q

منذ تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإسرائيل تفرض وقائع على الأرض دون الإكتراث لأى تنديدات دولية بتشريع الاستيطان الذى يشكل عقبة رئيسية في العودة للمفاوضات الثنائية المباشرة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وبصمت أمريكي، فما انتهت من إصدار قرارات بإنشاء 6000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية إلا وأقرت الكنسيت قانون التسويات والذى بموجبه تشرع ضم الضفة الغربية كاملة إلى إسرائيل؛ وبموجبه يحق لأى مستوطن إقامة وحدته الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية المملوكة للفلسطينيين بطابو ولا يحق للفلسطيني المالك الذهاب لتقديم شكوى بالمحكمة العليا.

صحيح أن السلطة الفلسطينية نجحت خلال السنوات الخمس الأخيرة في كسر احتكار الادارة الأمريكية لمفاوضات التسوية للصراع العربى الإسرائيلي وبدأت فعلياً بتدويل المفاوضات، وقد ساهم التعنت الإسرائيلي في هذا النجاح حتى تمرير القرار 2334 في مجلس الأمن وإن اعتبره البعض تصفية حسابات ما بين أوباما ونتنياهو، ولكنها اليوم تواجه إدارة أمريكية جديدة على رأسها السيد ترامب الذي يؤمن أنه لا فرق بين الصفقات التجارية والسياسية.

هذا الرجل التعبوي الغارق في نرجسيته يرى أن بمقدوره عقد أكبر صفقة في تاريخه وتاريخ العالم بحل هذا الصراع، وقد بدأ فعلياً في هذا بطريقته الاقتصادية بخفض سقف أحد أطراف الصفقة (الطرف الفلسطيني) ورفع سقف الطرف الآخر (الطرف الإسرائيلي) وقد تمثل ذلك في تعاطيه وتواصله مع نتنياهو وحكومته، وتجاهله السياسي والدبلوماسي للطرف الفلسطيني الرسمي والتلويح بنقل السفارة الأمريكية الى القدس وإن أعلن فيما بعد بعدم رغبته بنقلها أو تأجيل نقلها، كل ذلك يشير بأسلوب الرئيس الأمريكي في التعامل بمنطق رجال الاقتصاد وليس رجال السياسة؛ وهو ما ينبغي أن يعيه العالم اليوم، والطرف الفلسطيني تحديداً عند التعامل مع إدارة ترامب.

من الواضح أن الرئيس ترامب ومن خلال تصريحاته وتدويناته التي يدير بها السياسة الداخلية والخارجية أنه يمتلك تصوراً ما حول حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا علاقة له بالشرعية الدولية أو قرارات مجلس الأمن، لكنه في المقابل سيكون له علاقة وثيقة بالواقع المفروض على الأرض وميزان القوى المنهار بين طرفي الصراع وبواقع الجغرافيا السياسية الجديدة في الشرق الأوسط المناسب أكثر من أي وقت مضى لتمرير تسوية ما لن تراعى إلا الطرف الأقوى وتفرض على الطرف الأضعف.

معالم التسوية المفترضة لن تغير كثيراً مما هو قائم الآن على الارض، فمشروع الاستيطان في القدس والضفة الغربية يوشك أن يتم رسم حدود إسرائيل (الدولة اليهودية) وهم يصارعوا الزمن لإنهائه قبل المفاوضات القادمة برعاية الرئيس ترامب وذلك بمشاركة وتمويل عربي واقليمي.

وهنا قد أشار ترامب أكثر من مرة بضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي بشكل كامل والذى من خلاله يتم حل قضايا الوضع النهائي الفلسطيني كقضية اللاجئين والتي يراد لها أن تُحل بعيداً عن إسرائيل، وحتما ستتحمل دول بعينها فاتورة التعويض وإعادة التوطين، وأما قضية القدس الشرقية بأحيائها الغارقة في التهويد ومساجدها وكنائسها التي شرعنت وضعها القائم ضمن ترتيبات دولية تجعل من المدينة القديمة والأماكن المقدسة فيها مكاناً محايداً تحت إشراف دولي قد يشارك في إدارته مؤسسات دينية.

إن أي صفقة تدار معالمها اليوم في البيت الأبيض لن تختلف خطوطها العريضة عما سبق في ظل الانهيار الفاضح في موازين القوى بيننا وبين إسرائيل وانقسامنا الداخلي وفقدان الدعم العربي الفعلي لنا، ويبقى الرهان هنا على القيادة الفلسطينية وقدرتها على الصمود في وجه ما هو قادم.

ولعل الأمر أشبه بالمستحيل لكن علينا أن لا ننسى أن هنا الشعب الفلسطيني القادر على تغيير المعادلة.. والشعب إن أراد الحياة فحتما سيستجيب القدر.

* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق