في ظل التطورات المهمة التي تشهدها سوريا، عقب تحرير مدينة حلب من قبضة الجماعات المسلحة، اكد بعض الخبراء ان هناك تحولات كبيرة حدثت على المستويين الدولي والإقليمي فيما يخص ملف الصراع في سوريا، ومنها الموقف التركي الذي تغير كثير بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته أنقرة، حيث شهدت الفترة الاخيرة العديد من الزيارات واللقاءات المهمة بين كل من تركيا وروسيا وإيران، من اجل تقريب وجهات النظر والمواقف بين الأقطاب الثلاثة، خصوصا وان الجانب التركي الذي اتهم الولايات المتحدة وبعض الدول العربية في الوقوف خلف عملية الانقلاب قد اعلن انه مستعد لفتح صفحة جديدة وبحث عمليات مشتركة مع موسكو ضد تنظيم "داعش" الإرهابي. وهو ما عززته زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين بعد فترة من القطيعة طغت على العلاقة بين البلدين، ومن ثم استقباله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في أنقرة، الداعم الاول للمعارضة السورية المسلحة، التي تخوض مواجهات عنيفة مع الجيش السوري المدعوم من موسكو وطهران.
ويرى البعض ان أنقرة تريد، من خلال البوابة الروسية والإيرانية، العودة إلى ممارسة دور إيجابي في الأزمة السورية، والرئيس التركي ذهب إلى موسكو من أجل هذه الغاية، وبالتالي من المفترض أن تشهد دمشق إنفراجات إيجابية، وربما تكون المنطقة أمام ولادة حلف عسكري وسياسي واقتصادي جديد، بين موسكو وطهران وأنقرة، سيشمل لاحقاً دولاً أخرى. خصوصا وان
تركيا خرجت حديثاً من أزمة خطيرة لاتزال تعاني من تبعاتها، كما انها قد أعلنت قبل الإنقلاب على لسان رئيس وزرائها بن علي يلدريم عن رغبتها بالعودة إلى سياستها القديمة مع دول المنطقة، أي النزول بالمشاكل إلى مستوى صفر.
من جانب اخر اكد بعض الخبراء ان هذا التقارب المهم ربما سيزعج بعض الاطراف والدول، التي ستعى الى عرقلة اي اتفاق جديد بين تركيا وروسيا وايران، ولعل حادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة، خير دليل على استهداف التحالف الجديد، وهو ما اكده الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي قال أن اغتيال السفير أندريه كارلوف يستهدف العلاقات الطيبة بين روسيا وتركيا والتسوية في سوريا، بينما قال نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، إن العملية تأتي في وقت أصبحت تركيا فيه على اتصال وثيق بروسيا.
محاربة الارهاب
في هذا الشأن اتفقت كل من روسيا وإيران وتركيا على أن الأولوية في سوريا هي محاربة الإرهاب وليس الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما توصلت لاتفاق على "توسيع" وقف إطلاق النار في سوريا، معربة عن الاستعداد للعب دور الضامن في محادثات سلام، وذلك إثر اجتماع ثلاثي على مستوى وزراء الخارجية في العاصمة موسكو. وتستضيف موسكو أبرز حلفاء دمشق، اجتماعا ثلاثيا يضم إلى جانب وزير خارجيتها سيرغي لافروف، كلا من وزيري الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والتركي مولود تشاوش أوغلو.
وقال الوزير الروسي سيرغي لافروف نقلا عن بيان مشترك، إن روسيا وإيران وتركيا متفقة على الحاجة لمحاربة الإرهاب في سوريا وليس تغيير النظام، مضيفا أن "إيران وروسيا وتركيا مستعدة للمساعدة في التحضير لاتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة وللعب دور الضامن". كما أكد أن "الوزراء اتفقوا على أهمية توسيع وقف إطلاق النار وإتاحة إدخال المساعدات الإنسانية وتنقل المدنيين على الأراضي السورية".
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو في تصريحات ترجمت إلى الروسية، إن وقف إطلاق النار يجب أن يشمل جميع الأراضي السورية باستثناء مواقع تنظيم داعش الارهاب وجبهة فتح الشام (النصرة سابقا) الموالية للقاعدة. كما أشاد لافروف بالصيغة التركية الإيرانية الروسية بشأن سوريا معتبرا أنها "الأكثر فعالية"، مضيفا أن البلدان الثلاثة "أكدت استعدادها لمكافحة تنظيم داعش وجبهة النصرة وفصلهما عن الفصائل المعارضة المسلحة. بحسب فرانس برس.
