جدل متعدد الأقطاب يدور حول قانون العفو العام المزمع إخراجه من مرحلة التشريع بحلة لائقة.. نواب البرلمان وهم خلاصة الكتل والاحزاب العاملة في السلطة كلٌ يريد حصد أكبر المكاسب له.. فالانتخابات قادمة.. وتسجيل المواقف ستبقى مرسومة في ذاكرة الناخب.. ولكن ماذا لو صدر هذا القانون بصيغة تغطي على جرائم لا تستحق العفو؟؟.
نعم الاسلام يرحب بالعفو، وهو أقرب إليه من سواه، يدعو الناس الى الصفح.. تعلمنا ذلك من القرآن الحكيم الذي دعا ايضا الى القصاص (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).. وتعلمنا العفو من نبينا العظيم ومن أئمتنا الأطهار وهم يتعاملون مع ألد أعداهم بسياسة العفو التي بحث فيها سماحة آية الله العظمى المرجع الشيرازي عندما قال:
(مثل النبي صلی الله عليه وآله عفو الإسلام خير تمثيل. وأفهم الجميع أن الإسلام جاء يريد الخير للجميع، لأوليائه وأعدائه جميعاً، وليس ديناً يحقد على أحد، وليست بعض ممارساته الصارمة نابعة عن القسوة، أو الحنق، وإنما هي نابعة عن روح تعميم العدالة على الجميع).
إننا مسلمون.. سوف نمضي خلف مراجعنا وما يقولون، فبعد فتح مكة (جمع النبي صلی الله عليه وآله أهل مكّة، فنادى فيهم: ما تقولون إني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال صلی الله عليه وآله: أقول لكم كما قال أخي يوسف: لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ. ثم قال صلی الله عليه وآله: اذهبوا فأنتم الطلقاء) كما جاء ذلك في قول سماحة آية الله العظمى المرجع الشيرازي.
هذا التمهيد نريد منه التوضيح بأننا مع العفو عندما لا يشكل خطرا آنيا أو مستقبليا على الشعب ومؤسسات الدولة.. هل هناك شيء من هذا الخطر.. يُحتمَل وجوده في قانون العفو العام المطروح على طاولة مجلس النواب؟.
الحكمة تقول ان جرائم معينة لا يجب دخولها ضمن فقرات هذا القانون.. نسبة الفقر وصلت رسميا في العراق الى 23%، وهناك من يسد رمقه من المزابل كما الحيوانات في دولة مليارديرة نفطية اسمها العراق.. لماذا؟ لأن الصفقات المشبوهة للفساد طالت مرافق الدولة، هل يصح العفو عن المختلسين وسارقي قوت الشعب والمهربين والذين يرتكبون جرائم غسيل الأموال ويرتشون ويسرقون اموال عامة الناس كما لو انهم بلا رقيب او حسيب، لا الدولة ولا الحكومة ولا الردع الذاتي ولا القانون الشرعي يردع هؤلاء.
يأتي الآن مجلس النواب ليمرر قانون العفو العام وهو اكبر سلطة تشريعية فهل هناك تغطية على جرائم لبعض هؤلاء الأشخاص من سارقي قوت الشعب؟؟.. يوجد هناك أبرياء من ضحايا الدعوات الكيدية والمخبر السري.. وهناك اشخاص ارتكبوا الخطأ لأول مرة وربما كفّروا عن ذنبهم.. بعض المعاقبين بالسجن قد تصلح لهم المساعدة ويستحقون العفو، ومعالجة الهفوات وإلحاق الأذى ببعض الأبرياء مهم لكن ردم الثغرات في هذا القانون مهم ايضا.
لا بأس أن يستمر السعي المعقول في هذا الاطار شرط تذليل مكامن خطر (قانون العفو)، ودراسة هذا القانون بدقة متناهية وعزل المجرمين الذين أضروا بمصالح الفقراء ولا بأس في هذا.. قبل مدة جاء في مصادر اعلامية ان اللجنة القانونية النيابية شكلت لجنة مصغرة لمناقشة قانون العفو العام بوجود متخصصين من وزارة العدل ومصلحة السجون ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومجلس القضاء الأعلى للحصول على قانون ينصف جميع الشرائح من دون استثناء.. أما حقوق الانسان النيابية فأوضحت بأن (قضية تكرار العفو العام أدى الى التمادي من قبل المجرمين وطمأنهم على ارتكاب الجريمة(.
