علمتنا السياسة السعودية في زمن الملك سلمان بن عبد العزيز انها كلما تقدمت السعودية بخطوة تصعيدية تجاه خصومها ولا سيما إيران وحلفائها فأنها ستتقدم خطوات باتجاه التحالف مع إسرائيل، تسريبات إعلامية بشأن العلاقات الرسمية السعودية الإسرائيلية بين النفي والتأكيد، ولقاءات علنية بين التبرير والادانة، هذه هي ابرز ما يدور في المنطقة الرمادية بين السعودية وإسرائيل.
هذه المنطقة الرمادية فقدت لونها حتى أصبحت بيضاء جدا، فالإعلان الرسمي للتحالف السعودي الإسرائيلي بات وشيكا والمسالة تتعلق بترتيبات اشغال الجمهور السعودي بإنجاز داخلي والذي تكفلت به رؤية بن سلمان 2030، فضلا عن إيجاد الأرضية المناسبة لتوحيد الجهود تجاه عدو واحد وهو جاهز للإعلان أيضا فالإجراءات السابقة ضد حزب الله من خلال ادراجه على قوائم الإرهاب العربية (الخالية من إرهاب إسرائيلي يقتل الجريح ويحرق الاطفال) والتصعيد الخطير ضد ايران كان من ضمن خطوات هذا التحول السعودي باتجاه صديق الغرف المغلقة والاتفاقيات السرية.
وفي أحدث تطورات التحالف السعودي الإسرائيلي؛ مناظرة مباشرة نضمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى بين السفير السعودي السابق بأمريكا ورئيس المخابرات الأسبق، تركي فيصل والجنرال الإسرائيلي (احتياط) يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وقد اعترف الجنرال الإسرائيلي بوجود لقاءت كثيرة غير رسمية بين السعودية و"إسرائيل"، ضمن محاولات الوصول لمصالح مشتركة.
وكما هو معتاد تحدث الطرفان عن القضية الفلسطينية بشكل هامشي من اجل ذر الرماد في عيون معارضي هذا التحالف الجديد، لكن اهم ما في المقابلة هو حديث تركي الفيصل عن أهمية التعاون مع إسرائيل وضرورة تمتين العلاقات معها إذ كشف الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية عن رغبة بلاده في بدء تعاون شامل مع إسرائيل في شتى المجالات قائلا بالحرف الواحد " أقول للمشاهدين اليهود انه بالعقول العربية والمال اليهودي يمكننا المضي قدما بصورة جيدة، وفكروا ما يمكن تحقيقه في المواضيع العلمية والتكنلوجيا والمسائل الإنسانية والعديد من الأمور الأخرى التي بحاجة الى النظر اليها".
هذه الكلمات لا يمكن ان تمر على الباحثين عن الحقيقة مرور الكرام فحينما يصرح شخص مثل تركي الفيصل في هكذا كلام فالمعنى واضع والقصد مفهوم للعدو والصديق، انه يريد التأكيد على وجود برنامج تحالف شامل مع إسرائيل، ومخاطبته لليهود تشير الى عدة أمور وهي كالاتي:
أولا: انه (تركي الفيصل) يعرف جيدا ان مقابلته سوف لن تبثها وسائل الاعلام السعودية وما يصل لمواطني بلاده هو كلام عام عن هذا اللقاء فالخطاب موجه لوسائل الاعلام الغربية والجمهور الإسرائيلي بالتحديد.
ثانيا: انها تأتي استمرارا نهج السلطات السعودية الحاكمة بتجاوز جمهورها والشعوب العربية التي لا ترغب بالتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن صبر الشعوب له حدود وتمادي الحكام بتجاوز مواطنيهم سيرتد عليهم جحيما فالسعودية فيها الكثير من الرافضين للتطبيع مع إسرائيل من السنة والشيعة، فهذه الدولة في نظرهم غاصبة لمقدسات المسلمين واراضيهم ولا يمكن اسقاط الجريمة بالتقادم.