وتابع الوزير الروسي "أجاز تعاوننا، بالإضافة إلى إجلاء المدنيين، تنفيذ عملية منظمة لإخراج أغلبية مسلحي الفصائل المعارضة المسلحة عبر طرقات متفق عليها". واختتم بالقول، "اتفقنا على مواصلة التعاون استنادا إلى البيان الذي توصلنا إليه ". كما انتقد لافروف واشنطن، الغائب الأكبر عن النقاش، مؤكدا أنها لم تنفذ اتفاقات سابقة تم التوصل إليها في سوريا. ويأتي اجتماع وزراء الخارجية والدفاع في الدول الثلاث في موسكو غداة مقتل سفير روسيا لدى أنقرة بالرصاص على يد شرطي تحدث عن سوريا وحلب. وتقف روسيا وإيران على طرفي نقيض من تركيا في النزاع السوري، مع موسكو وطهران اللتين تدعمان الرئيس بشار الأسد، وأنقرة التي تدعم أولئك الذين يسعون للإطاحة به. لكن تركيا وروسيا بدأتا مؤخرا العمل معا بشكل وثيق لإجلاء المقاتلين والمدنيين من حلب بموجب اتفاق معقد.
كما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنه لا رحمة "للإرهابيين" في سوريا بعد قتل أندريه كارلوف السفير الروسي في تركيا. وقال لافروف إن اغتيال كارلوف جعل الحوار بين أنقرة وموسكو أكثر إلحاحا. وأضاف لافروف أن روسيا تشكر تركيا على رد الفعل السريع بعد عملية الاغتيال. وقُتل كارلوف عندما أطلق عليه رجل أمن النار من الخلف خلال إلقائه خطابا في افتتاح معرض فني في أنقرة. كما دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ا الى عدم "تقديم تنازلات للارهابيين" في الازمة السورية.
اتفاق سلام
على صعيد متصل قالت روسيا وإيران وتركيا إنها على استعداد للمساعدة في التوسط لإبرام اتفاق سلام سوري بعد أن أجرت الدول الثلاث محادثات في موسكو ووافقت على إعلان يحدد مبادئ يتعين على أي اتفاق الالتزام بها. وقالت الوثيقة التي سماها شويجو "إعلان موسكو" إن الدول الثلاث على ثقة من أنها تستطيع إحياء عملية السلام المحتضرة.
وقال الإعلان "إيران وروسيا وتركيا على استعداد لتسهيل صياغة اتفاق يجري التفاوض عليه بالفعل بين الحكومة السورية والمعارضة وأن تصبح الضامن له." وأضاف "دعت (إيران وروسيا وتركيا) كل الدول الأخرى التي لها نفوذ في الوضع على الأرض أن تقوم بالمثل (المساعدة في إبرام اتفاق)." ويسلط التحرك الضوء على تنامي قوة الصلة بين موسكو وطهران وأنقرة رغم اغتيال السفير الروسي في تركيا ويبرز رغبة بوتين في ترسيخ نفوذ بلاده المتنامي في الشرق الأوسط وعلى نطاق أوسع.
كما يظهر مدى نفاد صبر روسيا بشأن ما ترى أنها محادثات طويلة وغير مجدية مع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن سوريا. ووصف لافروف هذه المحادثات بأنها "بلا طائل". وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه ونظيره التركي رجب طيب إردوغان يعملان لترتيب سلسلة جديدة من محادثات السلام السورية دون مشاركة الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة. وذكر أن هذه المحادثات قد تجرى في أستانة عاصمة قازاخستان وهي حليف وثيق لروسيا.
وتقول روسيا إن هذه المحادثات إن أجريت ستكون إلى جانب المفاوضات المتقطعة بوساطة الأمم المتحدة في جنيف. وقال لافروف إنه يعتقد أن الترويكا الروسية الإيرانية التركية هي أكثر شكل فعال فيما يتعلق بالمساعي لحل الأزمة السورية. وذكر شويجو أن روسيا - التي دعمت الرئيس السوري بشار الأسد بضربات جوية وقوات خاصة ومستشارين عسكريين - وإيران وتركيا فقط لديها القدرة على إحداث فارق حقيقي. وقال شويجو "كل المحاولات السابقة من الولايات المتحدة وشركائها للاتفاق على تحركات منسقة حُكم عليها الفشل. لم يمارس أي منهم نفوذا حقيقيا في الوضع على الأرض."
