اصبحت قرارات ترامب محل ترحيب خليجي شعبيا ورسميا وعلى اعلى المستويات، فالشخص الذي كان من اخطر المرشحين في فترة الانتخابات الامريكية باعتباره غير ضليع بالسياسة ولا يقيم لدول الخليج وزنا؛ اصبح اليوم حكيما وقراراته تمثل "السيادة الامريكية" وفق المنطق الخليجي الجديد، حتى وان كانت هذه القرارات تستهدف المسلمين والعرب تحديدا؟.
الرياض وأبو ظبي رفضتا انتقاد قرار الرئيس الأمريكي ترامب، بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية إلى بلاده، وذلك في وقت يواجه فيه هذا القرار انتقادات شديدة داخليا وعالميا (مع غياب عربي واسلامي عن لغة الاستنكار هذه). اذ جاء موقف الرياض على لسان وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، الذي دافع عما وصفه بـ"حق الولايات المتحدة في ضمان سلامة شعبها". وفي هذا التصريح تشويه للحقيقة فالتهديد الذي يواجهه الشعب الامريكي لم يأتي من هذه الدول السبع، وحتى ان كان الارهاب قادما من هذه الدول فهو لا يعالج بهذه الطريقة مطلقا، الا انه يتوافق مع سلوك السلطات الدكتاتورية، حيث تعد السعودية ودول الخليج النموذج الابرز في هذا المجال.
ولا يختلف تصريح وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، عن الموقف السعودي اذ اعتبر القرار "سيادي للولايات المتحدة" بحسب تعبيره، وادعى انه "لا يستهدف دينا بعينه"، لكن الوزير الاماراتي لم يفسر ما معنى ان يستثنى المسيحيين واليهود في هذه الدول السبع من القرار بالطرد.
وزير الخارجية الاماراتي الذي قال ان القرار الامريكي لا يستهدف المسلمين يتناقض كلامه مع الاجراءات المتلاحقة لإدارة ترامب التي تحاول حصر الارهاب بالإسلام فقط، فقرار حظر مواطني الدول الاسلامي استثنى اليهود والمسيحيين من هذه الدول في استهداف واضح للمسلمين المستضعفين. والتسريبات الاعلامية تقول ان هناك قرار جديد سوف يلحقه لتغيير وإعادة تسمية برنامج "مكافحة التطرف العنيف" إلى "مكافحة التشدد الإسلامي" أو "مكافحة التشدد الإسلامي المتطرف" ولن يستهدف بعد ذلك جماعات مثل تلك التي تؤمن بتفوق البيض ونفذت تفجيرات وعمليات إطلاق نار في الولايات المتحدة.
الموقف الخليجي من قرارات دونالد ترامب يثير الكثير من الجدل، فبينما يستهدف الاخير المسلمين جميعا ويحصر الارهاب باسم الاسلام تقف دولة الامارات والسعودية موقف المدافع عن قرارته غير الواقعية، في الوقت الذي تدينه اغلب دول العالم والمنظمات الدولية وشعوب العالم.
لكن لماذا هذه الانتقال الخليجية _ الامريكية من الخصام الى الوفاق التام؟ بكل تأكيد ان هنالك صفقة جرت بين الطرفين تضمن مساندة كل منهما الاخر مع غض الطرف عن سياسات بعضهما البعض لا سيما وانهما يشتركان في صفة واحدة هي "الانغلاق التام" وهوس "التسلط" والسيطرة على كل شيء. كما ان ترامب يحتاج الخليج لتمويل حروبه القادمة فيما الاخير (الخليج) بحاجة الى المضلة الامريكية لحمايتها من القوة الايرانية المتصاعدة.
بعض القراءات ركزت على وجود صفقة اقتصادية المستفيد الاكبر منها دونالد ترامب، وهذا الكلام هو عين الصواب، لكن ترامب لا يحتاج الى الاقتصاد فقط رغم اهميته بالنسبة له، فوعوده لناخبيه اقتصادية وامنية وسياسية، اذ وعد بالقضاء على داعش والجماعات الوهابية الاخرى مثل القاعدة وملحقاتها، وهذه العملية لا يمكن ان تتم بدون معاونة دول اسلامية لها قدرة التأثير في الجمهور الاسلامي من اجل ضمان اقل قدر من المقاومة بمختلف وسائلها واساليبها، ومن ثم تكون السعودية والامارات هما الحليف الافضل للإدارة الامريكية الجديدة لتنفيذ المهمة في العالم الاسلامي، ولا ننسى ان دول الخليج لها باع طويل في التحالف مع الدول الغربية ضد دول اسلامية لا تزال تعاني من اثار الدمار بسبب التواطؤ الخليجي.
دول الخليج لن تكون مصرفا ماليا يمول حروب دونالد ترامب فقط، بل انها سوف تعطي الشرعية لحروبه المقبلة من خلال فتاوى تصدر من السعودية وعلماء الدين المقربين من السلطات تمنع التصدي للقوات الامريكية في اي مكان او تمنع القيام بعمليات انتقامية ضد المواطنين الامريكيين، واقل تقدير غض الطرف عن السلوك الامريكي ازاء المسلمين في العالم. كما قد نشهد انخفاضا في عمليات التبرع للمدارس الوهابية في الدول الغربية التي المغذي الرئيس للعمليات الارهابية في العالم، وقد نرى انخفاضا بالدعم للجماعات الارهابية في سوريا. وفي المقابل سوف تشدد واشنطن قبضتها على ايران وهذا ما بدأ مع اول تجربة صاروخية اجرتها طهران.
ما تصدره الادارة الامريكية شيء، وما يجري على ارض الواقع شيء اخر، فمحاربة الارهاب الاسلامي كما يسميه ترامب سوف يكون بأموال وفتاوى تصدر من دول اسلامية تتبع المذهب الوهابي "الاب الشرعي لداعش والقاعدة" وهذه هي الضريبة المستحقة التي تحدث عنها ترامب في فترة الانتخابات الامريكية، والدول الخليجية ليس لديها خيار اخر غير الخضوع المذل.
وكما تم انشاء هذه الجماعات الارهابية في فترة التسعينيات من القرن الماضي بأموال وفتاوى خليجية وتخطيط واسلحة امريكية؛ يراد اليوم القضاء على هذه الجماعات بنفس الطريقة، لكن هذا لن يحصل مطلقاً، فقد اصبحت هذه الجماعات مستقلة بذاتها لا تحتاج الى السعودية وفتاواها وامريكا واسلحتها وقدرتها على التخريب اكبر من اي وقت مضى والشعوب المسحوقة سوف تبقى تعاني من جرائمها وعلى رأسها الشعب العراقي والسوري.
المستقبل الملبد بغيوم التطرف سوف يمطر الكثير من الصواريخ ويفجر حروبا جديدة، ساحتها الدول الاسلامية ووقودها شعوبها المضطهدة، ومشعل كل هذه النيران هو حب السلطة لدى قادة هذه الدول، والرغبة بالانتقام وتحقيق المصالح لدى قادة الدول الكبرى.
اضف تعليق