تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لإسرائيل قيمتها 38 مليار دولار على عشرة أعوام في أكبر حزمة مساعدات في التاريخ الامريكي وفقا لاتفاق كشف النقاب عنه قبل أيام وتم توقيعه في منتصف ايلول سبتمبر. وقال مسؤول أمريكي كبير إن الاتفاق يتيح لإسرائيل تحديث معظم طائراتها المقاتلة وتحسين قدرات قواتها البرية وتعزيز نظم دفاعاتها الصاروخية.

وقال مسؤولون من الطرفين كليهما إنه بينما تمثل الحزمة أكبر مساعدات عسكرية أمريكية على الإطلاق لأي بلد إلا أنها تستلزم تنازلات من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقال المسؤول إن التنازلات تشمل وعدا من إسرائيل بعدم السعي للحصول على أموال من الكونجرس غير ما سيخصص سنويا في الحزمة الجديدة وإنهاء تدريجيا لاتفاق خاص سمح لإسرائيل بإنفاق جزء من المساعدات الأمريكية على صناعاتها الدفاعية الخاصة بدلا من شراء أسلحة أمريكية الصنع.

وسلطت المفاوضات بشأن المساعدات التي استمرت لنحو عشرة أشهر الضوء على استمرار الخلاف بين الرئيس باراك أوباما ونتنياهو فيما يتصل بالاتفاق النووي الذي قادت الولايات المتحدة الجهود لإبرامه مع إيران العدو اللدود لإسرائيل. كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل على خلاف بشأن القضية الفلسطينية.

وقال مسؤولون من الجانبين إن نتنياهو رأى أنه سيكون من الأفضل إبرام اتفاق جديد مع أوباما الذي يغادر منصبه في يناير كانون الثاني بدلا من التطلع للحصول على شروط أفضل من الإدارة الأمريكية القادمة. وسيسمح له الاتفاق الجديد بتفادي الغموض المحيط بالرئيس القادم سواء كانت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أو المرشح الجمهوري دونالد ترامب كما يعطي المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية القدرة على التخطيط مسبقا.

وكان مساعدو أوباما يريدون عقد اتفاق جديد قبل انتهاء ولايته الرئاسية باعتبار أنه سيكون جزءا مهما من تركته. ويتهم منتقدون جمهوريون الرئيس الديمقراطي بأنه لا يولي اهتماما كافيا لأمن إسرائيل وهو ما ينفيه البيت الأبيض بشدة كما يتهمونه أيضا بتبني موقف متشدد للغاية من رئيس الوزراء الإسرائيلي. وتغطي مذكرة التفاهم التي تبلغ قيمتها 38 مليار دولار السنوات المالية من 2019 إلى 2028 وتحل محل مذكرة التفاهم الحالية البالغة قيمتها 30 مليار دولار والتي تنتهي بنهاية السنة المالية 2018.

وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في بيان مكتوب "إنني ورئيس الوزراء (بنيامين) نتنياهو على ثقة بأن مذكرة التفاهم الجديدة ستقدم مساهمة كبيرة لأمن إسرائيل في جوار ما زال خطيرا".

وقع على الاتفاق في وزارة الخارجية وكيل وزارة الخارجية الأمريكية توماس شانون والقائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية جاكوب ناجل. وقال البيت الأبيض إن الصفقة تشمل:

- مدفوعات سنوية بقيمة 3.3 مليار دولار فيما يسمى بتمويل عسكري أجنبي يستخدم بالكامل في شراء معدات أمريكية.

- 500 مليون دولار سنويا لتمويل الدفاع الصاروخي الإسرائيلي وهي أول مرة يدرج فيها رسميا في حزمة المساعدات.

- إنهاء تدريجي لاتفاق خاص سمح على مدى عقود لإسرائيل باستخدام 26.3 بالمئة من المساعدات في صناعاتها الدفاعية بدلا من الأسلحة الامريكية الصنع.

- إلغاء بند مدرج منذ وقت طويل سمح لإسرائيل باستخدام نحو 13 في المئة من المساعدات الأمريكية في شراء وقود عسكري.

- يسمح التمويل لإسرائيل بتحديث "حصة الأسد" في ترسانتها من الطائرات المقاتلة بما في ذلك شراء مقاتلات هجومية إضافية من طراز إف-35. ومن المقرر أن تتسلم إسرائيل 33 مقاتلة إف-35 وسيكون تسليم أول اثنتين من تلك المقاتلات في ديسمبر كانون الأول.

