المسؤولية تقع على عاتق الجميع، من علماء وشباب ونساء، ويجب أن يتحركوا معًا لتوحيد الصوت وتوجيهه نحو استعادة حرمة الأئمة، والدعوة إلى بناء قبورهم الشامخة على غرار ما كانت عليه من قبل؛ ومن طريق هذه الجهود الموحدة، يمكن أن يحقق المؤمنون أكبر انتصار لأهل البيت، ويعيدوا للجيل الحالي والأجيال...
لم يقتصر أعداء أهل البيت (عليهم السلام) على محاولاتهم لإطفاء نور الله (تعالى) بقتل حججه وخلفاء نبيِّه الأكرم محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، أو بملاحقة من يصدح بفضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو بتحريفهم لسنَّة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، أو حتَّى بهدمهم لقبر سيِّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) مرارًا؛ بل كلَّما أمعنوا في إطفاء هذا النُّور، ازداد سطوعه وتألقه في وجدان الأُمَّة وضمير التاريخ، وحين أدركوا أنّ سيوفهم وجناياتهم لم تطفئ شعلة الهداية، سلكوا سبيلًا آخر، فامتدت أيديهم الآثمة لتهديم قبور أئمّة الهدى ومصابيح الدجى في البقيع، ظنًّا منهم أنَّهم بذلك سيمحون أثرهم ويطفئون ذكرهم؛ لكن نورهم باقٍ لا يغيِّبه هدم، ولا تطفئه عواصف الظلم.
وكيف يُطفأ نورٌ أودعه الله (تعالى) في قلوب المؤمنين، وكتب له الخلود في صفحات الدَّهر؟
كيف تُمحى آثار رجالٍ كانت حياتهم نبراسًا للهدى وموتهم ثورةً على الظلم؟
لقد ظنَّ أعداؤهم أنَّهم بفعلتهم تلك سيطوون صفحةً من التاريخ، فإذا بهم يفتحون صفحةً جديدةً من الولاء والتَّحدي، تزداد إشراقًا في كلِّ زمانٍ ومكان.
ولم تكن ظلامة الأئمّة (عليهم السلام) المدفونين في البقيع مقتصرةً على أيَّام حياتهم؛ بل امتدَّت واستمرّت إلى يومنا هذا، ولم يكتفِ الظالمون بما جرى عليهم من اضطهادٍ وسجنٍ وتنكيل، بل بلغ بهم الحقد أن هدموا قبورهم الطاهرة وحرَموا شيعتهم من زيارتهم والتبرّك بمراقدهم؛ وهو ظلمٌ واضحٌ وجريمةٌ نكراء، لا تستهدف الأضرحة فحسب، بل تسعى لطمس معالم الهداية ومحو آثار الحقِّ، غير أنَّ حبَّهم متجذِّرٌ في القلوب، وصدى أسمائهم لا يزال يدوّي في الآفاق، يقضُّ مضاجع الطغاة مهما حاولوا طمس النُّور الإلهي.
ولكن هل يُمكن لجدارٍ مهدوم أن يمحو تاريخًا حافلًا بالتَّضحية والفداء؟
وهل يستطيع الطغاة أن يطفئوا وهج الحقيقة بهدم حجارةٍ كانت شاهدًا على نور الهداية؟
إنَّ البقيع، وإن خلت أضرحتُه من القباب، فإنَّه يعجُّ بأرواحٍ أبت أن تُمحى من ذاكرة الأجيال، وستظلّ أنفاسُ عشَّاقهم تهتف بأسمائهم، وتجوب الأرض عشقًا وشوقًا لزيارتهم، حتَى يأتي اليوم الذي تُشيَّد فيه قبورهم من جديد، ويعود الحقُّ لأهله على الرَّغم من أنوف الظَّالمين.
