ماذا لو كانت حياتك كتاب وأنت المؤلِّف، ماذا كنت ستكتب؟ كيف تريد لقصتك أن تكون بشخوصها وأحداثها؟.. قالت (Amy Purd) قبل إحدى عشرة سنة عندما فقدت ساقيّ لم املك أية فكرة عمّا ستكون عليه حياتي ولا أدري ما هو توقعي لها؟ لكن إذا سألوني اليوم إن كنت أريد تغيير الموقف فسيكون علي القول...لا لأن ساقيّ لم تجعلني عاجزة !.
إذا كان عليَّ قول شيء عنهما فهما جعلاني أكون أفضل، وأجبراني كي أعتمد على مخيلتي وأن أؤمن بالاحتمالات ولهذا أنا أؤمن بأن مخيلاتنا من الممكن استخدامها كأدوات نعبر بها الحدود غير المسموح بتجاوزها، لأننا نستطيع فعل أي شيء في خيالنا، ويمكن أن نكون أي شيء بعد الاعتقاد بتلك الأحلام ومواجهة مخاوفنا التي لا تسمح لنا بعيش حياتنا أبعد من حدودنا وجها لوجه.
ويمكننا الابتكار بلا حدود ولكن يجب عليَّ القول الابتكار أصبح موجودا في حياتي بسبب تلك الحدود والممنوعات، فقد تعلمت أن الحدود تعني أين تكون النهايات الحتمية لكن هي أيضا المكان الذي تبدأ فيه القصص والأحلام في المخيلة.
آيمي فتاة كان حلمها الوحيد أن تصبح حرة وتسافر حول العالم وتتزحلق على الجليد، في التاسعة عشر من عمرها، حين تخرجت من الثانوية تواجدت في مكان جليدي حيث طبقات الثلج تتراكم فوق بعضها، وأصبحت أخصائية تدليك، وكل ما احتاجته لهذا العمل يديها وطاولة التدليك بجانبها، وهكذا أصبحت تشعر بأنها حرة تعتمد على نفسها وتسيطر بصورة جيدة على حياتها.
فجأة أخذت حياتها منعطفا آخر، حيث كانت تتصور أنها مصابة بالحمى، لكنها عندما دخلت المستشفى تبين أن نسبة نجاتها تبلغ اثنين بالمئة فقط، وهكذا فإن احتمال النجاة لها ضئيل، بعد مدة دخلت في غيبوبة ثم تبين إنها تعاني من التهاب السحايا الجرثومي، وقد خسرت طحالها وكليتيها، والسمع في إذنها اليسرى وساقيها خلال شهرين ونصف فقط، يا إلهي لو كنت مكانها ماذا كنت ستفعل؟.
إن قوة الإرادة لدى بعض الناس أمر عجيب، فمع أقل الأشياء والإمكانات يهدون لأنفسهم وللعالم أفضل الهدايا وعلى ضفة أخرى يوجد أناس مع كل إمكانياتهم لكنهم يرفعون كؤوس الحيرة في كل لحظة كي يملؤوها بأعذار واهية لا متناهية!.
عندما خرجتْ من المستشفى كانت محطمة تماما، تشعر كأنها جمعت أطرافها كدمية قطنية، بعد خروجها من المستشفى كانت تفكر بان الأسوأ قد انتهى ولكن بعد مرور أسابيع من خروجها لاحظتْ أنّ قدميها باتت عبارة عن صفائح حديد مع أنابيب متصلة بالكاحل وقدم صفراء مصنوعة من المطاط لدرجة أن آيمي تقول لم أكن أعرف ماذا أتوقع أن يحدث لي، ولكن لم أتوقع أن يحدث لي هذا قط.
انهمرت الدموع على وجوهنا أنا ووالدتي وضعت السيقان ووقفت! كان الجميع في حالة يرثى لها، وكنت أفكر بأنه كيف أجوب العالم بهذه الأشياء، كيف سأعيش حياة مليئة بالمغامرات مع هذه المستجدات، كما أنني رغبت دائما أن أتزحلق على الجليد، كيف لي مع هذا الوضع الجديد أن أحقق هذه الرغبة والحلم؟.
