q

شهدت العاصمة الشيشانية (غروزني) في اليوم الخامس والعشرين إلى السابع والعشرين من شهر آب/أغسطس، انعقاد مؤتمر تحت عنوان: "من هم أهل السنة؟". وقد شهد المؤتمر حضوراً لعلماء من مختلف أقطار العالم الإسلامي. وقد انهى المؤتمر أعماله ببيان ختامي، أحدث جدلاً واسعاً -بعد الإعلان عنه في وسائل الإعلام- وأخذ كل تيار يعمل على توظيفه بحسب ما تمليه عليه مصالحه وتوجهاته.

سوف نتناول في هذا التقرير الرؤية الإجمالية لهذا المؤتمر مع بيان ردود الأفعال المختلفة تجاه البيان الختامي الذي تمخض عنه.

1 - المؤتمر:

أقيم مؤتمر "من هم أهل السنة؟" برعاية مؤسسة رسمية في الجمهورية الشيشانية. وكان أكثر المشاركين في هذا المؤتمر -الذي أقيم برعاية من رئيس الجمهورية الشيشانية (رمضان أحمد قديروف)- من الاتجاهات غير السلفية وغير المتطرّفة. ومن ناحية أخرى كان لأصحاب الاتجاهات الصوفية والمعتدلة حضورا أكبر. فعلى سبيل المثال كانت مؤسسة طابا -التي تمتلك مكتباً مركزياً لها في الإمارات العربية المتحدة- والتي تم تأسيسها من قبل الشيخ حبيب علي الجفري -وهو عالم دين صوفي من اليمن- من المراكز المشاركة في إقامة هذا المؤتمر.

وقد شهد العقد المنصرم إقامة مثل هذه المؤتمرات، بعد ارتفاع حدّة النزاعات الطائفية والمذهبية في العالم الإسلامي، واتضاح دور التيار السلفي الجهادي وقدرته على اجتذاب وتطويع الشباب من مختلف البلدان العربية [وغيرها]، بدأنا نشهد اهتماماً بعقد مثل هذه المؤتمرات في إطار رفع المشروعية عن هذه التيارات وسحب فتيل النزاعات المذهبية والطائفية. وشهدت كل من مصر وعمان في عام 2010 م استضافة مؤتمرات شبيهة بهذا المؤتمر. وكانت البيانات الختامية لتلك المؤتمرات تطالب بعدم الاعتراف بالتيارات المتطرّفة والتكفيرية في العالم الإسلامي، وتغليب الدعوات المطالبة بالوحدة بين بلدان العالم الإسلامي. وربما كان البيان الختامي الأمثل هو ذلك الذي صدر عن مؤتمر مسقط. فقد اعترف المشاركون في هذا المؤتمر بجميع الفرق والمذاهب الإسلامية، ورفضوا التكفير.

2 - البيان الختامي:

بعد انتهاء الخطب والعديد من الاجتماعات، قرئ البيان الختامي من قبل الهيئة الرئاسية، وقد تضمن هذا البيان خلاصة بأهم البنود والتوصيات التي توصل إليها المؤتمرون. واشتمل نص البيان الختامي على ستة بنود وإثنتى عشرة توصية. ويمكن لنا بيان خلاصة بأهم المسائل الواردة في البيان الختامي على النحو الآتي:

أ - أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية -ومنهم أهل الحديث المفوّضة- في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الفقه، وأهل التصوّف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكية على مسلك الإمام الجنيد وأمثاله من أئمة الهدى.

ب - منهج أهل السنة والجماعة هو أجمع وأدق مناهج أهل الإسلام وأتقنها، وأشدّها إحكاماً، وأكثرها عناية بانتقاء الكتب العلمية ومنهجيات التدريس التي تعبّر تعبيراً صحيحاً عن طريقة العقل المسلم في إدراك الشرع الشريف.

ج - قامت تلك المدارس العلمية المعبّرة عن أهل السنة والجماعة عبر قرون كثيرة بتخريج مئات الألوف من العلماء والخريجين، الذين انتشروا في آفاق الدنيا من سيبيريا إلى نيجيريا، ومن طنجة إلى جاكرتا، وتولوا الرتب والمناصب المختلفة، مع الإفتاء والقضاء والتدريس والخطابة؛ فاستفاض بهم الأمان في المجتمعات، وأطفأوا نيران الفتن والحروب، واستقرت بهم الأوطان، وانتشر بهم العلم والوعي الصحيح.

