q

العباقرة المتميزون أعداؤهم كثيرون، يظهرون في حياتهم وبعد رحيلهم، يستميتون في معاداتهم والوقوف ضدهم، يدخلون في تحالفات مشبوهة لتشويه منجزاتهم، قد ينجحون في بعض مآربهم، ولكنهم وفق منطق التاريخ يفشلون ويُهزمون شر هزيمة، حيال الحقائق الدامغة للعبقري ومنجزاته الشاخصة، فالشمس لا تُغطّى بغربال، وعبقرية علي بن ابي طالب (ع)، يعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء والمؤيدين، وهو (ع) شخصية إنسانية قيادية فريدة في التاريخ، لهذا وضعوا منهجه الانساني وأفكاره في المساواة ضمن ديباجة الحقوق في الأمم المتحدة، ووضعوا مقولته ذائعة الصيت ضمن تلك الديباجة: (الناس صنفان، أما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)، هذا الضوء الباذخ فشل في إطفائه الفاشلون.

عليّ والمساواة

مولع كان (ع) بهذا المبدأ، فاتخذه منهجا، وطبقه في سنوات حكمه، وأول إجراء اتخذه قائد المسلمين، الامام علي (ع)، بعد استلامه القيادة الرسمية للأمة، أنه وزّع جميع الأموال الموجودة في (بيت المال)، على المسلمين، على مواطني الدولة، وكان الشرط الحازم (المساواة) في توزيع الأموال، فلا يتم تفضيل أحد على آخر، على أساس مركزه او منصبه او درجة قربه من الحاكم، او حساسية منصبه، وسلطته، ونفوذه، السياسي او الاجتماعي او القبلي، فالكل عند إمام العدالة يخضعون لمبدأ المساواة بالقسط، لا أحد أفضل من أحد، أقرب الناس إليه، وأبعدهم، تم إعطاءهم المبلغ نفسه الذي أعطيَ للقادة الكبار والجنود العاديين، للفقراء والأغنياء، للأهل والأبعدين، وهكذا فرغ بيت المال، والكل حصل على حصته كاملة غير منقوصة.

هذا الإجراء العادل، الذي لم يتعوّد عليه أباطرة القوم، أغاض أصحاب المراكز العليا، ووجوه القوم، وشيوخهم، والمتنفذين منهم، فكيف يتساوى فلان القوي الغني ذو المنصب الحساس مع الفقير البسيط من أهل الله؟، كانوا يرون في هذا الاجراء العادل ظلما لهم، فيما كان أمير المؤمنين (ع) مؤمن بما يطبقه من منهج العدالة والمساواة، ومنذ تلك اللحظة عرف الأباطرة وشذاذ الآفاق والمنحرفون، أن مصالحهم باتت تحت تهديد العدالة، فبدأت الأحقاد تتحرك، والضغائن تلتحق ببعضها، وبدأت الدسائس تشتغل تحت السطح.

ولكن أين هؤلاء الصغار من ذلك الجبل الأشمّ، وأين أولئك الحقراء من سيد الكبرياء، في الحقيقة من الظلم أن يقوم أحدهم بالمقارنة بين الكبرياء والدناءة، بين المروءة والغدر، بين الشجاعة والجبن، بل من المؤسف حتى الإشارة الى أولئك المكللين بالدناءة والانحطاط، في حضرة رمز العدالة، وعنوان الانسانية، وكنز المساواة.

وما يثير الألم، ويزعزع النفس، ويدمي القلب، في حاضرنا، لم يستغل قائد واحد من قادة اليوم هذا الإرث العملاق، حتى الذين يعلنون أنهم من أتباع الإمام، وعلى منهجه، جرفتهم موجه الامتيازات، وسحقتهم السلطة تحت أقدامها، فصاروا صغارا عبيدا للمال والخداع والنفاق والكذب، إنهم يكذبون على الله وعلى رسوله وعلى آله الطاهرين، فيسرقون حقوق الفقراء جهارا نهارا، ويأكلون أموال اليتامى في عز النهار، ويقبلون (الرشى) بحجة قبول (الهدية)، ويشرعون لأنفسهم (سرقاتهم)، ظنا منهم بأنها تقيهم من الحساب، ولكن عين الله تراهم، ويوم الحساب ليس ببعيد، فضلا عن عيون الناس التي باتت تراقبهم بغيظ وتوجس ونفوسهم التي كرهت هؤلاء المنافقين الكذابين، الذين يعلنون تشبههم بأمير المؤمنين وهو منهم براء.

الفقر يسحق الناس

لم يظهر قائد سياسي واحد يتمسك بمنهج الامام علي (ع)، ويصحح الأوضاع التي آلت الى البؤس واتجهت نحو الحضيض، بعد أن كان يأمل الناس بالصعود الى القمة، بقيادة أناس يقولون أنهم من أتباع أهل البيت (ع)، ولكن القول شيء، والفعل شيء آخر، وما أكثر الفرق بينهما، بون واسع بين ما قالوا وبين ما يفعلون، فبدلا من أن يكون امام العدل والمساواة نموذجا لهم، وبدا من أن يتخذوا من منهجه طريقا لهم في ادارة السلطة والحفاظ على حقوق الناس، ذهبوا في الطريق المسدود.

طريق الذل والمهانة والعار، طريق الاختلاس وابرام الصفقات المشبوهة، طريق العصابات والمجرمين، طريق من لا يخاف الله، ولا يرضي أمير المؤمنين (ع)، ومع ان الفرص لا تزال متاحة لمن يريد التصحيح، ولكن لم يعد ثمة صبر في (ماعون الصبر)، الفقر سحق الناس، والعوز أذلهم وهم اهل الكبرياء، تعلموا ذلك من امامهم وقائدهم امير المؤمنين جبل الكبرياء، انهم فقراء مسالمون، ولكنهم لا يرضون بالذل، ولا يهدرون كرامتهم، ولا يتنازلون عن كبريائهم ومنهج إمامهم.

في شهر رمضان، هناك فرص كبيرة وكثيرة للعودة الى امام العدل والكبرياء، الساسة المخطئون يمكنهم العودة الى طريق الصواب، والكف عن اذى الناس، او على الاقل ابعدوا شركم عن حقوق الفقراء، و لاتعلنوا انكم صادقون وأنتم كاذبون ومخادعون، الامام ينظر إليكم، ويراكم، فعندما تنسبون أنفسكم الى منهجه ولا تعملون به، هذا لا يرضيه، ولا ينطبق مع مبادئه الكريمة، لذا هي فرصة العودة الى منهج العدل والمساواة وحفظ الكبرياء.

هذا ما ينتظره الامام علي (ع) من أتباعه ومحبيه ومؤيديه، من القادة والرعية، الجميع عليهم اليوم مسؤولية بناء الدولة والمجتمع، بما يحفظ الحريات والرأي والتعايش والتعددية والسلم الأهلي، وتثبيت الأمن، والأمان، ونشر العدل، ومساندة مؤسسات الدولة المستقلة، والتذكير الدائم بمبادئ أمير المؤمنين علي (ع)، ومنهجه في المساواة والعدل وبناء الدولة القوية حماية للفقراء والضعفاء، وصيانة لكرامتهم وكبريائهم.

اضف تعليق