هذه الملاحظة فيها خطر على الشعب.. هل نتغافل عنها.. لماذا.. ألا يقدم لنا ثغرة في القانون.. وكم ثغرة فيه من هذا النوع؟ أ نطلقُ أيدي المجرمين لكي يكملوا رحلة السرقات والجرائم.. حول هذا النوع من الإطلاق قال نائب رئيس اللجنة القانونية النيابية محسن السعدون أن “الاستثناءات الموجودة في القانون هي كثيرة جداً وهي ما زالت موضع دراسة في داخل اللجنة في سبيل ان نخرج بقانون حقيقي وناجح في تطبيقه وقال “اغلب الدول المتقدمة والتي لديها دستور ثابت لا يوجد فيها قانون عفو عام ولكننا اضطررنا الى دراسة هذا الملف لوجود اعداد من الابرياء وضحايا المخبر السري”.
عضو لجنة حقوق الانسان النيابية حبيب الطرفي قال.. ان “مشروع القانون لا يحتوي على أي مشكلات والشيء المطمئن فيه بأنه لا يوجد هنالك استثناء للإرهاب أي كل شخص ارتكب عملاً إرهابياً او إجرامياً هو غير مشمول مهما كانت انتماءاته الحزبية او الكتلوية. وأضاف ان “قضية تكرار العفو العام أدى الى التمادي من قبل المجرمين وطمأنهم على ارتكاب الجريمة، موضحاً أن “اصدار قانون العفو العام لاكثر من مرة لم يحصل في أي دولة وخاصة نحن نعيش ازمة أمنية خانقة. وأضاف الطرفي ان حقوق الانسان النيابية تريد إرسال رسالة الى دول العالم الديمقراطية من خلال هذا القانون ولكن لا يكون على حساب الدولة العراقية.
هذه التصريحات من مختصين ينتمون الى السلطة التشريعية.. فيها تناقضات واضحة.. وهذا التناقض من الممكن جدا أن يؤدي الى تسهيلات يقدمها العفو بهذه الصيغة لمجرمين لا يستحون العفو بسبب خطورة جرائمهم.. كالجرائم الاخلاقية.. وتلك التي تطول ثروات وأموال الشعب.
هنالك وجهات نظر قانونية تعترض ومنها تؤيد.. هذا يجب أن يدفع بالمسؤولين نحو المراجعة الدقيقة مع التأني في التمرير، يقول الخبير القانوني على جابر التميمي ان “مشروع قانون العفو العام يحتوي على الكثير من المشكلات يأتي في مقدمتها اعلان هذا القانون وهذا بحد ذاته لا يتناسب مع فلسفة القانون الجنائي وحتى في دول العالم لان هذا الامر سيعطي مجالاً الى ارتكاب الجرائم وخاصة أن مشروع القانون سيشمل السرقات والقتل في حالة التنازل وهذا بدوره سيدفع الناس الى ارتكاب الجرائم.. وأكد التميمي الى ‘‘الصباح الجديد‘‘ أن كثرة الاستثناءات الموجودة في مشروع القانون لا تتناسب مع مبدأ القانون فمثلا سيشمل الاختلاس ويستثني الرشوة، لذلك ان مشروع القانون يحتاج الى مراجعة دقيقة من قبل مجلس النواب.
العراقيون مع العفو، ولكن أي عفو.. انه العفو الذي ينصف الجميع دون ظلم.. العفو الذي يبني المجتمع ولا يهدّم أركانه.. ولا يضعف مؤسسات الدولة.. لا نرغب بعفو ينخر الدولة ويهدّم أركان المجتمع.. الثغرات موجودة.. ودراستها بإنصاف واجبة.. انصفوا من يستحق العفو ولا تنسوا من سيتضرر منه.. لأنه سوف يتضرر مرتين.. مرة عند ارتكابها قبل دخول المرتكِب السجن.. ومرة عندما تتكرر بعد تمرير العفو.. اذا ما غاب الإنصاف والعدل والدقة.. معالجة الثغرات قبل تمرير هذا القانون أمانة بأعناق من يصوّت له.
اضف تعليق