آلاف الكويتيين ادلوا بأصواتهم بنسبة مشاركة تجاوزت ٦٨٪ من النصف مليون كويتي الذين يحق لهم الاقتراع لانتخاب ٥٠ عضوا في مجلس الأمة الكويتي، في تجربة (ديمقراطية) تعد الأعرق في المنطقة، حيث كانت الانتخابات الاولى عام ١٩٦٢ واستمرت بعد ذلك وان كانت بشكل متعثر، فيما بادرت حكومة الشيخ جابر المبارك الصباح الى تقديم استقالتها لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح عقب اعلان نتائج الانتخابات البرلمانية السابعة عشر في تاريخ هذه البلاد.
ان خارطة الانتخابات التي أتت بعد اقل من شهرين من حل امير البلاد مجلس الأمة المنتخب عام ٢٠١٣، تضع اليد على عدة مؤشرات ممكن اعتبارها مواجهات بين قوى الكويت، منها:
1- المواجهة بين الحكومة والمجلس،
يلاحظ خسارة الحكومة للعديد من النواب الذين كانوا يساندون قراراتها لا سيما رفع الدعم عن بعض السلع الاساسية، وسياسات التقشف التي فرضتها تراجع أسعار النفط العالمية، حيث قام الناخب الكويتي بالاعتراض على قرارات الحكومة بالتصويت الى التيارات المعارضة لها أسفرت عن فوز ما يقارب ٢٠ نائبا معظمهم من التيارات الاسلامية في عضوية مجلس الأمة الكويتي مما يدل على وجود معركة شرسة لاحقة بين الحكومة والمجلس وذلك بسبب استمرار الانخفاض الكبير بأسعار النفط، وكذلك رغبة النواب المعارضين بإثبات مصداقيتهم لاسيما بعد مقاطعة المعارضة لدورتين انتخابيتين سابقتين، والاهم شعور الثقة بالنفس من قبل المعارضة بأنها تحظى بنوع من الدعم الشعبي لخطابها التصعيدي، فستكون هذه الدورة ربما الاشرس والأقصر في ذات الوقت.
2- المواجهة بين جيلين،
ان الطبيعة السايكلوجية للمواطن الكويتي، لا تختلف عن معظم الدول فعكست هذه الانتخابات حضورا قويا لفئة الشباب، حيث فاز العديد من النواب المشاركين في الانتخابات لأول مرة، مما يعني رغبة حقيقية في تغيير الوجوه والأساليب التقليدية التي مارسها النواب المخضرمون، ومن الجدير بالذكر ان نسبة التغيير في أعضاء مجلس الأمة وصل الى ٦٠٪ من عضوية مجلس الأمة فيما حافظ ٤٠٪ من الأعضاء السابقين على مقاعدهم.
اذا ما نجح ( النواب الشباب ) في إثبات جدارتهم ومبادراتهم وحسن تواصلهم مع الجمهور، ربما سيؤدي ذلك الى تغييرات كبيرة في الرؤية والآيديولوجيا السياسية الكويتية التي تميل الى المحافظة في ظل نظام سياسي (ملكي-أميري) ذا سلطة مطلقة ورعاية أبوية، وربما ستثار أسئلة ولو همسا في البداية عن شرعية حكم أسرة آل الصباح (تولت الاسرة الحكم منذ عام ١٧٥٢) او التساؤل عن قدرات امير البلاد ذو الصلاحيات الواسعة جدا (ولد عام ١٩٢٩ و تولى الحكم ٢٠٠٦) الذي سيكمل ٩٠ عاما من عمره قبل نهاية السنوات الأربع للدورة الحالية لمجلس الأمة.
3- المواجهة الطائفية،
تراجع عدد النواب الشيعة من تسعة نواب في دورة المجلس السابقة الى ستة نواب في الدورة الحالية، وان كان هذا الامر طبيعي بسبب عودة المعارضة الاسلامية (السنية) للمشاركة في الانتخابات بعد مقاطعتها، الا ان بوادر المواجهة بين الطرفين بدأت تقدح شررها منذ الحملات الانتخابية بتلميحات تارة وتصريحات تارة اخرى بتسلل (صفوي) لجسد الكويت، او دعوات في وقف الزحف (الداعشي) لفكر الشباب الكويتي وغيرها، متناسين وجود ازمة امنية في البلاد لا يمكن غض النظر عنها من خلايا تنام مفتوحة العينين تنتظر الفرصة لتضرب النسيج الاجتماعي في هذا البلد الحساس من القضية الطائفية.
4- المواجهة بين التقليد والحداثة،
مازال المجتمع الكويتي تحكمه القبلية السياسية الى حد كبير، وان معظم النواب الفائزين قد وضعوا قبائلهم كهوية تعريفية بالمرشح قبل برنامجه الانتخابي، لكن هذا الواقع تحرك نحو الامام حين فازت سيدة واحدة بأكثر من ثلاثة الآف صوت أهلتها لتكون السيدة الوحيدة في مجلس أمة اكثر من ٥٣٪ من ناخبيها هم من النساء، ولعل في هذا الامر نصفين من الكأس الممتلئ منهما فوز سيدة بجدارة بعضوية مجلس بعدد أصوات كبير نسبيا، والفارغ انها سيدة وحيدة تفسر ضعف الثقة في الاداء السياسي للمرأة والميل للفكر التقليدي بأفضلية الرجال على النساء.
الكويت ذلك البلد الذي يقبع بين ثلاثة دول أصغرهما كبير بالنسبة له، السعودية وايران والعراق يرافقها صعود ترامب الى سدة البيت الابيض، وأزمات المنطقة في سوريا واليمن ومصر، مع مجلس أمة بهذا التركيب الدقيق يجعل النوم يرحل بعيدا عن عيون أمرائه وان كانت وسائدهم من ذهب.
اضف تعليق