د - ظل أهل السنة والجماعة عبر التاريخ يرصدون كل فكر منحرف، ويرصدون مقالات الفرق ومفاهيمها، ويقيمون لها موازين العلم والنقد والتفنيد، ويُظهرون الإقدام والحزم في مواجهة مظاهر الانحراف، ويستخدمون أدوات العلوم الرصينة في التمحيص والتصويب، فكلما نشط منهجهم العلمي انحسرت أمواج التطرّف، واستقام الأمر للأمة المحمدية؛ لتتفرّغ وتنصرف لصناعة الحضارة.

3 - توصيات المؤتمر:

إن بعض توصيات المؤتمر الإثنتى عشرة يمكن بيانها على النحو الآتي:

أ - إنشاء قناة تلفزيونية توصل صورة الإسلام للعالم، وتحارب التطرّف والإرهاب.

ب - العناية والاهتمام الضروريان بقنوات التواصل الاجتماعي، وتخصيص ما يلزم من الطاقات والخبرات للحضور في تلك الوسائط حضوراً قوياً فاعلاً.

ج - رفع مستوى الاهتمام والعناية بتدريس كافة العلوم الإسلامية - وخاصة علمي أصول الفقه والكلام - لضبط النظر وتصحيح الفكر، وتفنيد مقولات التكفير والإلحاد.

د - يوصي المؤتمر الحكومات بتشريع قوانين تجرّم نشر الكراهية والتحريض على الفتنة والاحتراب الداخلي والتعدي على المؤسسات.

ه- - توجيه النصح للحكومات بضرورة دعم المؤسسات الدينية والمحاضن القائمة على المنهج الوسطي المعتدل.

4 - ردود الأفعال على البيان الختامي:

شكل البيان الختامي مادة لنزاع وجدل لا يزال متواصلاً حتى هذه اللحظة. ولو كان العالم الإسلامي يعيش في ظل ظروف طبيعية من الاستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي لما أدى الأمر إلى احتدام مثل هذا النزاع. ولو أخذنا بنظر الاعتبار اشتمال البيان الختامي على اسم الحنابلة بوصفهم جزءاً من أهل السنة -وحيث ان السلفيين يرون أنفسهم من الحنابلة- كان بالإمكان اعتبار عدم التصريح بلفظ "السلفية" مجرّد سوء تفاهم. بيد أنه بالالتفات إلى وجود الكثير من الشروخ، والأزمات المعقدة في العالم الإسلامي، فإن كل مسألة -مهما كانت بسيطة - سوف تتخذ ذريعة للنزاع والجدال والانتقاد. وإن هذا النوع من النزاع يعبّر -في الدرجة الأولى- عن الواقع المرير للتخلف المدقع الذي يعاني منه العالم الإسلامي. وقد كان الأزهر الشريف هو المؤسسة الأولى التي بينت ردّة فعلها تجاه هذا المؤتمر. حيث بادر الأزهر -الذي أعد نفسه للحضور في هذا المؤتمر على أعلى المستويات- إلى وصف البيان الختامي لهذا المؤتمر بخلوّه من الإشكال، وأرجع سوء الفهم بشأنه إلى الحالة المزرية السائدة في شبكات التواصل الاجتماعي.

وقد حضر هذا المؤتمر من الجمهورية المصرية شخصيات علمية، من أمثال: فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب -الإمام الأكبر وشيخ الأزهر- والسيد محمود الشريف - العضو في البرلمان المصري ونقيب الأشراف - وفضيلة الشيخ عبد الهادي القصبي - شيخ مشايخ الطرق الصوفية والنائب في البرلمان المصري - وكذلك الدكتور أسامة الأزهري - مستشار رئيس الجمهورية المصرية - أيضاً.

وقد أشار الدكتور أحمد الطيب في الكلمة الافتتاحية لهذا المؤتمر -والتي استهلها بالتحذير من ظاهرة العولمة- إلى ما تقوم به الجماعات الإرهابية من المذابح والإبادات الجماعية، معتبراً نسبة هذه الأعمال إلى أهل السنة، أمراً باطلاً. وقد وصف الذين يتخذون من أجساد المسلمين وسيلة للوصول إلى مآربهم السياسية المشؤومة بأنهم يعملون على مصادرة عنوان أهل السنة والجماعة. واستطرد قائلاً: إن أتباع أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي، هم الذين يمكن إطلاق عنوان أهل السنة عليهم. وقد واجهت هذه الكلمة، وكذلك البيان الختامي لهذا المؤتمر، ردود فعل شاجبة ومستنكرة من بعض التيارات السلفية.