المحور الأوَّل: أسباب الهدم
هناك أسباب كثيرة دفعتهم لارتكاب هذه الجريمة النكراء بحقِّ القبور الطاهرة لأئمّة البقيع (عليهم السلام)، ولعلَّ من أبرزها:
1. محاولة القضاء على الدِّين الإسلامي
منذ فجر الإسلام وأعداؤه يسعون بكلِّ الوسائل للقضاء عليه، مدركين أنَّ هذا الدِّين العظيم ليس مجرَّد طقوس أو شعائر؛ بل هو مشروع إلهي يحمل في جوهره قيم العدل والحرية والهداية؛ ولأنَّهم لم يستطيعوا مواجهته بالفكر والمنطق، لجأوا إلى وسائل أخرى أشدّ خطورة، فاستهدفوا رموزه ومعالمه التاريخية، محاولين طمس أيّ أثر يدلُّ على حضارته العريقة.
هدموا الآثار الإسلاميَّة، ليس لكونها مجرد أبنية؛ وإنَّما لأنَّها شاهدة على تاريخٍ مجيدٍ سطَّره المسلمون بدمائهم وجهودهم، فالقضاء على هذه المعالم هو مقدّمةٌ للقضاء على المؤثّر؛ إذ إنّهم يدركون أنَّ بقاء المدلول يعني استمرار الحقيقة التي يحملها، ولذلك سعوا جاهدين إلى طمس قبور العظماء، والمساجد التاريخيَّة، وكلِّ أثرٍ يدلُّ على الهوية الإسلاميَّة.
لم تقتصر محاولاتهم على الهدم المادِّي؛ بل امتدَّت إلى الهدم الفكري والثقافي، فشوَّهوا صورة الإسلام في وسائل الإعلام، وأثاروا الشبهات حول مبادئه السامية، وعملوا على زرع الفتن بين المسلمين أنفسهم؛ فإنَّهم يعلمون أنَّ الإسلام ليس مجرَّد تاريخ يُقرأ، وإنَّما هو مشروعٌ مستمرٌ يتجدد مع كلِّ جيل، لذلك يسعون لقطع جذوره من القلوب قبل أن يدمّروا آثاره المادية.
لكن على الرغم من كلِّ هذه المحاولات، بقي الإسلام حيًّا في قلوب أتباعه، يزداد قوةً كلَّما حاولوا طمسه، فالتاريخ يشهد أنّ كلَّ من سعى للقضاء عليه كان مصيره الزوال، بينما ظلّ الإسلام يشعُّ بنوره.
قد يهدمون الجدران؛ لكنَّهم لن يهدموا العقيدة، وقد يحاولون طمس المعالم؛ لكنَّهم لن يطفئوا نور الحقِّ الذي وعد الله (تعالى) ببقائه إلى قيام الساعة.
2. العداء المستمر لأهل البيت (عليهم السلام).
العداء لأهل البيت (عليهم السلام) ليس مجرَّد موقف عابر؛ بل هو نهج متوارث امتدَّ عبر الأجيال، تغذِّيه أحقادٌ قديمةٌ ومصالحُ متجذِّرةٌ تهدف إلى طمس نور الهداية الذي حملوه للعالم.
لقد تجلَّى هذا العداء بأشكالٍ عديدة، من القتل والتَّنكيل إلى التَّحريف والتَّشويه، حتَّى وصل الأمر إلى الاعتداء على مراقدهم الطَّاهرة وهدم قبورهم، في محاولةٍ يائسةٍ لمحو أثرهم من التاريخ.
المفارقة الكبرى أنَّ من أفتى بهدم القبور استند في فتواه إلى ابن تيميّة، المعروف بعدائه الواضح وحسده الشديد للرسول الأعظم محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، ولم يكن موقفه هذا مجرَّد اجتهادٍ فقهي، بل كان انعكاسًا لحقدٍ دفينٍ سعى من خلاله إلى تقويض مكانة أهل البيت (عليهم السلام) والتقليل من شأنهم في وجدان الأُمَّة، ومن العجيب أن تُبنى سياسات بأكملها على أفكار شخصٍ امتلأ قلبه بالحسد والعداوة لمن جعلهم الله (تعالى) مصابيح الدُّجى وسفن النَّجاة.
