وفد النواب المعتصمين المتوجه الى النجف الاشرف اتجهت بوصلته الى كربلاء المقدسة في خطوة قالت بعض الجهات السياسية المعارضة للاعتصام بان المرجعية رفضت لقائهم وروجت على ان ذلك دليل اخر على عدم مشروعية هذا الاعتصام لما يولده من فوضى سياسية وشعبية أيضا.
صحيح ان المرجعية الدينية اغلقت ابوابها بوجه ساسة العراق، وفشل محاولة النواب المعتصمين في الحصول على اذن اللقاء بمراجع الدين له الاثر الكبير على ترجيح كفة معارضي الاعتصام "النيابي" لا سيما وان خطوة زيارة النجف كانت غير مدروسة على ما يبدو كما هو حال الاعتصام الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه ولا حتى مدى استمراريته مع عدم وضوح اهدافه. وفي الجانب الاخر يرى البعض ان الاعتصام النيابي يكتسب شرعيته من تبنيه للمطالب الشعبية، ويؤكد أنصاره ان عدم اعلان المحكمة الاتحادية رأيها في قضية اقالة رئيس البرلمان سليم الجبوري كانت دليلا على قانونية هذا الامر.
والفوضى التي تسود الشارع العراقي هذه الايام لم تكن مفاجئة ابداً فمن يزرع المحاصصة يحصد الازمات بسبب عدم التوافق على الحصص وما يزيد الوضع سوءا هو "اللامبدئية" السائدة، فكل حزب يروج لنفسه من خلال استعارة شعارات الشارع العراقي المتعطش للحل بغض النظر اذا كانت تتوافق مع برنامج الحزب ام لا، والجميع يعرف ان رفع تلك الشعارات هو حيلة سياسية يراد منها ابقاء المكاسب لكل طرف او محاولة الحصول على مكاسب جديدة، الا انه لا يوجد من يستطيع ازاحة أي فريق من الساحة نتيجة اشتداد وتيرة الازمة "الاصلاحية" وهناك من يرى بان التصعيد النيابي فَقَدَ الكثير من الزخم وذلك لعدة اسباب:
اولاً: محاولة بعض الكتل السياسية تهدئة الامور بل واستخدام الخشونة السياسية تجاه النواب المعتصمين، إذ اعلنت كتلة بدر البرلمانية، يوم السبت في مؤتمر صحفي رفضها ما وصفته بـ"تقسيم البرلمان العراقي وتشتيت وحدة الصف الوطني"، كما طالبت جميع الاطراف بحسم موضوع الرئاسات الثلاث، ودعت الى عقد "جلسة برلمانية موحدة" لحل الازمة الحالية. وقد تبنت كتلة الفضيلة نفس الموقف برفضها ما وصفته بـ "الانقسام بين القوى النيابية".
ثانياً: انسحاب بعض النواب اضعف من موقف المعتصمين كما ان هناك من يشكك اصلا بجدية بعضهم نظرا لسجله السابق، إذ اعترف احد النواب سابقا بانه من ضمن الفاسدين كما ان له تسجيلات تثبت تهجمه على الشعب العراقي في اكثر من مناسبة فيما كان البعض الاخر من اشد المتشبثين بشخصيات دعتها المرجعية الدينية الى ترك السلطة وهو ما قلل من فعالية هذا الاعتصام النيابي كما ان دعوة السيد مقتدى الصدر للرئاسات الثلاث بالتنسيق لعقد جلسة برلمان وتقديم الكابينة الوزارية المتصفة بالتكنوقراط المستقل جاءت لتقتل هذا الاعتصام النيابي.
ثالثاً: التناقض بين شعارات المعتصمين وقراراتهم فهم رفعوا شعار " فلتسقط المحاصصة" وإذا بهم ينحازون لاختيار رئيس البرلمان الجديد من المكون السني، استناداً الى قاعدة الحفاض على التوازنات بين المكونات، وهو ما كشف عن وجود خلل في هذا التحرك النيابي، والتسريبات تشير الى ان المعتصمين رشحوا رئيسا سنيا ونائب اول شيعي ونائب ثاني كردي بل ذهب البعض الى اتهام كتلة سياسية كبيرة بخلق هذا الاعتصام من اجل خلط الاوراق والحصول على مكاسب من تحت رماد الفوضى.
هذه الأسباب أعلاه قد تكون واقعية الى حد ما لكن من ينظر الى تأثير التحركات البرلمانية الأخيرة يراها مغايرة لذلك، فبعض الوزارات أغلقت أبوابها نتيجة الضغط الجماهيري ومن غير المستبعد ان تشهد البلاد ما هو غير متوقع فالعصيان المدني قد يكون من ضمن خيارات المتظاهرين الذين يحيطون بالوزارات في العاصمة بغداد ومقتدى الصدر الذي يحرك التظاهرات بات اقوى من السابق وقاعدته الشعبية في تصاعد مستمر.
وعلى كل حال فان الطبقة السياسية الحالية فقدت الكثير من رصيدها في الشارع العراقي بسبب ما تعرض له الشعب من ظلم وفقر وضعف في الخدمات المقدمة، فضلا عن عجز واضح في حل المشكلات الرئيسة التي يعاني منها البلد. وحكومة العبادي لا تستطيع تقديم المزيد بل انها متجهة نحو الاسوء وقاعدة الفساد السياسي تمارس لعبة المكر والحيلة فأصبحت مثل الافعى التي تحاول الالتفاف على قاتلها، وربما سيعود سم الافعى الى نحرها هذه المرة.
اضف تعليق