روسيا واغتيال السفير
في السياق ذاته وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اغتيال سفير بلاده لدى تركيا بانه "استفزاز" يهدف الى تخريب العلاقات بين موسكو وأنقرة والجهود المبذولة لتسوية النزاع في سوريا، مشيرا من جهة ثانية الى ان موسكو ستشارك اجهزة الامن التركية في التحقيق. وقال بوتين في تصريح بثه التلفزيون ان "الجريمة التي ارتكبت هي دون شك استفزاز يهدف الى عرقلة تطبيع العلاقات الروسية-التركية وتعطيل عملية السلام في سوريا والتي تشارك فيها بقوة كل من روسيا وتركيا وايران".
واضاف خلال اجتماعه بوزير الخارجية سيرغي لافروف ومسؤولي الاستخبارات الداخلية والخارجية "لا يمكن ان يكون هناك الا رد وحيد على هذا الا وهو تكثيف مكافحة الارهاب والمجرمون شيشعرون بذلك". واوضح بوتين ان بلاده سترسل محققين الى انقرة بعدما وافق نظيره التركي رجب طيب اردوغان خلال مكالمة هاتفية بينهما على طلب بهذا المعنى وجهه اليه الرئيس الروسي. وقال "علينا ان نعرف من الذي حرك ايدي القتلة".
وقتل السفير الروسي اندريه كارلوف بعد اصابته برصاصات عدة اطلقها عليه شرطي تركي بينما كان يلقي كلمة خلال افتتاح معرض فني في العاصمة التركية. وقال الشرطي انه قام بفعلته ثأرا لما يحصل في حلب. وفي تسجيل فيديو للهجوم نشر على شبكات التواصل الاجتماعي، يظهر القاتل وهو يصرخ باللغة العربية اولا ثم باللغة التركية والسفير ممد ارضا بالقرب منه. ويهتف الرجل الذي يرتدي بزة سوداء ويحمل مسدسا "الله اكبر" ويتحدث بالعربية عن "الذين بايعوا محمدا على الجهاد". ويكرر بعد ذلك مرتين باللغة التركية "لا تنسوا سوريا، لا تنسوا حلب". ويضيف ان "كل الذين يشاركون في هذا الطغيان سيحاسبون واحدا واحدا".
ودان مجلس الامن الدولي بالاجماع اغتيال السفير الروسي لدى انقرة، معتبرا اياه "اعتداء ارهابيا" في توصيف استخدمه ايضا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون. وقال المجلس في بيان صدر باجماع اعضائه ال15 انه "يدين بأشد العبارات الهجوم الارهابي" ويقدم تعازيه لعائلة الدبلوماسي وللحكومة الروسية. ويقف مجلس الامن دقيقة صمت تكريما لذكرى السفير اندريه كارلوف.
ودانت وزارة الخارجية الاميركية الاعتداء. وقال المتحدث باسم الخارجية الاميركية جون كيربي "تابعنا الاخبار التي افادت بان السفير الروسي في تركيا اندريه كارلوف قد تعرض لهجوم من قبل رجل مسلح في انقرة. اننا ندين عمل العنف هذا بغض النظر عن مصدره". كذلك دان الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب الاغتيال وقال ان منفذه هو "ارهابي اسلامي متشدد". واعتبر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان اغتيال السفير الروسي في تركيا هو "استفزاز" الهدف منه الاطاحة ب"تطبيع" العلاقات بين انقرة وموسكو. وقال اردوغان في كلمة متلفزة "نعلم بانه استفزاز الهدف منه الاساءة الى عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا". بحسب فرانس برس.
بدوره عبر بان كي مون عن "اشمئزازه من هذا العمل الارهابي العبثي"، مؤكدا في بيان انه "لا يمكن ان يكون هناك مبرر لاستهداف الموظفين الدبلوماسيين والمدنيين". واضاف ان "الامين العام يتابع من كثب تطورات الوضع ويتمنى الشفاء العاجل والتام للاشخاص الذين ورد انهم اصيبوا في الهجوم". كذلك دان كل من الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي اغتيال السفير الروسي لدى تركيا، وفي حين اعتبره الاتحاد "عملا شنيعا" قال الحلف انه "هجوم لا يمكن تصوره".
اضف تعليق