وإزاء كلِّ هذه المحاولات، لم يزد هذا العداء أهل البيت (عليهم السلام) إلَّا رفعةً في القلوب، ولم يزد أتباعهم إلَّا تمسّكًا بهم؛ فالتاريخ شاهدٌ على أنَّ كلَّ من وقف ضدّهم زال ذكره، بينما بقي نورهم متوهّجًا، يهتدي به كلُّ طالب حقٍّ وكل عاشقٍ للهدى؛ لأنّ الله (تعالى) وعد بحفظ نوره، ولو كره الحاقدون.
3. إخفاء معالم أهل البيت (عليهم السلام)
من الأمور التي تكشف عن قيمة الإنسان وما له من أهميَّةٍ عند الله (تبارك وتعالى) وفي المجتمع، هو مدى تقديس النَّاس له واحترامهم إيَّاه، وذلك بسبب ما يتحلَّى به من صلاحٍ وتقوى وورع؛ فالتقدير الحقيقي لا يُفرض بالقوَّة ولا يُشترى بالمال؛ بل ينبع من القلوب الطَّاهرة التي ترى في أصحاب الفضائل مصابيح للهداية. وخير مثالٍ على ذلك هو الموقف الذي حصل مع الإمام زين العابدين (عليه السلام) في موسم الحج، حين شاء الله (سبحانه) أن يُظهر مكانته بين النَّاس على الرغم من محاولات الطغاة إخفاء نوره؛ فقد ورد في الرواية أنَّ هشام بن عبد الملك، وهو ولي عهد الدولة الأموية آنذاك، قصد بيت الله الحرام مع موكبه الفخم من الحرس والخدم، وحاول الاقتراب من الحجر الأسود؛ لكنه عجز بسبب الازدحام الشديد؛ فاضطر إلى الجلوس جانبًا ينتظر أن يخف الزحام ليتمكَّن من الوصول، وفي تلك اللحظات أقبل الإمام السجاد (عليه السلام) متوجّهًا إلى الحجر، فما إن رآه الحُجّاج حتَّى انفرجوا له تلقائيًا، مشكِّلين له طريقًا احترامًا لمقامه الشريف، وتباركوا بمسّه حتَّى وصل إلى الحجر الأسود بسلاسةٍ وهيبة.
كان المشهد كافيًا ليكشف عن عظمة الإمام ومكانته في قلوب الناس، لكن هشام، بغيظه المعروف، حاول إنكار معرفته به، وحين سأله أحد الحاضرين عنه، أجاب متظاهرًا بعدم معرفته؛ وهنا وقف الفرزدق، الشاعر الفصيح، يعلن للملأ حقيقة الإمام السجاد (عليه السلام) في قصيدته الشهيرة التي قال فيها:
هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ --- وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ (1).
إنَّ هذا الحدث يلقي الضوء على أمرٍ آخر مهم، وهو أنَّ العظماء لا تُحجب أنوارهم مهما حاول الظالمون طمسها، فحبُّهم واحترامهم متجذِّر في القلوب، وأثرهم لا يُمحى؛ ومن الطُرق التي اتخذها الناس عبر التاريخ في تخليد أولياء الله (تعالى) الصالحين وعظمائهم، هو تشييد قبورهم والاهتمام بآثارهم؛ لأنَّها دليلٌ على رفعة مقامهم وعظمة شأنهم؛ فحين تكون القبور ماثلةً أمام الأعين، فإنَّها تدعو للتساؤل حول أصحابها، وتجذب العقول الباحثة عن الحقيقة لمعرفة قصصهم وسيرهم.
