إن الشخص الذي يعتاد المشي على الأرصفة بسبب الحذر الذي يرافقه كظلّه، ربما لا يدرك معنى الرياح المواتية أو المخالفة، بل أنه لا يفكر في تأثيرها أصلا، لأنه يتجنبها ويحذر منها بصورة دائمة بسبب شخصيته الخائفة المترددة، لكن الإنسان الذي يمخر عباب البحر ويخوض في أعماق اليمّ، وتتعطل وسائل التحكم في قاربه وسط البحر، يدرك جيدا معنى الرياح المواتية أو المخالفة، ويعرف بأنها ربما تكون سببا في موته أو حياته فلا يبحث عن ملجأ الأمان ولا يبتعد عن الهدف الذي يخطط له ويقصده.
إذاً هناك نوعان من الشخصيات، واحدة مقدامة والثانية متلكئة أو مترددة، لذلك فإن تأثير الرياح لا يمنع الشخصية الأولى من السعي نحو مقصدها، لكن الذي ليس لديه مكانا معينا يود الوصول إليه، لا يعنيه أي شيء، فلا فرق بأن يمضي يميناً أو شمالا أو يتوقف في مكانه، لأن جميع الجهات بالنسبة له واحدة، فهي تصل به إلى الـ (لا مكان).
فإن كنت متحدياً لا متردداً، وأردت الوصول الى هدف ما، فإن الريح المواتية سوف تقرّبك من مقصدك، أما الريح المخالفة فإنها سوف تبعدك عنه.
هنا سوف ندرك بأن أهمية الرياح تتبيَّن عند معرفة الهدف، ولكن القارب الذي ليس لديه هدفا معينا لا يجد فرقا بين اتجاه الرياح ولا يهمه إن كانت تمضي يميناً أو يسارا.
السؤال.. ماذا لو كنّا كهذه القوارب في وسط محيط الحياة !ماذا لو عرفنا بأن 3% من الناس فقط يعرفون إلى أين يريدون الوصول !وماذا لو عرفنا أن 97% من الناس ليس لديهم هدفا معينا، بل هم يتحركون مع كل ريح، وقصتهم في الحياة عبارة عن كائن وُلد وعاش عدة سنوات ثم مات.
قال أحدهم في معركة البحث عن لقمة العيش في الحياة، أحيانا ننسى لماذا نعيش؟!
فإذا كان 97% من الناس ليس لديهم هدفا محددا ومنظما، لا يعني هذا أنه لا يوجد لديهم أهداف شخصية، بل ليس لديهم برنامجا منظما للوصول الى أهداف تمكنهم من النجاح في الحياة، لذلك يقول روبرت شولر: (ليست الأهداف ضرورية لتحفيزنا فحسب، بل هي أساسية فعلًا لبقائنا على قيد الحياة).
ومن لديه أهداف في الحياة حتى وإن مات ربما يبقى اسمه خالدا بين الناس، لذلك يقول الشاعر:
(قد مات قوم وما ماتت مكارمهم ...... وعاش قوم وهم في الناس أموات).
ولدينا أيضا فيكتور إميل فرانكل (26 مارس 1905 - 2 سبتمبر 1997) وهو طبيب أعصاب وطبيب نفسي نمساوي، كذلك هو أحد مؤسسي العلاج بالمعنى (Logotherapy) وهو شكل من أشكال العلاج النفسي الوجودي. يصف في كتابه الشهير (الإنسان يبحث عن المعنى) تجربته كسجين في معسكرات الاعتقال النازية، والتي قادته إلى اكتشاف المعنى في كل أشكال الوجود، حتى في الأشكال الأشد قسوة، وبالتالي إلى اكتشاف دافع للاستمرار بالحياة. أصبح فرانكل شخصية أساسية في مجال العلاج النفسي الوجودي، ومصدر إلهام كبير لعلماء النفس الإنسانيين.
عندما كان معتقلا في معسكرات الاعتقال النازية كان يرى السجناء يموتون واحدا تلو الآخر، ففكر بأن السبب هو الضعف الجسمي، أما مَنْ يبقى على قيد الحياة فهو أقوى من الذي يموت، ولكن بعد ذلك أدرك خطأه عندما رأى مجموعة من الأقوياء قد ماتوا وبقيت مجموعة من الضعفاء على قيد الحياة!.
