أنا حر.. جملة من كلمتين فقط، تُعبّر عن قمة الانقياد للواقع، وفي الآونة الأخيرة شهدنا تأثيراً كبيراً لهذه الجملة على نفوس المراهقين والشباب وقد أخذت حيزاً كبيراً بين أوساطهم، وباتت تتردد على ألسنتهم باستمرار.. فمفهوم الحرية يختلف بين شاب وآخر تبعا لاختلاف منشأهم وبيئتهم الاجتماعية، إضافةً الى المستوى الثقافي والفكري لكل أُسرة.
هنالك للأسف الكثير من المفاهيم الخاطئة المزروعة في أفكار الشباب التي من الصعب تغييرها وأبرزها "مفهوم الحرية". فبعدما قمنا بطرح السؤال التالي: "ماذا يعني لكِ مفهوم الحرية؟"، على طالبات ثانوية الوثبة في محافظة البصرة، تلقينا منهم الإجابات كالآتي:
بعضهم قال: "ان الحرية مرة بالعمر ويجب ان اعمل فيها ما اريد ولكن بحدود".
آخرون قالوا: "ان الحرية تعني التعامل مع المرأة كإنسانه راشدة مسؤولة، زوجة كانت، أو أم واخت وبنت أو كمواطنة دون التقليل من شأنها الانساني وعدم ملاحقتها بنظرات الريبة والتوجس واتهامها بالنقص او قلّة الاهلية لأنها امرأة."
والبعض قال: "الحرية هي فعل ما اريد ولكن دون التعدي على حدود الشريعيه الاسلامية". والبعض تكلم بصورة عامة عن الحرية، والبعض الآخر تكلم على وجه الخصوص ولكن في الحالتين نلاحظ بعض من المفاهيم الخاطئة المنبعثة من ثنايا تفكيرهم.
فبعدما طرحنا السؤال نفسه على شاب عشريني أجاب: "الحرية هي فعل كل ما يحلو لي دون حساب أو رقابة ودون مراعاة العادات والتقاليد.. كالسهر خارج المنزل وحضور الحفلات الصاخبة وارتداء كل ما يحلو لي.. الخ].
بعد الإجابات التي حصلنا عليها أدركنا بأن التلاعب في هذه الأفكار يتسم باللامبالاة وعدم الانضباط في استيعاب مفهوم الحرية، وجاءت الإجابات بعيدة كل البعد عن الغربلة والتنقيح الذي يضع هذه المفاهيم وفق أسس عقائدية ويتحلى بقوالب الأخلاق الرفيعة في التعامل وفق ضوابط شرعية حيث لا يحق للمرء تجاوزها، وقد يكون الانفتاح الفضائي والإعلامي له يد في ذلك.
وللإجابة عن هذه التساؤلات طرحنا هذا الموضوع على أخصائية في الإرشاد التربوي وهي (الأستاذة زاهدة) فكانت إجابتها كالآتي: (مفهوم الحرية بالنسبة للشباب والبنات هو ناتج لما زرعه الأهل في شخصية اولادهم وانعكاس تام للتربية والقيم والأخلاق، فالأسرة هي البيئة الأولى التي يتربى فيها الطفل ليغدو شاباً ومنها يكتسب العادات والقيم الأصيلة، والجانب الأول الذي له دور كبير في إطار المفهوم الخاطىء للحرية هو الاعلام الغربي، الذي استحوذ على عقول شبابنا وفتياتنا، فأصبحوا يقلدون الغرب من باب الموضة والتطور! على اساس مبدأ "حشرٌ مع النَّاسِ عيد"!! ويطلقون على تصرفاتهم لفظة "الحرية" دون ادراك المعنى الحقيقي لهذه المفردة.
فكما يقول الرسول الأكرم (ص): "لا تكونوا إمعة تقولوا إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا".
تقول إحدى المعلمات: دخلت أحد الفصول بعد أن انتظرت خروج زميلتي.. ألقيت نظرة على الطالبات وسلمت عليهن، ثم لمحت في آخر الفصل إحدى الطالبات قد شرعت في الصلاة، ثم بدأت أشرح الدرس وأراجع مع طالباتي وبعد انتهائها من الصلاة سألتها: يا ابنتي، هل هذه فرصة صلاة؟ فردت عليّ بكل ثقة: لا لكنني انشغلت في الفرصة ولم أصل فصليت الآن، ألم يكن يجدر بها الاستئذان؟!.
عجبت مما سمعت، فنحن فعلا نعاني من مشكلة تتعطش للحل، الفتاة حريصة على الصلاة وهذا مؤشر على وعيها، لكن هل تصرفها صحيح؟ فعلا نحن نعاني من اختلاط المعاني وتشابك المفهومين المستقلين. فهنالك فرق كبير بين الحرية والفوضى، فالفوضى تعني ان تفعل ما تريد وأينما تريد وتحت اي ظروف ودون اي ضوابط او تقييد تمنعك من ذلك، وأما الحرية فهي تطبيق ما شرعه الله في الحياة العملية لضمان وجود مكان لنا في المجتمع يحفظ كرامتنا ويضمن إنسانيتنا وحقوقنا المدنية كالحرية في العيش والعمل والاختيار و...الخ.
ولا ننسى بان اول من شرع الحرية واخرج الناس من الظلم والتعبد هو الرسول محمد (ص) على وفق منهج رباني صحيح. واذا نعود الى السبب الأساسي لانحراف الشباب وضياعهم نلاحظ بأنها الحرية المطلقة التي تعطى دون رقابة او تقييد، والتي تكون خارجة عن مفاهيم عاداتنا الشرقية النبيلة التي وضعت احتراماً للعرف وللدين الاسلامي.
ولكن المشكلة الحقيقة تكمن في مفهوم الحرية نفسه، فعلى الاعلام والمدارس ودور التربية غرس مفهوم الحرية بالنهج الصحيح في نفوس الشباب والبنات منذ الصغر، وتربيتهم على اساس منهج رباني وفق أسس تربوية دينية قيمة. وذلك يتم بالتوجيه الصحيح من قبل الأب والام، والرقابة على القنوات والإنترنيت.
لان الغاية السامية من الحرية هو التحرر من الاستبداد ومغالاة بعض العادات والتقاليد التي تحد من قيمة الانسان لان الحرية هي تحررك من عبودية الرغبات وإمساك الشهوات لكي تضمن من خلالها احترامك لنفسك اولا، ومن ثم احترامك للآخرين ولدينك ولمجتمعك وبالتالي يعكس ذلك احترام الآخرين لك.
اضف تعليق