لذلك كان لوجود قبور الأئمة (عليهم السلام) في البقيع أثرٌ بالغٌ في إرشاد الناس وهدايتهم؛ لأن الحُجَّاج القادمين من أرجاء الأرض حين يرون تلك القباب المشيدة، لا بدَّ أن يتساءلوا عن هوية أصحابها، وكيف وصلوا إلى تلك المكانة العظيمة، وستكون الإجابة على ألسنة العارفين بهم، كما أجاب الفرزدق هشامًا، فيدرك الناس أن هؤلاء هم حملة راية الإسلام الحقيقي، الذين قضوا حياتهم في نشر تعاليمه والدفاع عن مبادئه. ولذلك لم يكتفِ أعداء أهل البيت (عليهم السلام) بقتلهم في حياتهم، بل سعوا إلى محو آثارهم بعد وفاتهم، فهدموا قبورهم الطاهرة في البقيع وغيرها، خوفًا من أن تكون منارات هداية تهدي العقول إلى الحقيقة؛ لكنَّ التاريخ يشهد بأنَّ نورهم لا يخبو، وأنَّ سيرتهم ستبقى حيَّةً في قلوب المؤمنين، على الرغم من أنوف الحاقدين.
4. الحسد.
الحسد داءٌ خطير يعمي القلوب ويطمس البصائر، فلا يتحمَّل الحاسد أن يرى النعمة باديةً على غيره، بل يسعى بكلِّ الوسائل إلى إزالتها، حتَّى لو أدَّى ذلك إلى ارتكاب أبشع الجرائم، ولذلك أمر الله (عزَّ وجلَّ) بالاستعاذة من شرِّه؛ إذ قال (عزَّ وجلَّ): (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (2). وقد سجَّل القرآن الكريم أمثلةً عديدةً لجرائم كان دافعها الحسد، كقصة قابيل الذي قتل أخاه هابيل (عليه السلام) بدافع الغيرة، وقصة إخوة نبي الله يوسف (عليه السلام) الذين ألقوه في الجب حسدًا له على مكانته.
وما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) من قتلٍ وتشريدٍ وظلم، ولم يكن إلَّا بسبب الحسد، فقد أراد أعداؤهم طمس نورهم؛ لأنَّهم أدركوا عظمة فضلهم عند الله (تعالى) ومكانتهم في قلوب الناس؛ وقد قال الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله (تعالى): (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ): "(نحن المحسودون)"(3).
لقد حسدهم الظالمون على علمهم وورعهم ومكانتهم، فلم يكتفوا بقتلهم في حياتهم؛ بل امتدَّ حقدهم حتَّى إلى قبورهم الطاهرة، فهدموا أضرحتهم وقبابهم حسدًا لما امتاز به أهل البيت (عليهم السلام) من رفعةٍ وعظمة، وكانوا يرون في تلك المشاهد النورانية دليلًا على شرفهم، ووجدوا أنّ القباب الشامخة تُذكّر الناس بمقامهم العظيم، فحاولوا محو آثارهم، بينما أئمتهم وأولياؤهم اندثروا في مزبلة التاريخ، لا يُذكر لهم فضل ولا أثر.
لقد كانت تلك البقاع المباركة حرمًا نورانيًا يعجُّ بالزائرين، وملاذًا للمتضرعين إلى الله (سبحانه) تحت قباب أوليائه؛ لكنَّ الحقد أطفأ نورها وهدم معالمها، ومع ذلك لم يستطع أن يمحو ذكرهم من القلوب.
المحور الثاني: أسباب البناء
وبعد مرور سنواتٍ طويلة من الظلم والعدوان على قبور الأئمة (عليهم السلام) في البقيع، آن الأوان أن يتَّخذ الأوفياء المخلصون الذين ما زالوا على عهد الولاية لآل محمد (صلَّى الله عليه وآله) مسلكًا آخر في التَّعامل مع هذه القضيَّة العظيمة، التي تعدُّ اليوم في رأس قائمة الأولويات الإسلاميَّة في عصرنا هذا. ولقد حان الوقت لنقف جميعًا، بكلِّ عزيمة وإصرار، لنُعيد الاعتبار لهذا الحرم النوراني الذي يعكس شرف الأُمَّة الإسلاميَّة ومكانتها، والذي يرمز إلى رمز من رموز الهداية والعدل.
