q

هزيمة تنظيم داعش الارهابي وفي ظل الانتصارات الكبيرة التي يحققها الجيش العراقي، في معركة تحرير مدينة الموصل وكما يرى بعض الخبراء بات أمراً حتمياً، لكنها قد يحتاج الى وقت اضافي خصوصا مع اقتراب القوات العراقية، من مركز مدينة الموصل آخر معاقل داعش في العراق والتي يسكنها 1.5 مليون شخص. حيث عمد هذا التنظيم الارهابي الى اتباع تكتيكات وخطط عسكرية جديدة من أجل اعاقة تقدم القوات العراقية المشتركة، تتمثل في احتجاز العشرات من العوائل لاستخدامهم كدروع بشرية، يضاف الى ذلك شن الهجمات انتحارية في مناطق مختلفة وتمد احراق ابار النفط والمؤسسات الانتاجية، واستخدام الحرب النفسية والإعلامية المضادة من اجل مكافحة الانشقاقات ورفع معنويات مقاتليه، من خلال إعادة الترويج لمقاطع الذبح القديمة وغيرها من العمليات الاخرى.

وخلال الزحف نحو الموصل والسيطرة على قرى ومدن كانت تحت سيطرة التنظيم، اكتشف الجيش العراقي شبكة من الأنفاق في عدة مناطق، ما يعتبر تكتيكا معروفا في حرب العصابات. وتبدو تلك الأنفاق ذات طبيعة دفاعية، مصممة لحماية المسلحين من الغارات الجوية والمدفعية وغيرها. وعثر القوات داخلها على أكياس نوم ومخزونات غذائية وماء، وحتى على خيوط كهربائية لتوفير الإضاءة داخل الأنفاق. ويعتقد أن في مدينة الموصل أيضا شبكة مماثلة من الأنفاق قد تسمح لمقاتلي التنظيم وقياداتهم بالاختباء وربما مكنتهم أيضا من الفرار.

ويرى بعض الخبراء ان العمليات الانتحارية واستهداف المدنيين ربما تكون اهم خطط داعش لعرقلة تقدم الجيش العراقي، الذي يسعى الى تحرير الاهالي وانقاذهم، ويثير احتمال استخدام تنظيم داعش للمدنيين كدروع بشرية في المناطق التي يسيطر عليها، خصوصا في الموصل ذاتها، الكثير من القلق. والامر الآخر الذي يعرقل الهجوم العراقي لاستعادة الموصل لا يقل خطورة وهو القنابل التي زرعها الجهاديون على جانبي الطرق. حيث يبذل فريق الهندسة وكما نقلت بعض المصادر، جهودا حثيثة لنزع المتفجرات من الطريق المؤدي الى القرية الواقعة في محافظة نينوى.

وقف مؤقت

وفيما يخص اخر تطورات هذه المعركة فقد أوقفت وحدة من القوات الخاصة بالجيش العراقي تقدمها المستمر باتجاه الموصل مع اقترابها من المشارف الشرقية للمدينة منتظرة اقتراب قوات أخرى مدعومة من الولايات الأمريكية لتطويق أكبر مدينة يسيطر عليها تنظيم داعش في العراق. وفي محاولة لتخفيف الضغوط على مقاتليه الذين يسيطرون على المدينة شن مقاتلو التنظيم المتشدد هجمات مضادة في مختلف أرجاء البلاد وقاتلوا القوات العراقية في بلدة الرطبة على مسافة 450 كيلومترا إلى الجنوب الغربي.

ومازالت القوات الحكومية وقوات البشمركة الكردية المتحالفة معها تقاتل محاولة شق طريقها على مشارف المدينة في المراحل المبكرة من هجوم قد يصبح أكبر عملية عسكرية في العراق منذ أكثر من عشر سنوات. وكانت أولى القوات التي اقتربت من الموصل ووصلت إلى مسافة كيلومترين من ثاني أكبر مدن العراق هي قوات جهاز مكافحة الإرهاب التي دربتها الولايات المتحدة.