إثر ذلك أصدر الأزهر الشريف بياناً يوضح فيه أن الإمام الأكبر فضيلة الشيخ أحمد الطيب لم يزل يؤكد على وحدة كلمة المسلمين، وأنه قد أكد على ذلك حتى في كلمته الافتتاحية التي ألقاها في هذا المؤتمر أيضاً. كما أكد في كلمته على أن أهل السنة هم: الماتريدية والأشاعرة وأهل الحديث.

كما سعى بعض العلماء الآخرين من أعضاء الأزهر الشريف إلى تهدئة الأجواء من خلال إبداء بعض الملاحظات على بعض عبارات البيان الختامي، والتنصّل منها بالقول إنه لم تتم استشارتهم بشأنها.

وقد ذهب بعض السلفيين في مصر ممثلين بحزب النور إلى اعتبار هذا المؤتمر محاولة لسرقة عنوان أهل السنة والجماعة. واعتبره الدكتور ياسر البرهامي مؤامرة تهدف إلى إخراج جميع السلفيين من ربقة أهل السنة والجماعة.

ويجب اعتبار ردّة فعل الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي هي الأهم في هذا السياق. حيث عمد -بوصفه رئيساً لهيئة كبار علماء المسلمين- إلى إصدار بيان نشره على موقعه الخاص، وقد انعكس في المواقع السلفية والسعودية على نطاق واسع. ومما ذكره في هذا البيان:

"لقد تناقلت وسائل الإعلام خبر انعقاد مؤتمر إسلامي في جروزني عاصمة الشيشان -إحدى الولايات التابعة لروسيا الاتحادية- برعاية رئيس الشيشان التابع لحكومة روسيا في الوقت الذي تقتل فيه الطائرات والصواريخ الروسية إخواننا السوريين وتزهق أرواحهم".

وقد جاءت هذا الكلمات منه في الحقيقة لإثارة المشاعر المناهضة للروس، ليعمل من خلال ذلك على تصنيف الشيشان وروسيا في سياق واحد، في إيحاء منه إلى المخاطب بأن الذي يتسبب بقتل المسلمين في سوريا هم الذين أقاموا هذا المؤتمر.

وفي الخطوة التالية - التي اتخذها القرضاوي من خلال التشكيك في الأهداف والغايات المعلنة للمؤتمر - أضاف قائلاً:

"ثم جاء البيان الختامي معبّراً عن هوّة سحيقة يحياها المؤتمرون والرعاة لهذا المؤتمر؛ فبدلاً من أن يسعى لتجميع أهل السنة والجماعة... إذا به ينفي صفة أهل السنة عن أهل الحديث والسلفيين من الوهابيين". وبذلك فقد اعتبر هذا النوع من التعامل، نقضاً للهدف، ورأى أن أهل الحديث جزء لا يتجزأ من أهل السنة.

بيد أن الشيخ القرضاوي لم يقف عند هذا الحد، بل كان كلما تقدم في كتابة بيانه يزيد من لهجته التصعيدية، وكأنه لم يعد بإمكانه السيطرة على جماح القلم؛ حيث توجه بالخطاب إلى المشاركين في هذا المؤتمر مطالباً إياهم بقوله:

"لم نسمع ممن نصّبوا أنفسهم ممثلين لأهل السنة والجماعة كلمة اعتراض على ما تقوم به إيران وأذنابها من ميليشيات حزب الله في سوريا، والحوثيين في اليمن من قتل واستباحة وتدمير، وبعث الدعاة في أفريقيا وآسيا لتضليل أهل السنة، ولا كلمة إنكار لما تقوم به روسيا ومن يدور في فلكها.. ولنا أن نتساءل: هل سنسمع لكم صوتاً ضد الشيعة والنصيرية في سوريا واليمن والعراق؟!".