بعد ذلك قال ربما السبب يعود الى ذكاء هؤلاء السجناء فمن هو أذكى يجد طريقة ما ليبقى على قيد الحياة، ومَنْ نسبة ذكائه أقل يموت، ولكن هذه المرة أيضا أدرك بأنه مخطئ لأنه عرف بأنه يوجد بين الموتى مجموعة من المتعلمين الأذكياء وهم الأطباء والمعلمين وأمثالهم.
وبالعكس تماما هناك من ليس لديه أية درجة علمية بقيَ على قيد الحياة، هنا فكر بأن الأمر ربما يعود الى شيء ما يبقيهم أحياء، أو يعطيهم الأمل بالبقاء، فاقترب من السجناء وسألهم، وبالفعل أدرك بأن كل شخص بقي على قيد الحياة يوجد لديه هدف معين أو شيء ما يعطيه الأمل من أجل البقاء.
بعد ثلاث سنوات في معسكرات الاعتقال النازية، تحررً فرانكل وعاد إلى فيينا، حيث طوّر نظريته في الشقاء النفسي وحاضر عنها، فلاحظ أن الناس مدفوعون بشكل رئيسي بالسعي لإيجاد معنى لحياتهم، وأن هذا الحس بالمعنى هو الذي يُمكّن الناس من التغلب على التجارب المؤلمة.
إذاً لكي لا تكون في مركب الفاشلين، لا تعجز عن تحقيق أهدافك، لأننا عند وجود الأهداف نجد معنى للعمل، كما أننا لا ندرك قيمة الحياة إلا عندما تكون لدينا أهداف سامية نتطّلع إليها، فالأهداف هي الاستمرارية لأننا من أجلها سوف نناضل ونسعى ونحيا، وهي يدفعنا الى عدم تجنّب الرياح، وعلى عدم السير على الأرصفة فقط، بل يجب أن نقتحم المصاعب دائما ونحن في طريقنا الى تحقيق أهدافنا.
ومن الأجدر بنا أن نعرف ما معنى الهدف: إنه كُلّ مُرْتَفع من بنَاء أو جَبَل، ومنه سُمّي الغَرَض الَّذي يُرمى إليه «هَدَفًا». غَرَض يُرمَى إليه، فهو مَرْمى. لذا فالهدف هو النتيجة التي يرغبها الشخص أو تصور وتخطيط وتركيب النظام لتحقيق رغبة شخصيه أو تنظيمية وهي نقطة نهاية التنمية المفترضة حيث يسعى الكثير إلى تحقيق الأهداف في وقت محدد، من خلال ضبط المواعيد النهائية ولهذا فالهدف يشبه الغاية أو القصد كثيرا.
فوائد تحديد الأهداف
لمعرفة أهدافنا فوائد كثيرة منها:
- التحكم بالذات.
- الثقة بالنفس.
- قيمة النفس.
- إدارة الوقت.
- حياة أفضل
مواصفات الهدف:
كذلك ينبغي علينا أن نعرف ماهيّة أهدافنا، أو مواصفاتها، فالهدف ينبغي أن يكون:
- محددا وليس عاما.
- قابلا للقياس أي مرتبط بكمية.
- أن يمكن بلوغ الهدف أو تحقيقه.
- أن يكون الهدف واقعيا ومناسبا.
- أن يكون محددا بوقت معين.
في الخلاصة أيها الإنسان لو أنك تبحث عن الحياة، عِش لحظاتك بعمق وقوة وإقدام وذكاء ولا تكن هامشياً أو خاملا أو مترددا، حدّد أهدافك بوضوح، خطّط لها، وامضِ نحوها، ولا تتحرك مع كل ريح، قرر مسبقا الى أي اتجاه تود التحرك وهل الرياح مواتية أم مضادة لما تسعى إليه من أهداف، حاول أن تستدعي وتبحث عن الرياح التي تدفعك نحو مقصدك.
وختاماً، جميلا متفرّدا ورائعا ما قاله (ويل روجرز): (لن يُفتح لك باب الفرص إلا إذا دفعته بنفسك).
اضف تعليق