عادت تركيا من ابعد نقطة لتفاجئ العالم باعتذارها لروسيا وتطبع العلاقات معها بشكل سريع كان اكثر مفاجئة من اعتذارها لتؤكد كل ذلك بوصول اول طائرة روسية تقل 189 سائحا الى مطار انطاليا في الجنوب التركي، في مشهد وصف بانه انقلاب تركي نحو الشرق (روسيا وحلفائها تحديدا)، بعد خيبة املها في الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة.
المركبة التركية تواصل تأكيد رغبتها بعدم العودة في الطريق الغربي (على الاقل في الامد القصير) كونها وجدت ضالتها في حلفاء جدد قد يهيئون الارضية للاستقرار التركي المفقود منذ اندلاع الازمة السورية في عام 2011، ففي خطوة مفاجئة في ازمة العلاقات بين تركيا وسوريا، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بأن بلاده سوف تطبع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، ملمحا إلى تغير في موقف أنقرة المتشدد من الحرب الدائرة على سوريا منذ خمس سنوات.
يلدريم استحضر تطبيع علاقات بلاده مع اسرائيل وروسيا كتأكيد للقدرة على استعادة العلاقات مع سوريا قائلا "لقد طبعنا علاقاتنا مع روسيا وإسرائيل، وأنا على يقين بأننا سنطبع علاقاتنا مع سوريا أيضا. ولكي تنجح الحرب ضد الإرهاب يحتاج الاستقرار إلى العودة إلى سوريا والعراق". وبكل تأكيد فان الارهاب الذي يقصده رئيس الوزراء التركي ليس داعش رغم انها تحاول محاربتها بعد هجماتها المتكررة ضدها، فالإرهاب وفق القاموس التركي هو الجماعات الكردية التي تحاول تأسيس دولة خاصة بها.
تركيا كانت تطمح باستعادة الامجاد العثمانية ونجاحات حزب العدالة والتنمية كلها كانت تصب في هذا الاتجاه، الا ان مستوى الاستقرار الامني والسياسي الذي وصلت اليه البلاد في فترة ما قبل الازمة السورية لم تكن لترضي الرئيس رجب طيب اردوغان الطامح للأمجاد الامبراطورية وبالتالي فان تلك النجاحات لا تمثل شيئا بالنسبة له، وهذا ما يفسر تخبطه السياسي في السنوات الاخيرة بسبب عدم قراءته للتغيرات السريعة في الشرق الاوسط والعالم.
بتطبيع علاقاتها مع اسرائيل واعتذارها وتطبيعها لاحقا مع روسيا وتلميحها بالتطبيع مع مصر ودعوتها الصريحة لعودة العلاقات مع الحكومة السورية تؤكد تركيا انها تنازلت عن طموحات الماضي العثماني القديم التي لا تتلائم مع الطبيعة الجديدة للعلاقات الدولية وباتت تبحث عن نجاحات الماضي القريب (ما قبل الازمة السورية).
بالنسبة للانعطافة التركية التطبيعية مع خصومها فقد فرضتها الظروف التي لم تأتي بما ترغبه انقرة، فقد شعرت بالعزلة السياسية واصبح تغييب دورها في القضايا المؤثرة في الشرق الاوسط امرا طبيعيا، كما ان الوضع الامني وتهديدها بالتفكك بسبب الازمة الكردية ليس افضل حالا من ازمتها السياسية وتفجير مطار اتاتوك كان الاحدث في سلسلة التفجيرات التي تضرب البلاد منذ بداية عام 2016، ليأتي عدم الاستقرار الاقتصادي كنتيجة حتمية للازمتين السياسية والامنية.
تطبيع تركيا علاقاتها مع سوريا يختلف الامر بعض الشيء عنه مع اسرائيل وروسيا او بالأحرى هناك خصوصية لسوريا بالنسبة لتركيا، وتتمثل بمخاوفها من صعود الاكراد وتأسيس حكم ذاتي او دولة خاصة بهم، وهو ما يعني عمليا تشجيع اكرادها الذين يصارعون مسبقا من اجل الانفصال، والقيادة التركية قرأت جيدا سيناريوهات المستقبل السوري بعد خمس سنوات من الحرب بان لا مجال لانتصار الجماعات التي تقاتل بدعمها ضد النظام كما انها تيقنت بان نظام الرئيس السوري بشار الاسد باق لا محال، والمطالبة بإسقاطه هي تغريد خارج الواقع.
وبما ان التفاوض يعني اعطاء التنازلات فاهم ما سيطلبه النظام السوري هو التوقف عن دعم الجماعات المسلحة التي تقاتل لإسقاط حكومة الاسد والتنازل عن مطلب اسقاط النظام السوري، واذا ما حدث ذلك بالفعل فقد تكون له ارتدادات غير مرغوبة في الداخل التركي، فتلك الجماعات التي دعمتها تركيا مثل الافعى التي لا يتوقع ان تلدغ صاحبها في اي لحظة، وداعش التي تفجر في تركيا هذه الايام كانت قد استخدمت الاراضي التركية كطريق عبور للقتال ضد نظام الاسد.
اذا ما تم تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا فان ما ستكسبه دمش هو اكبر بكثير مما ستكسبه انقرة، فهدف اردوغان من كل هذا التطبيع هو منع اقامة حكم كردي ولا نعتقد ان لدى نظام الاسد تلك القدرة على منع ذلك، والاكراد ينتقلون بشكل سريع داخل منظومة الحلفاء الموثوق بهم من قبل الولايات المتحدة الامريكية واي رغبة انفصالية في المستقبل ستعتمد على المخطط الامريكي اكثر ممن يسيطر على نظام الحكم في سوريا، وفي المقابل ستكسب الحكومة السورية صوتا داخل المنظومة الدولية يعترف بها مجددا بعد ان كانت على حافة السقوط فيما مضى.
اضف تعليق