ونوّه القرضاوي في ختام بيانه هذا إلى مشاركته السابقة في مؤتمر "الإسلام دين السلام والمحبة" في عام 2010 م، في الشيشان، معرباً عن أسفه لمدحه رئيس الجمهورية الشيشانية في كلمته التي ألقاها في ذلك المؤتمر!

إن ردّة الفعل هذه تعدّ من أكثر ردود الأفعال الصادرة عن السلفيين تجاه هذا المؤتمر تطرّفاً. وعلى الرغم من أن هذه الحادثة لا تعتبر الأولى من نوعها فيما يتصل بالنزاع والتضارب بين وسائل الإعلام في البلدان الإسلامية. ولكن يمكن لنا أن نسجل عليها، بعض النقاط التحليلية، وذلك على النحو الآتي:

النقطة الأولى:

يقام مؤتمر تحت عنوان "من هم أهل السنة". وكأن هذا المفهوم من التعقيد بحيث يحتاج إلى إقامة مؤتمر يضم أكثر من مئتي عالم من شتى أقطار العالم لاكتشاف هذا الأمر البالغ الأهمية، وتحديد من هم أهل السنة! الأمر الذي يحمل دلالة بالغة على أن العالم الإسلامي يعاني من فقر مفهومي ومن اضطراب وأزمة مفهومية، حتى أضحت أبسط المفاهيم بحاجة إلى إعادة تعريفها مجدداً. ومن ناحية أخرى فإن وجود هذا النزاع وأهميته يثبت أن العالم الإسلامي يعاني من أزمة بالغة التعقيد، وقد تجلت أزمة الهوية في هذا النزاع على نحو واضح، حيث تتأرجح البلدان الإسلامية بين الهوية الحديثة والهوية التقليدية، حتى يعود بمقدورها إيضاح موقفها وحسم الجدل والنزاع بشأنها.

إن أزمة الهوية إنما تطرح نفسها عندما يدرك المجتمع أن ما كان يطرحه -بشكل قاطع لا يقبل النقاش والجدل- بوصفه معبراً عن الهوية الجماعية له، لم يعد مقبولاً في ظل الظروف والشرائط التاريخية الراهنة. ولكي يصل النظام السياسي في ظل المتغيرات الجديدة إلى التعرّف على شكله الجديد، لابد أن يعمل المشاركون فيه على إعادة تعريفه مجدداً، وذلك من خلال التعريف بشخوصهم ومواطن اختلافهم عن سائر الأنظمة السياسية أو الاجتماعية الأخرى. وإن الكثير من الدول - ولا سيما بلدان العالم الثالث - تعاني من معضلة عدم تبلور هويتها الجماعية في حدود دائرتها السياسية. إن تكوين الشعور المشترك بين أفراد هذه الدول بما يمكنهم من تمييز أنفسهم من سائر الدول الأخرى، قد تأخّر إلى حدّ كبير.

إن عدم تبلور الهوية الجماعية لتنظيم الدول على المستوى السياسي من الأهمية والخطورة بحيث يعدّ واحداً من أهم الأمور الممهدة لخلق الأزمات لتلك الدول. ويمكن للجدل القائم حول مفهوم أهل السنة أن يبيّن في إطار إعادة الهوية لأهل السنة، واستعادة هوية البلدان الإسلامية أيضاً.

النقطة الثانية:

إن الشرخ الحاصل بعد صدور البيان الختامي لمؤتمر "من هم أهل السنة"، والذي ظهرت تجلياته على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي والصحافة والإعلام المكتوب والمصور في العالم الإسلامي، أثبت وجود نزاع عميق في العالم الإسلامي حول الزعامة والقيادة المعنوية والروحية للعالم الإسلامي. حيث يسعى القطبان في العالم السني - وهما: الأزهر الشريف في مصر، والوهابية بمحورية المملكة العربية السعودية - إلى تعريف نفسيهما بوصفهما الركن الرئيس في القيادة والزعامة الروحية للعالم الإسلامي. فمنذ عقود والمملكة العربية السعودية تسعى من خلال إنفاق مليارات الدولارات -فيما يعرف بـ (البترو/إسلام)- إلى تعريف نفسها في العالم الإسلامي، كي تتمكن في ظل ذلك من ضمان مصالحها السياسية، وترفع من رصيدها الجيوسياسي في المنطقة.