لو لم يغضب البيت الابيض

ودافع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عن رزمة المساعدات الاميركية الجديدة لإسرائيل بعد ان اعتبر خصومه ان اسرائيل كان يمكن ان تحصل على رزمة اكثر سخاء لو لم يقم بإغضاب البيت الابيض.

وقال نتانياهو في بدء الاجتماع الاسبوعي لحكومته "هذه هي اكبر رزمة من المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لأي دولة في تاريخها وهذه الاتفاقية تشكل دليلا على عمق ومتانة العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة". وكان نتانياهو يرد على خصومه السياسيين الذين اكدوا ان الدولة العبرية كانت ستحصل على رزمة اكبر من المساعدات كتعويض على المخاطر الجديدة التي تقول اسرائيل انها تواجهها بسبب الاتفاق النووي مع عدوتها اللدودة ايران.

وقام نتانياهو بحملة علنية صاخبة ضد الاتفاق النووي مع ايران الذي دعمه الرئيس الاميركي باراك اوباما. وزار نتانياهو في ذلك الحين واشنطن سعيا لعرقلة الاتفاق الذي كان يجري التفاوض بشأنه، وألقى كلمة أمام الكونغرس بدعوة من الجمهوريين اعتبرها البيت الأبيض تدخلا غير مسبوق في شؤون الولايات المتحدة.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ايهود باراك اكد في مقالة في صحيفة واشنطن بوست ان "سلوك نتانياهو المتهور...عرض امن اسرائيل للخطر". واضاف ان "اسرائيل ستتلقى 3,8 مليارات دولار سنويا، وهي مساهمة مهمة في امننا لكنها اقل بكثير مما كان يمكن ان نحصل عليه قبل ان يقرر رئيس الوزراء التدخل بشكل سافر في الشؤون السياسية الاميركية".

ومن جهتها، اكدت النائب شيلي يحيموفيتش من حزب العمل المعارض ان "نتانياهو ابلغ قادة المؤسسة الامنية انهم سيحصلون على 5- 6 مليارات دولار سنويا لم يتبق منها سوى 3,8 مليار دولار". وكتبت في تغريدة على موقع تويتر "هذه نتيجة للسلوك المتغطرس والفشل في قراءة الخريطة ولاعتبارات مختصة بالحملة (الانتخابية)".

واكد نتانياهو انه "لم يعرض علينا أبدا مبلغ أكبر. لم يعرض علينا حتى دولار إضافي واحد ولم تعرض علينا تكنولوجيات خاصة. هذه تشويهات وافتراءات". ووصف نتانياهو هذه التصريحات بانها "نكران للجميل حيال اكبر وافضل صديقة لنا وهي الولايات المتحدة".

مازق الصناعة العسكرية

يواجه قطاع الدفاع الإسرائيلي تسريح عاملين وإغلاق مصانع وتدافعا لفتح منافذ بيع في الولايات المتحدة بعد توقيع الاتفاق الجديد للمساعدات العسكرية الامريكية يزيل تدريجيا قدرة إسرائيل على إنفاق ربع أموال المساعدات على صناعاتها الدفاعية.

ومن أهم هذه التنازلات الموافقة على الاتفاق الجديد الموافقة على إلغاء تدريجي لبند يسمح لإسرائيل بإنفاق 26.3 بالمئة من التمويل على قطاعها الدفاعي الذي ينافس بقوة شركات أمريكية مثل بوينج ولوكهيد مارتن وجنرال دايناميكس ورايثيون.

ويعني ذلك أن شركات الدفاع الإسرائيلية ستحرم من حوالي عشرة مليارات دولار كان يمكن إنفاقها على طائرات بدون طيار وصواريخ ودبابات ومعدات أخرى محلية الصنع استنادا إلى الصياغات الدقيقة لبند الإلغاء التدريجي التي مازالت غير واضحة. وفور استكمال الإلغاء التدريجي سيتعين إنفاق كل الاموال الواردة في الاتفاق في الولايات المتحدة.