إنَّ هذا التحرك يجب أن يكون مدروسًا ومنظمًا، ويجب أن يتجاوز أبعاد الحزن على الظلم الواقع إلى مرحلة العمل الجاد والمثابرة على استعادة مكانة هذه القبور المقدسة، بما يليق بعظمة أصحابها (عليهم السلام) الذين كانوا قادة الأمة ومناراتها، وهذه القضيَّة تتطلَّب تضافر الجهود في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ليس فقط من خلال الدعوات والمناشدات؛ بل من خلال برامج ومشاريع عملية تعيد النور إلى البقيع، وتحثُّ الأُمَّة على الاهتمام بهذه البقاع الطاهرة.
إنَّ هذه المسؤولية تقع على عاتق الجميع، من علماء وشباب ونساء، ويجب أن يتحركوا معًا لتوحيد الصوت وتوجيهه نحو استعادة حرمة الأئمة (عليهم السلام)، والدعوة إلى بناء قبورهم الشامخة على غرار ما كانت عليه من قبل؛ ومن طريق هذه الجهود الموحدة، يمكن أن يحقق المؤمنون أكبر انتصار لأهل البيت (عليهم السلام)، ويعيدوا للجيل الحالي والأجيال القادمة صورة جلية عن مكانتهم العظيمة في الإسلام، بما يعيد للأُمَّة فخرها واعتزازها بمبادئها وقيمها الحقيقية؛ ومن هنا لا يستغنى عن القيام بالتَّالي:
1. اعتبار اليوم الثَّامن من شوال مناسبةً دينيةً ذات لا تقل في مكانتها عن مصائب الأيَّام العظيمة في التاريخ الإسلامي مثل العاشر من محرَّم، والثامن والعشرين من صفر، والأيام العلوية والفاطمية.
لقد آن الأوان أن يُخصص هذا اليوم ليكون مناسبةً للعزاء والحداد؛ يتشح فيها المؤمنون بالسواد ويحتشدون في مجالس العزاء على مستوى العالم، سواء في المساجد أو الحسينيات، كما هو الحال في مناسبات أهل البيت (عليهم السلام) الأخرى، ويمكن أيضًا أن تُطبع الكتب والنَّشرات، وإنتاج فيديوهات توعوية، واستخدام منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وإنتاج أفلام توثيقيَّة تبرز أهميَّة هذه المصيبة وأبعادها التاريخية، وتوضح للجميع حجم الجريمة التي ارتُكبت بحقِّ أئمة الهدى (عليهم السلام)، وكذلك يجب أن يتمَّ نصب اللافتات التي تحمل رسائل تذكيريَّة حول هذه المناسبة في الأماكن العامَّة، بالإضافة إلى تنظيم الندوات والمؤتمرات التي تناقش آثار هذه الجريمة من الناحية الدينيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة.
إنَّ إحياء هذه المناسبة ليس مجرَّد تعبير عن الحزن؛ بل هو أيضًا عمل من أعمال التَّذكير والتوعية بما يتعلَّق بحقِّ أهل البيت (عليهم السلام) وبمكانتهم التي لا يمكن لأيّ حدث مهما طال الزمن أن يطمسها، ومن خلال هذه الفعَّاليات، يُمكن للعالم بأسره أن يشعر بأهميَّة هذه القضية العادلة، وأن يتعرف على مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) التي ما زالت تَشعل قلوب المؤمنين وتحثهم على المضي قدمًا في نشر قيمهم وتعاليمهم؛ فإحياء يوم الثامن من شوال يجب أن يكون جسرًا للتواصل مع جميع الأمم والشعوب، ليعرفوا أنَّ هذه القضيَّة ليست محصورة في نطاق طائفي أو جغرافي؛ بل هي قضيَّة إنسانيَّة عادلة.
