كل من ولي سلطة في عالمنا الإسلامي، رأى نفسه فرعونا، وفخر بذلك أيما فخر، وربما لهذا السبب لقي أغلبهم ما لقيه فرعون من سوء المصير.
ومن هؤلاء الفراعنة الصغار الذين أبتلينا بهم كان عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت السلمي البصري، أحد غربان العرب في الإسلام (أي ذوي البشرة السوداء الفحمية والشعر الأجعد)، الذي ولي إمرة خراسان لبني أمية مدة عشر سنوات، ثم قتله بنو تميم، وأرسلوا رأسه إلى عبد الملك بن مروان سنة 72 هجرية.
كان لعبد الله هذا قهرمانا، مثل غيره من طلاب الجاه، والقهرمان هو أمين الأمير أو الخليفة، فقال لقهرمانه يوما: (إلى أين نمضي يا هامان؟)
ولم يكن اسم الرجل هامان، وإنما كنَّاهُ بذلك ليُشَّبِهَ نفسه بفرعون الطاغية؛ الذي كان هامان يعمل عنده. مستعيرا من النص القرآني قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}
وهامان إحدى شخصيات القرآن الكريم، كان وزيرا لفرعون موسى ومن المقربين له، قال تعالى: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ}وقال: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ وقال: فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}
المهم أن الرجل كان هو الآخر ذكيا على سر سيده الطاغية، ويعرف تطلعات نفس سيده المريضة الأمارة بالسوء، فأقتبس أيضا من النص القرآني نفسه، إجابة لسؤال سيده واستفساره، فقال في جوابه: (أبني لك صرحا). فما كان من الفرعون الصغير سوى الإعجاب بهذا الجواب الذكي الذي يُطيِّب الخاطر ويُرضي تطلعات النفس إلى العلياء. بمثل هؤلاء الرجال؛ كانت تقاد الأمة، وبمثل هذا القهرمان كان الطغاة يُخدعون فيطغون ويتكبرون ويتجبرون.
أما مشكلتنا الكبرى وآفة نظامنا فهي أن حياتنا جبلت على قبول وتقبل الطغاة والإذعان لهم دونما انقطاع، لا في العصور القديمة فحسب بل وحتى في العصر الراهن، ولا في النظم الاستبدادية فحسب، بل وحتى في زمن النظام الديمقراطي، بل إذا ما كان في النظم السابقة هناك قهرمانا واحدا لكل أمير، فأمراء يومنا الراهن، وعصرنا؛ عصر الحقد والضغائن، يوجد لكل أمير منهم ألف قهرمان وقهرمانة، يصرفون فكره عن نوب الزمان، ويزيدونه عنترية وطغيانا، بل لكل منهم حزبٌ وحزبيات حسان، وجيش من القهارمة الغلظان، وهذا من سوء حظنا، وقلة حيلتنا، وإلى الله المشتكى!
اضف تعليق