تنتظر حكومات وشعوب الشرق الاوسط تسلم الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب لمهامه بشكل رسمي، من الرئيس الحالي باراك اوباما، وهذا الوافد الجديد على الساحة السياسية الامريكية والعالمية قد ادخل الجميع في متاهات الخوف والترقب بصفته شخصا يرى العالم عبارة عن "مصرف لجمع الاموال"، ومن ثم فان كل ما قاله او سوف يقوله لا يمكن التعويل عليه اذا ما تضارب ذلك مع سياسته القائمة على جني الاموال.
تصريحات ترامب ازاء الملف النووي الايراني ورفضه سياسة اوباما بتوقيعه اتفاقا يقضي بتخفيض مستوى التخصيب الايراني مقابل رفع العقوبات الغربية توحي بان هذا الملف الشائك قد يعود الى نقطة البداية، وهذا ما يحمل الطرفين الايراني والامريكي مزيدا من المتاعب في الوقت الذي يبحث الطرفان حل مشاكل اخرى ترتبط بالتطورات على الساحتين الاقليمية "الشرق الاوسط" والدولية.
مجلس الشيوخ الأميركي افتتح الشهر الجاري بالتصويت وبالغالبية الساحقة على تمديد العقوبات المفروضة على إيران عشر سنوات إضافية. وأُرسِل مشروع القانون إلى البيت الأبيض ليوقع عليه الرئيس أوباما. وهذا القرار يعد بداية سلبية للمستقبل وارضية مناسبة لتنفيذ سياسة ترامب المتشددة ازاء ايران، لا سيما وان الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، اختار في 2 ديسمبر/كانون الأول، الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس وزيرا للدفاع في إدارته المقبلة. ويعرف عن ماتيس مناهضته لإيران، وخاصة الاتفاق النووي، وقد اختلف مع الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما بشأن إيران وسحب القوات الأمريكية من المناطق التي كان مسؤولا عنها، وهو الخلاف الذي أزعج أوباما ودفعه للتخلي عنه.
من جانب آخر، نقلت صحيفة فايننشال تايمز في وقت سابق من هذا الشهر عن مصادر في الكونغرس الأميركي أن فريق الرئيس المنتخب ترمب يبحث مقترحات بفرض عقوبات جديدة على إيران تتعلق ببرنامجها للصواريخ الذاتية الدفع ومجال حقوق الإنسان. ولكن هناك ما قد يكون عائقا امام جدوى العقوبات الامريكية ومنها الرغبة الاوربية بالاستفادة من السوق الايرانية المتعطشة للاستثمارات الاجنبية باعتبارها وسيلة لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة للاقتصاد الاوربي الذي لا يزال يعاني من "جراحات" الانفصال البريطاني.
ايران التي تهدد بإيقاف التعاون مع الدول الكبرى في حال تبني الولايات المتحدة سياسة العقوبات الاحادية قد تكون امام صعوبات تمنع تنفيذ تهديداتها، ففي حال قللت من تعاونها مع وكالة الطاقة الذرية كنوع من الرد على العقوبات الامريكية فهذا يعطي ذريعة للولايات المتحدة في الضغط على الدول الكبرى من اجل دراسة اجراءات رادعة ضدها باعتبارها خرقت الاتفاق النووي ومن هنا تكمن صعوبة تخلي طهران عن الاتفاق حتى وان شددت واشنطن عقوباتها ضدها.
الجانب الذي لا يقل خطورة على ايران هو امكانية التقارب الروسي الامريكي والذي قد يؤدي الى حصول روسيا على بعض المكاسب التي سوف تعود بالسلب على الطرف الايراني، فعلى طول الازمة النووية استفاد الطرفان الروسي والايراني من بعضهما من اجل اقامة نوع من التوازن الاستراتيجي ضد الولايات المتحدة الامريكية، ومن ثم فان اي تقارب امريكي روسي يعني تنازل روسيا لصالح الولايات المتحدة وربما سوف يكون الثمن رفع بعض الدعم الروسي لإيران في مجلس الامن مقابل تنازل امريكا عن بعض الملفات لصالح روسيا.
لكن بعض التحليلات تشير الى ان البدائل الايرانية متوافرة ومثلما استفادت طهران من موسكو على طول الازمة النووية فإنها باتت تعقد اتفاقات استراتيجية مع العملاق الصيني الصاعد بقوة الى الساحة الدولية، فحسب تقرير نشره "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" فإن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الصيني تشانغ وان تشيوان لطهران في أواخر الشهر الماضي وتوقيع اتفاقية للتعاون الاستراتيجي بينهما لـ25 عاماً، بما في ذلك التعاون في المجالات الدفاعية والاستخباراتية بين البلدين في ظل معلومات عن رغبة إيران في الحصول على الجيل الثالث من الطائرات الصينية المقاتلة من طراز "تشنغدو جيه-10"، وكذلك الرادارات المحمولة جواً، وإلكترونيات الطيران لتجهيز التصاميم المستقبلية الخاصة بها، ومن ثم فان هذا الوضع قد يكون افضل بديل لطهران التي اعتادت على تشبيك مصالحها مع اكثر من دولة من اجل ضمان مكانتها في الشرق الاوسط.
الرئيس الامريكي الجديد الذي هدد بإلغاء الاتفاق النووي مع ايران لا يمكن ان يمزقه امام الملأ ولكن سياساته المتشددة ازاء طهران سوف تفرغ هذا الاتفاق من محتواه ومن ثم يصبح اتفاقا اجوف عديم الفائدة، والمواجهة الكلامية والدبلوماسية سوف تتصاعد بين الطرفين في المستقبل، اما الانتخابات الايرانية المقبلة سوف شهد تشهد على الارجح صعود شخصية متشددة ما يعني ان منطقة الشرق الاوسط مقبلة على ازمات سياسية تزيد متاعب الشعوب المرهقة من فرط الصراعات المزمنة.
اضف تعليق