2. تصعيد قضية هدم قبور الأئمة (عليهم السلام) في البقيع
يجب أن يُتخذ تحرّك فاعل ومؤثر على جميع الأصعدة، لا سيما في هذه المرحلة التي تتطلَّب تضافر الجهود وتسخير جميع الوسائل المتاحة.
في البداية، يجب أن تُصدر البيانات من كل جهة شيعية، سواء كانت دينية أو ثقافية أو سياسية، لتوضح للعالم خطورة هذا العمل الإجرامي وتطالب بالتحقيق والعدالة، وأن تكون هذه البيانات شاملة ومؤثرة، توضح أهمية إحياء ذكرى أهل البيت (عليهم السلام) وتطالب بحماية قبورهم الطاهرة من أي محاولات أخرى للتهديم أو التشويه.
كما يجب أن يشارك كل قلم شيعي في كتابة المقالات في الصحف والمجلات المحلية والدولية، لتسليط الضوء على الظلم الذي وقع على أهل البيت (عليهم السلام)، وتحفيز المجتمعات المختلفة على التضامن مع هذه القضية العادلة؛ فالمقالة الشاملة والمترابطة التي تُكتب بصدق وإخلاص ستصل إلى قلوب الناس وتحثهم على الوقوف إلى جانب الحق.
ومن جانب آخر، يجب تخصيص البرامج التلفزيونية والإذاعية الشيعية التي تتناول هذه المناسبة وتسلط الضوء على كلِّ جوانب القضية، بما في ذلك تاريخ الأئمة (عليهم السلام) ومكانتهم في الإسلام وأهمية قبورهم كرموز من نور، فضلاً عن نقل معاناة المظلومين في كل أنحاء العالم بسبب هذا الاعتداء، وهذه البرامج يجب أن تكون بمثابة محطات إعلامية تُبث على نطاق واسع وتستهدف جميع فئات المجتمع.
علاوة على ذلك، يجب إرسال الرسائل الاحتجاجية المليونية إلى مختلف المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، وذلك من خلال كل فرد مكلّف شيعي، بل من كل نسمة شيعية، على أن تكون الرسائل مليئة بالمطالب العادلة التي تعكس معاناة الأمة الإسلامية وتؤكد على ضرورة إنصاف أهل البيت (عليهم السلام) وحمايتهم من أي محاولات أخرى للتدنيس.
3. تنظيم وتسيير المظاهرات الجماهيرية الاحتجاجية
وهذه المظاهرات يجب أن تكون وسيلة للتعبير عن احتجاجنا العميق ضدَّ الجريمة التي ارتُكبت بحقِّ قبور الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) في البقيع، ومطالبة بالثأر لهم ممن قتلهم وانتهك حرماتهم ودمر آثارهم الطاهرة؛ وهنا لا بدَّ من التنبيه إلى عدَّة نقاط:
- الهتافات التي يجب أن تتردد في هذه المظاهرات يجب أن تكون عميقة ومعبرة، تحمل في طيَّاتها الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) وتؤكِّد على تمسكنا بمبادئهم.
- أن يكون رفع هذه الشعارات بأعلى الأصوات، لتصل إلى أسماع النظام وجميع من يحاول طمس معالم الحقيقة وطمس تاريخ أهل البيت (عليهم السلام).
- أن تكون الهتافات ذات طابع قوي ومؤثر، وتعبّر عن تصميمنا على ألا نسمح بتكرار هذه الجرائم أو السكوت عنها.