وأما مصر -التي تعاني منذ سنوات من تواجد القوى الإسلامية، من أمثال: جماعة الإخوان المسلمين والجهاد وغيرهما من الجماعات المسلحة وغير المسلحة- قد خرجت لتوها من تداعيات الثورة. وبعد الثورة وترسيخ دعائم الحكم، أخذت مصر بدورها تتجه -بعد حل مشاكلها الداخلية في حقل الاقتصاد والسياسة- إلى تعريف نفسها بوصفها مركز ثقل العالم الإسلامي لأهل السنة أيضاً. هذا في الوقت الذي تسعى فيه إيران أيضاً -بوصفها مهداً لثورة إسلامية ملهمة- إلى طرح نفسها لا بوصفها حاضنة للتشيع فحسب، بل بوصفها قطباً إسلامياً لا يمكن إنكاره.

إن النزاع الذي احتدم إثر صدور البيان الختامي لمؤتمر غروزني، يعكس عدم الاعتراف بحصة كل واحدة من القوى الروحية في العالم الإسلامي. ولا سيما أن بعض القنوات الإخبارية الداخلية لإيران من خلال نقل الأصداء الموجّهة عن هذا المؤتمر، سعت إلى الإيحاء للمخاطب بأن المسلمين في العالم لا يعترفون بالسلفية أيضاً. هذا في حين أن السلفية تشكل حالياً الأكثرية العددية والكيفية في العالم الإسلامي. وبعبارة أوضح: إن هذا النزاع يبيّن عدم تقسيم القوى، وكذلك عدم توزيع الأقطاب، وعدم تثبيت مواقع البلدان المتنافسة، بشكل أوضح.

النقطة الثالثة:

إن هذا النزاع -سواء أكان منطلقاً من سوء فهم أو ناشئاً من اختلاف كلامي حقيقي، أدى إلى نوع من المواقف وردود الأفعال والإجابات عن الوقائع- يحكي عن أن المؤسسات العلمية والدينية في البلدان الإسلامية تفتقر إلى الاستقلال عن القوى الحاكمة في بلدانها. وبعبارة أخرى: إن ظهور هذا النزاع يثبت أن المؤسسات والمنظمات الدينية التي تقيم هذا النوع من المؤتمرات، ترزح تحت تأثير المصالح السياسية للقوى الحاكمة. إذ لو كان لمؤسسة مذهبية وعلمية هدفاً كبيراً يتجاوز الحدود الوطنية (من قبيل: الدعوة إلى الصلح والتعايش السلمي بين مختلف المذاهب) يجب عليها لضمان النجاح، أن تعمل بعيداً عن تأثير العلاقات والمصالح السياسية الوطنية الضيّقة. هذا في حين أن جميع هذه المؤسسات والمنظمات الرسمية والدينية إنما تمثل مصالح بلدانها، وتضع المصالح العامة للعالم الإسلامية في الدرجة الثانية من الأهمية.

كما كان النزاع بين قطبي روسية وإيران وحلفائهما من جهة، والمحور الثاني ممثلاً بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة أخرى حاضراً في هذا المؤتمر بشكل ملحوظ. إن عدم الاستقلال في اتخاذ القرار، وكذلك التبعية في الميزانية وسائر الإمكانات اللازمة لإقامة مثل هذه المؤتمرات، يفقدها التأثير الحقيقي والعملي الملموس للتخفيف من حدّة الصراعات المذهبية. إن هذا النوع من المؤتمرات يمثل في العادة مناورة لعرض العضلات، ومجموعة من الشعارات التي يتم رفعها للاستهلاك المحلي والداخلي لا أكثر.

يجب على المراكز العلمية والدينية للعالم الإسلامي قبل كل شيء -إذا أرادت أن يكون لها ذلك التأثير الإيجابي على المسار الراهن، للتقليص من الهوّة والشرخ المذهبي والطائفي- أن تثبت استقلاليتها، كي تكتسب ثقة الجماهير والأفكار العامة في العالم الإسلامي، وتحصل بذلك على رصيد جماهيري عريض، ليكون بإمكانها في الخطوات اللاحقة العمل على حل المشاكل العالقة في العالم الإسلامي. وحالياً لا تتمتع أي مؤسسة علمية أو دينية في العالم الإسلامي بتلك الشعبية والمشروعية اللازمة والكافية بين أوساط الرأي العام الإسلامي للتأثير على العلاقات السياسية في المنطقة.

اضف تعليق