وتقدمت قوات جهاز مكافحة الإرهاب من جهة الشرق وأخرجت تنظيم داعش من منطقة مسيحية أخليت من سكانها منذ أن اجتاحها التنظيم المتشدد في عام 2014. ومن المتوقع أن تكون الاشتباكات القادمة أكثر صعوبة ودموية نظرا لوجود مدنيين. ومازال بالمدينة نحو 1.5 مليون من سكانها وتقول الأمم المتحدة إن أسوأ التوقعات تشير إلى احتمال نزوح مليون منهم.

وقالت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة إن القتال أجبر نحو تسعة آلاف على الفرار من منازلهم حتى الآن. وقال روبرت كولفيل المتحدث باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن مقاتلي التنظيم تردد أنهم قتلوا عشرات حول الموصل في الأسبوع الماضي. وقال كولفيل إن قوات الأمن عثرت على جثث 70 مدنيا في منازل في قرية تلول ناصر جنوبي الموصل. وأضاف أنه تردد كذلك أن التنظيم قتل 50 من أفراد الشرطة السابقين خارج الموصل.

وقد تكون حملة الموصل التي تهدف إلى سحق الشطر العراقي من دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم في الأراضي الخاضعة لسيطرته في العراق وسوريا أكبر معركة حتى الآن في 13 عاما من الاضطرابات التي بدأت بالغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003. وقال قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب إن التقدم سيتوقف للسماح لوحدات أخرى من الجيش بتحقيق تقدم مماثل وتدعيم الجبهة قبل دخول المدينة.

ويبلغ قوام القوات العراقية التي تهاجم الموصل 30 ألف فرد تساندها قوات خاصة أمريكية تحت غطاء جوي من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. ويقدر الجيش العراقي أن عدد المتشددين الذين يتحصنون بالمدينة يتراوح بين خمسة وستة آلاف فرد. وأفادت بيانات الجيش أنه تم حتى الآن استعادة 90 قرية وبلدة حول الموصل من تنظيم داعش منذ بدء الهجوم. وتتراوح المسافة من الخطوط الأمامية إلى منطقة الموصل بين كيلومترين فقط من جهة الشرق و30 كيلومترا من جهة الجنوب.

وتدور معركة أخرى في محافظة الأنبار الغربية حيث يقاتل متشددو التنظيم لصد هجوم للجيش ومقاتلين من عشائر سنية يسعون لإخراجهم من بلدة الرطبة الحدودية. وتقع الرطبة على الطريق السريع الرئيسي الواصل من بغداد بالقرب من الحدود مع الأردن وسوريا. وكانت محافظة الأنبار بؤرة صراع السنة ضد الحكومة التي يقودها الشيعة والقوات الأمريكية التي أطاحت بحكم صدام السني عام 2003. وجاء هجوم الرطبة بعد هجوم على مدينة كركوك الغنية بالنفط التي يسيطر عليها الأكراد مما دفع السلطات المحلية للبدء في طرد العرب السنة وسط مخاوف من وجود خلايا نائمة للتنظيم بينهم.

وقال عاملون في مجال المساعدات الإنسانية وسكان إن مئات من الأسر العربية السنية النازحة التي كانت تتخذ مأوى لها في محافظة كركوك التي يسيطر عليها الأكراد هربا من الصراع مع تنظيم داعش بدأت في الخروج بعد أن طلبت منها السلطات المغادرة أو مواجهة الطرد. ولجأ نحو 330 ألفا من العرب السنة إلى محافظة كركوك الغنية بالنفط خلال العامين الماضيين بعد أن اجتاح تنظيم داعش شمال ووسط وغرب العراق عام 2014. بحسب رويترز.

واقتحم مقاتلو التنظيم مراكز شرطة ومباني في كركوك وقتلوا نحو مئة من أفراد قوات الأمن والمدنيين وقتل 63 من المتشددين في المعارك. ويعتقد أن المتشددين جاءوا من الحويجة وهي جيب مازال تحت سيطرتهم غربي كركوك لكن السلطات تشتبه في أنهم تلقوا مساعدة من خلايا نائمة بين النازحين أو حتى السكان العرب السنة. وكركوك محل نزاع كبير في العراق بسبب تركيبتها السكانية المعقدة. وسيطر الأكراد على المحافظة بالكامل في عام 2014 بعد أن اجتاح التنظيم المتشدد أجزاء كبيرة من شمال البلاد وتفكك الكثير من فرق الجيش العراقي.