- أن تكون هذه المظاهرات بمثابة رسالة قوية إلى الزمرة الوهابية الإجرامية وحماتها من الحكام، بأننا لن نتساهل في هذه القضية بعد اليوم، وأننا لن نرضى بالظلم الذي وقع على أهل البيت (عليهم السلام) وأنّنا مستمرون في الدفاع عن حقوقهم وتقديمها كأولوية لا يمكن التنازل عنها.
- هذه المظاهرات ليست مجرد احتجاجات عابرة، بل هي إعلان عن عزيمة راسخة وإصرار على أن نقف مع أهل البيت (عليهم السلام) ضد أي ظلم أو تزييف للتاريخ.
ومن خلال هذه الفعاليات، نرسل رسالة واضحة للعالم بأن هذه القضية هي قضية عادلة ومشروعة، وأننا لن نسمح بالتقليل من شأن أهل البيت (عليهم السلام)، ولن نتراجع عن المطالبة بالحقوق المغتصبة مهما كلفنا الأمر.
4. تشجيع الأفراد على المشاركة الفعّالة في التحركات الجماهيرية المستمرة.
إنَّ التحرك السلمي والمُوحد نحو ضريح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأضرحة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في البقيع، سواء في مواسم الحج والعمرة أو في غيرها من الأوقات، يشكل أداة قوية وفعالة في نقل رسالة الأمة الإسلامية إلى العالم، ولا شكَّ أن هذه المسيرات السلمية إذا تمَّت بتنسيق وحشود جماهيرية ضخمة، سيكون لها تأثير كبير في هز أركان النظام الذي حاول طمس معالم تاريخ أهل البيت (عليهم السلام)، وستعكس تمسك الأمة الإسلامية بحقوقها المشروعة في زيارة الأضرحة الطاهرة؛ وإذا استمرت هذه التحركات المتسقة، فلن يستطيع النظام تجاهل الإرادة الجماهيرية التي تزداد قوة يومًا بعد يوم، فالشعوب الواعية التي تناضل من أجل حقِّها المشروع في زيارة الأماكن المقدسة تحتفظ بقوة الدفع التي تمكنها من فرض مطالبها بقوة.
ومع تصاعد الضغوط الدولية على النظام نتيجة لهذه التحركات السلمية المستمرة، سيجد النظام نفسه عاجلاً أم آجلاً مضطراً للرضوخ لمطالب الجماهير، فالتاريخ يشهد أن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن أن تقهر.
5. التوجه إلى الله (سبحانه وتعالى) بالدعاء.
إنَّ الدعاء المتواصل والمستمر يعد من أعظم الوسائل التي نستطيع من خلالها أن نطلب العون والنصر في قضيتنا العادلة.
إضافة إلى ذلك، يجب على المؤمنين أن يكثروا من الدعاء على الظالمين النواصب، وأن يطلبوا من الله (عزَّ وجلَّ) أن يهلكهم كما أهلك فرعون ونمرود وكل الطغاة الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة؛ فهذا الدعاء ليس مجرد كلمات، بل هو دعوة تخرج من أعماق القلوب التي تبتغي الحق والعدالة، وتدعو للهلاك على من يعادي أهل البيت (عليهم السلام) ويكسر قلوب محبيهم.
إنَّ قضية البقيع ليست مجرَّد جدران هُدمت، بل هي رمزٌ لهويَّةٍ إسلاميَّة مغتصبة وصرخةٌ في وجه الظلم المتواصل، وإنَّ بناء البقيع من جديد، ليس فقط حجارة تُرفع، بل هو بناء للكرامة، ووفاء لرسالةٍ خالدةٍ حملها أئمَّة الهدى بأرواحهم الطاهرة.
سيظلُّ البقيع حيًّا في ضمير المؤمنين، يطالبهم بالتحرُّك الصادق والعمل الجاد، حتَّى يعود لأصحابه مقامهم اللائق بهم، وحتماً، ستُرفع القباب من جديد، ويعلو صوت العدالة فوق كلِّ صوت.
اضف تعليق