ثالثا: منع وسائل الاعلام السعودية من بث خبر المقابلة لا يخلو من حيلة فالهدف هو عدم مفاجئة الشعب السعودي بهذا التطور الكبير في العلاقات مع إسرائيل، وبما ان وسائل الاعلام الغربية او تلك المناوئة للحكومة السعودية ستنقل المقابلة، فانها ستحقق ما تطمح اليه سلطات الرياض بمحو الذاكرة السوداوية عن كيان الاحتلال الإسرائيلي وتهيئة النفوس لاستقبال حليف الغرف المغلقة في وقت لاحق.
تركي الفيصل تحدث أيضا عن تعاون في المجالات العلمية والتكنلوجية، فما هي افاق هذا التعاون هل في المجال المدني وتطوير صناعة سيارات مثلا او انشاء شركات للهواتف الذكية؟ لا نعتقد ذلك فالتعاون العسكري هو ما يجمع الطرفين والقاسم المشترك بينهما هو العداء ضد ايران، وقد يكون هذا التعاون التكنلوجي والعلمي هو لتطوير الأسلحة اذا ما تعهدت السعودية بحلف متين مع إسرائيل، وما يؤكد ذلك هو حديث محمد بن سلمان عن ضرورة تطوير الإمكانيات السعودية في صناعة الأسلحة ضمن رؤية السعودية 2030 وبما ان الدول الغربية لا يمكنها التعاون مع السعودية على الأقل في الأمد القصير نتيجة الحظر المفروض من قبل البرلمان الأوربي والدعوات الشعبية لمقاطعة السعودية، وبالتالي فالتعاون السعودي الاسرائيلي في مجالات التصنيع العسكري واردة جدا.
هذا الكلام يدعمه حديث الجنرال الإسرائيلي عمیدور الذي قال ان قلق إسرائيل الأكبر هو من ايران سواء من إمكانية تطويرهم لسلاح نووي يهدد وجود إسرائيل، او ذلك التهديد الذي يمثله حزب الله المدعوم من ايران، إذ يملك الحزب بحسب الجنرال الإسرائيلي اكثر من مائة الف صاروخ وقذيفة والعديد منها دقيق ويهدد وسط إسرائيل. وكل ما يخشاه الإسرائيليون هو هذا العدد الهائل من الصواريخ والتي تحول أي حرب مقبلة الى دمار هائل.
اذا استمرت السعودية وإسرائيل في تطوير التعاون المشترك بينهما فانه سيركز على محورين مهمين يتحمل كل طرف ما يتناسب مع إمكاناته وقدرته على التأثير، فالجانب السعودي سيتكفل بتكثيف جهوده لتشويه صورة ايران وحزب الله والشيعة بصورة عامة لدى الجماهير الإسلامية السنية مستفيدا من الإمكانات الإعلامية الهائلة سواء في وسائل الاعلام التقليدية او وسائل الاعلام الجديد فضلا عن توظيف كل ما يمكن من فتاوى التكفير ضد الشيعة، اما في الجانب الإسرائيلي فستكثف من نشاطاتها العسكرية والاستخباراتية بالتحديد سواء باستهداف القيادات الإيرانية او مساعدة السعودية بتحديث منظومتها الاستخباراتية.
امراء الاسرة الحاكمة في السعودية يمنون النفس بإعلان تحالفهم مع تل ابيب من اجل الحصول على مكاسب سياسية وعسكرية تقلب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط لكن ما يخشونه هو حصول ثورة داخلية تؤدي الى انهيار حكمهم نتيجة الغضب الشعبي، والسعودية تلعب بالنار منذ أكثر من عام وكل ما تفعله قيادتها الحاكمة هذه الايام هو تأجيل السقوط المحتوم فإيران العدو اللدود للسعودية باتت أقرب للغرب من السعودية وأوربا وامريكا باتت تفكير بإيجاد مساحة في متاحفها لدفن سجلات العلاقات مع السعودية في رفوفها، ورحلات الحج الدبلوماسية الغربية مستمرة على قدم وساق باتجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وإسرائيل لم تعد الابن المدلل للأمريكيين والتاريخ علمان ان أي صراع تكون نهايته بخسارة أحد اقطابه. فمن سيربح هذه النهابة اية الله ام سمو الأمير؟.
اضف تعليق