ابناء العشائر السنية

من جانب اخر لا يزال مصطفى محمد الذي لم يكمل عشرين عاما من العمر يعرج بعد أربعة أشهر على إطلاق مقاتل من تنظيم داعش رصاصة على ساقه ويقول إنه وهو ورفاقه من أبناء العشائر السنية مستعدون للانضمام لحملة على المتشددين في معقلهم بالموصل. ويجلس عشرات من الشبان في شاحنة بالمخيم الذي نزحوا إليه بسبب المتشددين. إنهم بعض من قوة تضم مئات رجال العشائر وسيتجهون إلى الخطوط الأمامية قريبا.

يسيطر التنظيم على أجزاء كبيرة من سوريا المجاورة واجتاح شمال وغرب العراق عام 2014. ومنذ ذلك الحين حاولت الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة تشجيع رجال العشائر السنية على الانضمام للقتال ضد التنظيم السني المتشدد. لكن انعدام الثقة العميق بين الطائفتين المهيمنتين في البلاد والذي تحول إلى صراع بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 حال دون أي تعاون مجد. وهيمن السنة على العراق في عهد صدام حسين وهم يتهمون الزعماء الشيعة بتهميشهم من خلال انتهاج سياسات طائفية وهي مزاعم تنفيها الحكومة في بغداد.

ويشير المشهد في مخيم ديبكة إلى أن الكراهية المشتركة للتنظيم تعني أن السنة مستعدون لتنحية الخلافات الطائفية جانبا في الوقت الراهن على الأقل والانضمام لمعركة الحكومة ضد عدو واحد. وربما لا يدوم هذا لفترة طويلة بعد حملة الموصل المتوقع أن تكون أكثر العمليات العسكرية تعقيدا في العراق منذ الغزو الذي أطاح بصدام عام 2003. ويعبر الشبان الصغار عن ولائهم ليس لبلدهم وإنما لزعيم عشائري سني يدعى الشيخ فارس عبد الله. حارب هو وغيره من رجال العشائر السنية تنظيم القاعدة خلال الاحتلال الأمريكي للعراق بموجب مبادرة دعمتها الولايات المتحدة وحققت نجاحا كبيرا في هزيمة القاعدة في البلاد بين عامي 2007 و2009.

لكن المتشددين أعادوا تنظيم صفوفهم تحت لواء تنظيم داعش الذي أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي قيام دولة خلافة من على منبر مسجد في الموصل عام 2014. حين بدأ التنظيم في إعدام وقطع رؤوس معارضيه كون فارس قوة سنية مقاتلة للتصدي له. واتجه مقاتلوه للتصدي للتنظيم المتشدد أملا في استعادة البلدات والقرى وواصلوا جهودهم حتى بعد أن قتل قناص فارس خلال عملية في قرية بمنطقة الموصل.

وقال علاء أحمد وهو واحد من المقاتلين ارتدى ملابس عسكرية إنهم سيفوزون بالحرب على داعش وبعد ذلك سيحكم السنة أنفسهم في منطقة خاصة بهم. وبينما انتشر الذباب حول النازحين وتجول الأطفال الصغار حفاة الأقدام على الرمل والحصى أخذ بعض المقاتلين يدخنون السجائر لقتل الوقت. ووقف البعض يتجاذبون أطراف الحديث في الأزقة. وديبكة مخيم مترامي الأطراف يتكون معظمه من مساكن مبنية بالحوائط الجاهزة تغطيها أسقف معدنية ويقع على مشارف أربيل على مسافة نحو 75 كيلومترا إلى الشرق من الموصل.

ويقود القوة حاليا الشيخ المقداد عبد الله ابن فارس وهو متفائل إزاء فرص هزيمة داعش في الموصل بل وتشكل شعور جديد بالوحدة في العراق. وقال إنه تشجع بسبب المكاسب التي حققها الجيش العراقي والمقاتلون الأكراد في مواجهة المتشددين. ويقول مسؤولو مخابرات إن المتشددين زرعوا عبوات ناسفة في مختلف أنحاء الموصل ثاني أكبر المدن العراقية. بحسب رويترز.

