q

إن واحدة من أهم التحديات التي تواجه العراق بعد إنتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي هو كيفية السيطرة على ما أصبح يعرف اليوم في مراكز الأبحاث العالمية بالتطرف العنيف، إذ أصبحت مواجهة التطرف العنيف من أهم الإستراتيجيات التي يمكن من وراءها ضبط الجماعات المسلحة وإيقاف تمددها المتجدد في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والعراق على وجه الخصوص.

التطرف العنيف مقدمات الخلايا النائمة

أهم الإستراتيجيات التي تتبعها التنظيمات المتطرفة ذات التوجه الطائفي هو الإعتماد على إسلوب الخلايا النائمة من أجل تحقيق غاياتها الإرهابية، فالخلايا النائمة التي تتحقق عبر التجنيد الفكري والسلوكي تمثل مرحلة التحضر عند هذه الجماعات والتي هي بالأصل نتاج للفكر المتطرف ذات التوجهات العنفية في المجتمع.

ليس من السهل أن تتمدد الجماعات المسلحة دون أن تعمل على تنمية المشاعر في ذهنيات بعض الأفراد، إذ أن ذلك المعيار مرتبط إلى حد كبير بالنهج المتطرف من الناحية الفكرية والذي يعمل على ضبط توجه الأفراد المنتمين إلى هذه الجماعات ومن ثم إتساع مستوى التجنيد والقدرة على تنفيذ عمليات الإختراق وبث الرعب بين المواطنين.

إن إسلوب مواجهة التطرف العنيف وفق منطق إستراتيجي قائم على المواجهة الفكرية سوف يساعد الدولة في تجاوز تحديات تمدد الجماعات الإرهابية وإضعاف العدو المتطرف، وهذه بالدرجة الأساس ترتكز على إسلوب مهم يعتمد على الإحتواء والحصر، فالسيطرة على المناطق المحررة والمناطق الأخرى التي لم يتمكن تنظيم داعش من إختراقها وتنمية الشعور بالمواطنة والتمدن سوف يعزز من مبدأ الإعتدال مقابل التطرف، علاوةً على أنه سيساعد صانعي القرار على إضعاف نفوذ الفئات العشوائية.

أحد أهم المشكلات التي تواجه الدولة في هذا المجال هو مايتعلق بالخطاب المعتدل الذي أصبح يتسم بالضعف لصالح الجماعات المتطرفة، فضعف الدولة على توفير الأمن ساعد في إتساع التطرف على حساب المواطنة. وهذا ماينبغي أن يتم التعامل معه قبل أي إستراتيجية في هذا المجال، فالأصل في وجود الدولة هو المقدرة على ضبط الأمن والإحتفاظ بالقوة، وإلا إنتقل الولاء من الدولة إلى الجماعة وبالشكل الذي يعمل ضد توجه الدولة في كثير من الأحيان.

المصالحة الوطنية ومواجهة التطرف

تعد المصالحة الوطنية أحد أهم آليات التي يمكن للدولة إعتمادها في سبيل مواجهة التطرف العنيف، غير أن المصالحة ينبغي أن تبدأ من القاعدة وليس من الأعلى، أي تكون ذات طابع مجتمعي قائمة على أساس تقوية خط الإعتدال على حساب التطرف الذي يمكن من إيجاد ذاته في بعض القوى السياسية. إن إعتماد المصالحة وفق هذا المعنى هو الذي سوف يمكن من تحقيق الإحتواء والتوسع في مواجهة التطرف العنيف، وهذا ماينبغي أن يشغل صانع القرار.

إن إطار التعامل وفق برنامج المصالحة الوطنية مايزال يفتقر إلى المقومات الحقيقية للمصالحة، فالمشكلات في المصالحة أو التسوية الوطنية كما ذهب البعض إلى تبنيها هي تحديد الفئات التي سوف يتم التعامل معها، فالأصل اليوم الذي تقوم به معظم الجهات الحكومية والحزبية هو المصالحة بين القوى السياسية المشاركة في العملية البرلمانية أو التنفيذية، ومن ثم فنحن نشهد دوماً مصالحة بين الشركاء وليس بين الأطراف المعارضة أو الرافضة لوجود الدولة، الأمر الذي يجعلها فاقدة للتأثير وغير قادرة على تحقيق النتائج المقصودة.

إن مشروع المصالحة ينبغي أن يقوم على الإندماج الإجتماعي والتفكير بتوسيع إطار الإعتدال والتسامح بدلاً من التطرف العنيف، وأن يكون قادراً على حماية الفئات المعتدلة وتوسيع قاعدتها في المجتمع. رغم أن ذلك لايعني عدم أهميتها بين القوى السياسية، فالقوى السياسية ذات تأثير مهم بسبب قدرتها على تحريك وتوجيه الرأي العام، بيد أن وضع العراق بعد سيطرة تنظيم داعش على بعض المناطق جعل من المصالحة المجتمعية مقدمة ضرورية لإعادة الإندماج الإجتماعي من جديد للعراق.

إن من أهم آليات مواجهة التطرف العنيف هو إستمرار الدولة في تقوية معطيات القوة والهيبة لها سيما العسكرية منها، فالشعور بالهيبة والإقتناع بالمقدرة على التأثير يساعد صانع القرار بالإحتفاظ بعناصر الهيبة، وإلا فإن تأثير الجماعات المتطرفة أو المسلحة سوف يعلو على سلطة الدولة كالحالة التي كانت عليها بعض المحافظات العراقية قبل حزيران 2014.

إن على صانع القرار أن يفكر بطريقة جدية بكيفية مواجهة التطرف العنيف الذي يتمدد كلما ضعفت الدولة، فالأصل في اللعبة السياسية هو إستمرار الدولة بملكيتها للقوة وعدم التفريط بها عند أي مساومة أو أي مواجهة داخلية كانت أو خارجية.

فكلما فرطت الدولة بقوتها السياسية وقدرتها على التأثير لصالح القوى السياسية كلما كانت هي الحلقة الأضعف في التأثير على المجتمع. وعليه فإن التطرف العنيف هو مصدر التهديد الجديد للعراق وإن مواجهته قبل أن يتحول إلى جماعات مسلحة سوف يضمن للعراق معادلة جديدة في إدارة الأمن بعد الإنتصار على تنظيم داعش الإرهابي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001-Ⓒ2017
http://mcsr.net

اضف تعليق