يستهل الكاتب والباحث المغربي د. التجاني بولعوالي العام الجديد بإصدار كتاب جديد باللغة الهولندية، تحت عنوان: الربيع العربي بين الأعلمة والأسلمة، عن دار ماين باستسيلر بمدينة روتردام في هولندا. ويشكل الربيع العربي الموضوعة الجوهرية لهذا المؤلف الذي تتوزعه خمسة فصول، وهي على التوالي: الربيع بكونه...
يستهل الكاتب والباحث المغربي د. التجاني بولعوالي العام الجديد بإصدار كتاب جديد باللغة الهولندية، تحت عنوان: الربيع العربي بين الأعلمة والأسلمة، عن دار ماين باستسيلر بمدينة روتردام في هولندا. ويشكل الربيع العربي الموضوعة الجوهرية لهذا المؤلف الذي تتوزعه خمسة فصول، وهي على التوالي: الربيع بكونه رد فعل على الانحطاط العربي، الربيع العربي صناعة إعلامية، الحضور الرقمي للربيع العربي، أعلمة الربيع العربي وأسلمة الربيع العربي.
ويقارب الكاتب صورة الربيع العربي في الخطاب الإعلامي الغربي عامة والهولندي خاصة، وذلك منذ انطلاق الشرارة الأولى في ديسمبر 2010 في تونس، حيث يركز على عاملين أساسيين. أحدهما الإعلام الجديد بكونه أدى دورا مفصليا في تشكل ثورة الشارع العربي وصيرورتها وانتشارها عبر مختلف بلدان شمال إفريقيا والشرق العربي، وهذا ما يعرف في الأدبيات الإعلامية المعاصرة بـ "الأعلمة". ولم يقتصر تأثير الربيع العربي على ما هو محلي، بقدر ما امتدت نتائجه إلى خارج الجغرافيا العربية.
والعامل الآخر هو حركات الإسلام السياسي التي كانت حاضرة بشكل أو بآخر أثناء احتجاجات الشارع العربي، لكن ليس بكونها الفاعل الأهم بل المهم، لاسيما فيما يتعلق بتداعيات الثورة ومخرجاتها الانتخابية والسياسية لاحقا.
ويعالج هذا العمل جملة من الأسئلة المحورية قصد الوقوف على الكيفية التي تمت بها استعراض وتفسير التحولات السياسية والإيديولوجية التي تشهدها المنطقة العربية منذ أزيد من عقد من الزمن. كيف تحدد وتقارب البيانات والنصوص الإعلامية الهولندية مفهوم الربيع العربي؟ إلى أي حد يمكن اعتبار أن الربيع العربي نشأ كرد فعل على الانحطاط العربي؟ كيف تمت تغطية الثورات العربية منذ انطلاقها في ديسمبر 2010 في الخطاب الإعلامي الهولندي؟ ما هي أهم محددات التفسيرات الإعلامية الهولندية-الفلامانكية فيما يتعلق بمسألة الربيع العربي؟ إلى أي مدى يمكن الحديث عن أسلمة الربيع العربي أخذا بأن الإسلام السياسي لم يشكل العامل الأوحد خلال احتجاجات الشارع العربية من جهة، وأنه حصد نجاحا انتخابيا هائلا في أغلب بلدان الربيع من جهة أخرى؟
إن ثورات الربيع العربي تمكنت من أن تميط اللثام عما ظل مستورا طوال عقود طويلة، سواء في العالم العربي أو في الغرب. ولا يمكن فك شفرات أحداث العنف والإرهاب التي شهدتها في المرحلة الأخيرة باريس وبروكسل وإسطانبول وغيرها من المدن عبر العالم إلا بكونها تداعيات واقعية للتحولات الجذرية التي تشهدها المنطقة العربية.
وبعد بحث عميق انصب على شتى القصاصات والبيانات والمقالات والتقارير الإعلامية وأهم الكتب الهولندية التي تناولت الربيع العربي، خلص الباحث إلى أن احتجاجات الشارع العربي قوبلت في البداية بإعجاب أوروبي لافت، غير أنه سرعان ما سوف ينقلب الإعجاب إلى خوف وتوجس من الإسلام والمسلمين، وذلك جراء ظهور تنظيم داعش. ما يكشف عن أن صورة الآخر المسلم في الإعلام الغربي سرعان ما سوف تنزل من مرتبة الإيجابية إلى مرتبة السلبية، سواء على مستوى الجماهير أو صناع الإعلام والقرار.
والآن بعد مضي حوالي عشر سنوات من كتابة النص الأصل من هذا الكتاب في عامي 2011 و2012، يظهر أن التوقع الذي كان قد طرحه الكاتب آنذاك أصبح شبه حقيقي، ومؤداه أن أولئك الذين يشككون في الربيع العربي لا يدركون أن هذه الثورة بمثابة عملية معقدة وممتدة لا تقاس بالسنوات والعقود، بل بالأجيال والقرون. تماما كما حصل في مختلف الثورات الإنسانية عبر التاريخ.
وهذا يعني أن الربيع العربي يمكن تشبيهه بالنار التي تحترق إلى آخرها، ولا يبقى شيء منها كما يبدو للعيان، غير أن الأمر ليس كذلك، فتحت الرماد جذوات حية تشتعل من جديد كلما تهيأت لها الظروف والشروط والوعي اللازم، وهذا ما حدث بالضبط قبل بضع سنين عندما تحركت الشعوب العربية من جديد في السودان والجزائر ولبنان والعراق وغيرها، فأودت بمختلف الأنظمة والحكومات الاستبدادية، ومن المحتمل جدا أن يتكرر هذا السيناريو في المستقبل، كلما ضاقت الشعوب ذرعا، واكتشفت زيف المنتخبين الجدد.
وتجدر الإشارة إلى أن التجاني بولعوالي باحث ومفكر مغربي مقيم في بلجيكا، حيث يعمل في كلية اللاهوت والدراسات الدينية بجامعة لوفان، ويهتم بقضايا الإسلام في الغرب والفكر الإسلامي والترجمة الدينية وغيرها، وقد صدرت له مجموعة من المؤلفات، منها: المسلمون وفوبيا العولمة، فاس 2018، صورة الإسلام في المقاربة الأكاديمية الهولندية، دبي 2013، الإسلام والأمازيغية، الدار البيضاء 2009، المسلمون في الغرب، القاهرة 2006.
اضف تعليق