ويقول المقاتلون إنهم تلقوا تدريبا عسكريا أساسيا من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بما في ذلك كيفية التعامل مع البنادق الكلاشنيكوف ورصد العبوات الناسفة بدائية الصنع. ورفع سائق الشاحنة التي تقل رجال العشائر هاتفا ليعرض صورة لنفسه ومعه بندقية كلاشنيكوف بينما يقف فوق جثة محترقة لمقاتل من داعش. وقال السائق إن رجال العشائر السنة سينتصرون وإن كل أشكال الإصلاحات ستجري حتى يكون للسنة صوت.

احراق مصنع كبريت

في السياق ذاته خضع ما يصل إلى ألف شخص للعلاج من مشكلات في التنفس بسبب استنشاق أدخنة ناجمة عن حريق مصنع كبريت اشتعل أثناء القتال مع تنظيم داعش بالقرب من مدينة الموصل العراقية وقال مسؤولون أمريكيون إن أفراد القوات الأمريكية في قاعدة جوية قريبة يرتدون أقنعة واقية. وغطت سحابة من الدخان الأبيض سماء منطقة المشراق القريبة من الموصل حيث يقع مصنع الكبريت وامتزجت بأدخنة سوداء منبعثة من آبار نفط أشعلها مسلحو التنظيم لتغطية تحركاتهم.

وقال سكان والجيش الأمريكي إن مسلحي داعش أشعلوا مصنع الكبريت عن عمد أثناء تصديهم لعملية قوات الحكومة العراقية لطردهم من الموصل آخر معاقلهم الرئيسية في البلاد. وقال عبد السلام جبوري مدير مستشفى القيارة المركزي إن المستشفى استقبل ما يصل إلى ألف شخص يعانون مشكلات في التنفس. ولم ترد أي تقارير عن وفاة أي شخص في المستشفى. وأضاف جبوري أن المستشفى استقبل أطفالا وكبارا ورجال شرطة وجنودا كانوا جميعا يعانون مشكلات في التنفس والتهابات في العيون.

وقاعدة غرب القيارة الجوية هي المركز الأمريكي الرئيسي لمساندة العمليات التي يقودها العراق لاستعادة مدينة الموصل من أيدي داعش. وهناك نحو 5000 جندي أمريكي في العراق لكن الجيش الأمريكي لم يكشف عن عدد قواته في القاعدة الجوية. وقال مسؤول طلب عدم نشر اسمه "تحركت الرياح بالفعل جنوبا وكإجراء احترازي وضعت القوات في غرب القيارة معداتها الوقائية الشخصية وتواصل عملياتها في هذا الوقت."

وفي غرفة فحص بمستشفى القيارة كان طفل يرقد في سريره وهو يعاني من استنشاق أدخنة الكبريت ويصرخ ويسعل بينما يثبت والده قناع أوكسجين على وجهه. وقال ممرض يدعى صدام أحمد وهو يرتدي قناع أوكسجين يحميه من الأدخنة إن معظم المرضى أخذوا جرعات أوكسجين ونصحوا بالابتعاد عن المناطق التي توجد بها الأدخنة. وقال علي أحمد خلف (38 عاما) وهو يعيش في قرية مجاورة إنه نقل عائلته إلى القيارة للهرب من الأدخنة. وقال شاهد عيان "رأيت رجلا مسنا أصيب بصدمة وتوفي من الدخان." بحسب رويترز.

وقال مسؤول أمريكي آخر إن عينات من الهواء في محيط قاعدة غرب القيارة أرسلت إلى وكالة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية لتحليلها لمعرفة "إن كان هناك ما يقلق في النتائج". وقال مسؤولون أمريكيون إن تنظيم داعش أشعل النيران في مصنع للكبريت أثناء القتال حول المشراق جنوبي الموصل. وقال التلفزيون العراقي الرسمي إن الحريق أخمد. وذكر بيان صادر عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أنه جرى توفير أكثر من 24 ألف قناع واق من المواد الكيماوية لقوات الأمن العراقية وحلفائها من مقاتلي البشمركة أثناء التدريب على عملية الموصل. وفي سياق منفصل قال التحالف إن قاعدة القيارة بدأت في تسلم طائرات شحن بعد إصلاحها علي يد مهندسي القوات الجوية الأمريكية.

اضف تعليق