وقال مسؤول من قطاع الدفاع الإسرائيلي طلب عدم نشر اسمه "إنها مشكلة كبيرة... الشركات الأكبر حجما والأكثر تقدما وذات التكنولوجيا والقدرات الأفضل هي وحدها التي ستتمكن من البقاء لكن كلما صغر حجم الشركة فإن المشكلة ستكون أكبر". ورفض مكتب نتنياهو التعليق على التداعيات المحلية لاتفاق المساعدات لكنه قال إن الاتفاق "سيعزز بدرجة كبيرة أمن إسرائيل".

ولدى إسرائيل نحو 700 شركة تعمل في مجالات الدفاع أغلبها يتراوح عدد العاملين فيها من 50 إلى 150 عاملا. وهي بالأساس شركات مقاولات من الباطن لأكبر أربع شركات دفاعية إسرائيلية وهي البيت سيستمز وإسرائيل ايروسبيس إنداستريز وإسرائيل ميلتري إنداستريز ورافايل أدفانسد ديفنس سيستمز. وبلغت قيمة صادرات إسرائيل الدفاعية 5.7 مليار دولار في 2015 أو حوالي 14 بالمئة من إجمالي الصادرات وهي محرك رئيسي للاقتصاد.

الخيارات

ومن الخيارات المطروحة أن تفتح الشركات الكبيرة فروعا لها في الولايات المتحدة مثلما فعلت شركة البيت سيستمز لتعويض خسائر الأعمال. ويمكنها أيضا ان تشتري شركات أمريكية صغيرة الحجم. وعلى حد تعبير أحد المسؤولين التنفيذيين "يمكن أن يترجم ذلك إلى فرصة أمام الصناعة الإسرائيلية التي يجب أن تفتح أسواقا جديدة وتحسن قدراتها التنافسية".

وأضاف قائلا "يجب أن نواجه الاتجاهات العالمية وحقيقة أن إسرائيل تفقد قدرتها على المنافسة" قائلا ان الشركة التي يعمل بها ستقوم "بتسريع عملية" البحث عن شركة أمريكية لشرائها.

ومما يثير القلق أيضا فقدان معرفة تقنية إسرائيلية مع احتمال ذهاب مهندسين وعلماء في مجال الطيران والفضاء إلى الخارج إذا حدث انخفاض في الإنفاق والاستثمار الداخلي.

وقال المسؤولون إنهم يأملون عندما يحين الوقت أن تكون الحكومة قد أوجدت حوالي مليار دولار إضافية سنويا مطلوبة للإبقاء على أنشطة القطاع في ظل شروط الاتفاق رغم أن هذا المبلغ قد يكون من الصعب توفيره بالنظر إلى المناخ السياسي المتصدع.

ويقول اتحاد المصنعين الإسرائيليين إن خفضا بمقدار مليار شيقل (265 مليون دولار) فقط في ميزانية الدفاع من شأنه أن يقود إلى تسريح أكثر من ألفي عامل معظمهم من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعتمد في بقائها على طلبيات من مؤسسة الدفاع الإسرائيلية.

وقال مصدر مقرب من نتنياهو لوكالة رويترز إن رئيس الوزراء لا يتوقع إغلاق أي من شركات الدفاع الصغيرة الحجم وأشار إلى إن التغييرات في إجراءات الشراء لن تتم إلا في الوقت المحدد لها. وفيما يتعلق بالسياسة الداخلية تعرض الزعيم اليميني لانتقادات بشأن الاتفاق الجديد من منتقدين منهم وزير الدفاع السابق إيهود باراك الذي قال إن مجاهرة نتنياهو بمعارضته للاتفاق النووي مع إيران الذي قادته الولايات المتحدة العام الماضي أضاعت فرص اتفاق دفاعي أكبر. لكن مع حالة عدم اليقين التي تحيط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تحتدم فيها المنافسة حرص نتنياهو على إتمام الاتفاق الذي يحل محل الاتفاق السابق الذي قيمته 30 مليار دولار والذي ينتهي مع نهاية السنة المالية 2018.

وتوقع افراهام بار دافيد الجنرال السابق الذي يعمل مع نحو 200 من شركات الدفاع الإسرائيلية الصغيرة من خلال اتحاد المصنعين أن ما بين 70 إلى 100 من تلك الشركات لن تنجو من تقييد المشتريات المحلية. وقال "هذه الشركات أصغر من أن تبيع (منتجاتها) في الخارج".

اضف تعليق