ذات يوم عدتُ الى البيت، هربت من واقعي المؤلم لشهور، كانت ساقاي بجانبي وكنت محطمة تماما، وحينها فهمت أنني كي أستطيع أن أستمر بحياتي، لابد أن أنسى آيمي القديمة، وأن أتعلم حب وتقدير آيمي الجديدة، واتضح لي أنني باستطاعتي أن أكون أطول مما كنت، أو بالقصر الذي أريد واذا تزحلقت على الجليد فإن قدميّ لن تتجمد، وربما أنا أفضلهم جميعا، بحيث أستطيع أن أجعل قدميّ على مقاس جميع الأحذية المتاحة في أوقات الخصم.
في المتاجر جاءت تلك اللحظة التي سألت فيها نفسي هذا السؤال: لو كانت الحياة كتابا وكنت أنا مؤلفها ماذا كنت أكتب، وبدأت أحلم من جديد، شعرت كأن الرياح اصطدمت بوجهي وعندها بدأ فصل جديد في حياتي بعد الرجوع الى التزحلق والفشل لمرات عديدة، بحثت عن قدم جديدة كي أستطيع إن أتزحلق فوق الجبال وسفوحها، لكنني لم أحصل على ما بحثتُ عنه، وبعد بحث طويل قررت أن أصنع القدم بنفسي.
وفِي عيد ميلادها الواحد والعشرين حصلت على أفضل هدية (كلْية جديدة تبرع بها أبوها لها حيث سمح لها ذلك أن تلاحق أحلامها مجددا، بدأت التزحلق من جديد، وعادت الى العمل والدراسة ثم شاركت في عام 2005 في تأسيس منظمة غير ربحية للشباب وصغار البالغين من ذوي الإعاقة الجسدية، حتى يصبح بإمكانهم المشاركة في الرياضة، وحينها أتيحت لها الفرصة للذهاب الى جنوب أفريقيا حيث ساعدت في تصميم ووضع الأحذية على أقدام آلاف الأطفال حتى يصبح بإمكانهم الذهاب للمدرسة.
ربحت جائزتين في كأس العالم وميدالية فضية في أعلى مرتبة كـ (أكثر أنثى متكيفة تتزحلق على الجليد في العالم)، وهكذا ربما بدل من أن ننظر الى التحديات التي تواجهنا وقصورها كشيء سلبي أو سيء، نستطيع أن ننظر الى هذه النواقص بصورة أكثر إيجابية وتفاؤلا، فالهدايا الرائعة التي بإمكاننا استخدامها يمكن أن توقد مخيلتنا وتساعدنا على المضي قدما أبعد مما كنّا نتخيل، فالأمر لا يتعلق بتحطيم الحدود، بل بالاندفاع من تلك النقطة ورؤية الأماكن الرائعة التي قد تجلبنا إليها.
بعد أن قرأت عن عالم المعاقين ومعاناتهم، شعرت بالأسى تجاه كل إنسان يبدو سالما في الظاهر، لكنه معاق في الباطن!.. ليتنا كما نستمع لصوت البطون عند الجوع، نستمع لصوت العقول عند الفراغ العلمي والثقافي، لذا فإنني أدركتُ في اليوم العالمي للمعاق بأن الإعاقة لا تحدث في الأعضاء فحسب، وإنما في الأشخاص أيضا فربما تكون الإعاقة أكثر اتساعا وتأثيرا.
السؤال الآن، ماذا لو كان مجتمعنا معاقا؟.
وجدت أشخاصا يعانون من الإعاقة رغم أنهم بكامل صحتهم، ولا يعانون من أي نقص في الأعضاء؟ شعرت بأن هناك شيئا ما يحدث في خلايا مخي، ماذا لو كنت من ضمن هذه القائمة؟ (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) فلنترك المجاملة والمبالغة جانبا كي نرتقي قليلا.
بعد متابعة أحوال المعاقين، وجدتُ أن الإعاقة العقلية عند بعض البشر - وربما نحن نكون من ضمن هذه القائمة أيضا- أسوأ بكثير من الإعاقة الجسدية، فهناك نماذج فريدة من نوعها قد تتخطى الألم والحرمان والإعاقة وتجعل من المِحنة منحة أو دافعا للتقدم نحو أمام وتحقيق المستحيل، في حين هناك نماذج كثيرة من الناس يجلس بعضهم حائرا ويجعل من الإعاقة محنة كبيرة تواجهه يشتم بسببها حظه العاثر في كل حين!..
أما آيمي فقد قدمّت لنا النموذج الحي الذي ينبغي أن نقتدي به فننجز ما يعجز عنه أصحاء الجسد بسبب إعاقة العقل وليس الأعضاء.
اضف تعليق