردو دافنشي إلى اكتشاف لغز ديني يمكن أن يهز أسس المسيحية، وهنا ظهر كتاب دان براون الذي على الرغم من غموضه ومركزية موضوعه وحساسيته، فإن العنوان كان له أكبر الأثر في انتشار الكتاب، فكلنا سنكون فضوليين لنكتشف ماهية هذا الكود أو الشيفرة.
إضافة الى ذلك فإن دافنتشي نفسه شخصية مشهورة وعالم معروف في كل أنحاء العالم بابتكاراته واختراعاته وعبقريته الإعجازية، وهنا حين تجتمع كلمة "كود" مع "دافنتشي" فإن الكاتب يكون قد أصاب قلب الهدف، فالأقل فضولاً بيننا سينتابه الفضول لقراءة كتاب يحمل هذا العنوان، وقد تحول إلى فيلم عرض في صالات العالم حمل العنوان نفسه.
هناك عناوين تشعرك مباشرة بما ترمي إليه مثل "صمت الحملان"، فمن دون معرفة أي شيء عن القصة يشعر القارئ بقشعريرة طفيفة، وعند التفكير في الحملان أو النعاج نفكر في ثغائها الريفي الذي يحيلنا إلى الطبيعة الخضراء مباشرة، ولذلك فعندما نفكر في صمتها فإننا نشعر مباشرة بأن خطباً ما سيقع.
وهناك أمثلة أخرى مثل عنوان رواية ميلان كونديرا "خفة الكائن التي لا تحتمل"، فالعنوان الاستفزازي لا بد من أن يستفز كثيرين لاكتشاف هذا الكائن الذي لا تحتمل خفته، وكذلك عنوان رواية بول أوستر "بلاد الأشياء الأخيرة" أو كتاب فيلهلم رايش "خطاب إلى الرجل الصغير" وروايتي ماركيز "حب في زمن الكوليرا" و"مئة عام من العزلة" وغيرها.
هذه العناوين اشتهرت أكثر من الكتب نفسها، خصوصاً تلك التي تحولت إلى افلام سينمائية بالعناوين نفسها، ولكن هناك عناوين لم تكن تستفز القراء ولكنها رصعت نصوصاً تصنف من روائع الأدب العالمي كرواية "الحرب والسلم" لتولستوي و"الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي و"المحاكمة" لكافكا و"دون كيخوتة" و"هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه، و"الكتاب الأحمر" لماوتسي تونغ، على سبيل المثال لا الحصر، وهذه العناوين على الرغم من تقريريتها ومباشرتها لا يوجد قارىء في العالم لا يعرفها، ولم يقرأها.
عادل نصار الشاعر اللبناني نشر مجموعة من الكتب من دون عناوين، بل ترك الغلاف الخارجي فارغاً ليملأه بجملة الإهداء التي يريدها، ليكون لكل نسخة عنوان خاص بحاملها، ويقول إنه يشاكس نفسه والقارئ في لعبة العناوين، لذا يقوم أحياناً باختيار العنوان من فكرة لم يتناولها في الكتاب، وأحياناً من كلمة وردت في أحد النصوص "فأبترها من سياقها وأترك معناها في حال فوضى وقابلاً لتأويلات شتى"، ومنها عناوين مجموعاته التي تدل مباشرة على ما يقصده نصار، وهي "اعترافات فصامي" و"سوء فهم" و"مشروع شهيد افتراضي" و"باربكيو سمك".
العناوين ودور النشر ومحركات البحث
جميعنا سمع مقولة "لا تحكم على الكتاب من عنوانه"، وهذه المقولة قد تكون جيدة كي نمنع الأحكام المتسرعة على الكتب، ولكن هذا لا يمنع الكاتب من إيجاد عنوان يناسب عقليته ونظرته الى مؤلفه الذي بين يديه وما يمكنه من إغراء القارىء، واختصار ما يتضمن الكتاب قدر الإمكان بعنوان له أقل عدد من الكلمات، واجتماع هذه الشروط يجعل من اختيار العنوان أمراً صعباً للكتاب، فيستعين بعضهم بمحرري دور النشر الذين يضعون عنواناً للكتاب، كمن يسمي مولود جاره وهذا أسهل بكثير.
مديرة التحرير في "دار نوفل للنشر" في بيروت الكاتبة رنا حايك تقول عن مدى تدخل دور النشر في وضع عناوين الكتب التي ستنشرها بأن "الأمر يخضع عادة للاتفاق بين الكاتب ودار النشر منذ البداية، ولكن في العموم لا تتدخل دور النشر التي تطبع بمقابل مالي يدفعه الكاتب نفسه، أما دور النشر التي تطبع الكتاب على حسابها وتعمل على نشره وتوزيعه في العالم العربي وترجمته فإنها تتدخل في العناوين وفي الغلاف أيضاً، وقد تتدخل في تحرير نص الكتاب نفسه".
وتقول رنا إنها خلال تجربتها في تحرير الكتب عمدت إلى تغيير مئات العناوين لأسباب كثيرة، أولاً لعدم تناسق العنوان مع مضمون الكتاب، وثانيها طول العنوان الذي قد لا يتناسب مع التصميم، وثالثها أن العنوان يجب أن يكون جاذباً للقراء، فدار النشر لا تطبع خدمة للمؤلفين وحسب، بل وابتغاء للمردود المالي الذي قد يحققه بيع الكتاب. وبرأي الحايك أن كتباً كثيرة ظلمت بسبب عناوينها، وأن أخرى اشتهرت وقرئت على نطاق واسع بسبب عناوينها أيضاً.
التقويم الكلاسيكي للعناوين المفضلة هو القصيرة، لأن من السهل تذكرها ولأنها قد تشكل أحجية للقارئ، ولكن في عصر محركات البحث على شبكة الإنترنت مثل "غوغل" و"ياهو" و"ويكيبيديا" وغيرها، ينصح المؤلفون والعاملون في تجارة الكتب بوضع عناوين من ثلاث كلمات على الأقل، لأن العنوان من كلمة واحدة سيؤخر الباحث في إيجاد مطلبه بسبب ظهور كثير من الخيارات أمامه، بينما الكلمات الثلاث يمكنها خفض نسبة المقترحات على محرك البحث بنسبة كبيرة جداً، فيكون اسم الكتاب من أول النتائج الظاهرة.
اضف تعليق