من أبرز المحطات التاريخية لقضية البقيع رد المسؤولين السعوديين على الطلب المُلحّ للشهيد السيد حسن الشيرازي لإعادة بناء مراقد أئمة البقيع في سبعينات القرن الماضي، بأنهم "لا مانع لديهم بشرط أن يصطحب معه كتاب رسمي من الدولة الايرانية او العراقية في طلب إعادة البناء...

من أبرز المحطات التاريخية لقضية البقيع رد المسؤولين السعوديين على الطلب المُلحّ للشهيد السيد حسن الشيرازي لإعادة بناء مراقد أئمة البقيع في سبعينات القرن الماضي، بأنهم "لا مانع لديهم بشرط أن يصطحب معه كتاب رسمي من الدولة الايرانية او العراقية في طلب إعادة البناء.

طبعاً؛ بغض النظر عن ظاهر الطلب التعجيزي الذي جاء للخلاص من شدّة الاحراج والضغط الذي مارسه الشهيد الشيرازي آنذاك، والتفاصيل موجودة في سيرة حياته، فان الرسالة البليغة لنا من تلك الواقعة التي مضى عليها اكثر من اربعين عاماً، المسؤولية الجماعية لكل موالي ومحب لأهل بيت رسول الله، ويطالب بإعادة بناء هذه المراقد، بأن يحوّل الكلام الى فعل، ونخصّ بالذكر الحوزة العلمية و رجالاتها في العراق وايران في ظل الظروف الراهنة التي لا تشبه مطلقاً ظروف وأوضاع سني السبعينات من القرن الماضي.

موقف علماء الشيعة مما يجري في غزّة أذهل الرأي العام العالمي، وأحرج وسائل الاعلام، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي الحريصة على عدم إزعاج الحكام الصهاينة بنشر صور ووقائع الاحداث هناك، وحظر الصفحات المروجة للصور او الاسماء المثيرة للمشاعر ضد المحتلين وما يقومون به من جرائم منكرة ضد الاطفال والنساء، وإبادة جماعية مريعة، هذا الى جانب الموقف الانساني من النازحين والمشردين من سوح المعارك في فلسطين ولبنان، كل هذا وغيره يؤكد مكانة علماء الدين الشيعة وتأثيرهم البالغ على المؤسسات الحقوقية والانسانية والاعلامية في العالم.

قضية إعادة بناء مراقد أئمة البقيع لها بعد ديني وحضاري يتضمن البعد الانساني والأخلاقي، وهي عابرة للطائفة والمذهب بما لا يختلف عليه المسلمون، فهم يعرفون من يكون الامام الحسن، سبط رسول الله، ذاك الذي حقن دماء المسلمين في منعطف تاريخي خطير، وثبّت أعظم وثيقة صلح وسلام في العالم في آثارها الآنية آنذاك، وفي آثارها المستقبلية التي نعيشها اليوم، كما أنهم يعرفون من يكون الامام زين العابدين، و دوره التربوي من خلال "الصحيقة السجادية"، و"رسالة الحقوق"، كما لا يجهلون، ومعهم العالم أجمع، من يكون الامام الباقر، وابنه الامام الصادق، و دورهما في التوصل الى حقائق علمية هائلة، يبقى العالم مديناً لهما ابداً. 

القائمون على الحكم في السعودية يبذلون قصارى جهدهم للظهور أمام العالم على أنهم مواكبون للتطور والتقدم في مجالات عدّة، لتعديل الصورة النمطية للانسان العربي الساكن في الصحراء في الذهنية الغربية، او في أذهان العالم اجمع، بغض النظر عن الآليات والوسائل لتحقيق هذا الهدف، مما يجعلهم أمام مسؤولية مهنية –إن جاز التعبير- أمام الرأي العام العالمي لإنهاء حالة التجاهل إزاء قضية تاريخية وتراثية بحجم قضية البقيع. 

ولعل مراقد أئمة البقيع، سلام الله عليهم، تكون مناسبة خير لجمع الكلمة على مطلب عظيم يعيد للتشيع وللمسلمين بشكل عام هيبتهم وكرامتهم في رموزهم الدينية، وأن يروا المكان المشيّد بما يليق بمنزلة الصفوة المباركة من أبناء رسول الله.

في كل عام، وفي اليوم الثامن من شهر شوال المكرم نستذكر واقعة هدم مراقد أئمة البقيع على يد رجال متطرفين يعدون اليوم من المبعدين في الرؤية الحديثة للحكومة السعودية، و نكتفي بمطالبة الحكومة السعودية إعلامياً فقط بإعادة البناء، او حتى إصدار قرار يسمح بهذا العمل، فالقضية بحاجة الى دعوة رسمية من أعلى المستويات وبشكل جماعي يضع المعنيين في الرياض امام أمر واقع بعيداً عن السياسة وملفاتها الضيقة، حتى وإن رفضوا، فانهم سيكونوا مدانين أمام العالم بالتناقض بين التحديث في الثقافة والفكر، واحترام التكفير والتطرف الديني وإلغاء الآخرين. 

اضف تعليق