هنالك سؤال يدور بين كثيرين، هل جودة الجمهور تعتمد على الحكومة الجيدة، أم أن الحكومة الجيدة بحاجة الى مجتمع واعي جيد ومثقف؟.
نلاحظ في الآونة الاخيرة، تكرار شكوى الجماهير من اداء الحكومة، وتتركز هذه الشكوى من ظواهر الفساد والظلم والسرقة التي تحدث في المؤسسات والدوائر والأنشطة الحكومية، والحقيقة تحدث هذه التجاوزات من أعلى منصب حكومي الى أدناه..! مع استثناءات هنا وهناك.
فما هي الأسباب التي تقف وراء هذا الفساد والتخلف واللامبالاة؟
هل المشكلة توجد في المسؤولين والرؤساء من أصحاب المناصب؟ أم أن هذه العقدة توجد في المنصب نفسه؟..
إننا نلاحظ عندما يصل المسؤول الى منصبه بمساعدة الجماهير طبعا، فإنه ينسى ماضيه ووعوده التي وعد بها الناس؟، ومشكلة عدم الوفاء بالوعود تشكل اليوم ظاهرة مؤسفة في العراق، لماذا يحصل ذلك؟ كثيرون يتساءلون، ما هو السبب الذي يدفع المسؤول لكي يخدع الجمهور؟
هل ينشأ هذا العائق بسبب الأسرة؟، أي هل الجانب التربوي قاصر، فصار الانسان انتهازيا يبحث عن مصالحه فقط، وينسى وعوده التي قطعها للناس؟؟..
إن الأسرة: هي نقطة الانطلاق في إنشاء العنصر الانساني، ونقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع ومراحل صيرورته.
كما أن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية التي تزرع في قلوب افرادها، القيم الاخلاقية والاجتماعية، وهي في جملتها تتشكل بقيم التعايش والتعاون والتكافل وما إلى ذلك!.
كذلك تتميز مهام الأسرة في تربية الفرد عن غيرها من المؤسسات، أي هناك جهات ومؤسسات تربوية كثيرة ومختلفة الاساليب والمضامين، ولكن تبقى (الأسرة) المؤسسة التربوية الأهم في حياة الانسان، فهي التي تبدأ بتشكيل شخصيته، وتغرس القيم التي يؤمن بها، وهي التي ترعاه في كل صغيرة وكبيرة، حيث الفرد يقضي بداية حياته ويستمر فيها، ويأخذ منها المهارات وطبيعة السلوك والآداب، ويقضي أكثر وقته فيها ومع افرادها ويتأثر بها، والحقيقة أن دور الأسرة الأول يمتلك القول الفصل في نجاح او فشل الانسان!.
السؤال المهم.. ما هي وظائف الأسرة؟
للأسرة وظائف عديدة، متنوعة، متجددة، ويجب أن تحمل الطراز الحيوي دائما، وتختلف هذه الوظائف عن بعضها منها على سبيل المثال:
- الوظيفة البيولوجية: وهي تتلخص بدور الأسرة في تغذية الانسان في المجالين المادي اولا ومن ثم المعنوي لاسيما عندما يبدأ الانسان يعي الاشياء ويرغب في تعزيز العلاقات الاجتماعية.
- وظيفة التنشئة حيث يتم فيها بناء شخصية الطفل وانطلاقا منها تبدأ التفاعلات الاجتماعية مع الآخرين، وتعلّم المبادئ الاجتماعية والأخلاقية والدينية، حيث يتعلم فيها الانسان المعايير المقبولة وغير المقبولة وما الى ذلك.
ويحدث ضمن هذه الوظيفة تقدما لدى الطفل حديث الولادة، فيرتبط بشبكة العلاقات القائمة في مجتمعه كي يستطيع العيش بانسجام مع ذويه ومع اقرانه بانسجام.
- الوظيفة العاطفية: وينحصر دور الأسرة هنا بتعليم الطفل المحبة والتعاطف مع الآخرين، والميل نحو أفراد الأسرة ونحو الآخرين على حد سواء.
وإذا حصل أي ضعف في دور الأسرة بخصوص تربية أفرادها، فهو ينعكس سلبا على أفرادها، فيكون الفرد في حالة من اليأس والتشاؤم والتعاسة التي تنعكس على علاقة الفرد مع الاخرين.
قال أحد الحكماء أردت أن أغير العالم ليعيش الناس بسلام في مجتمع متعايش متعاون، فكرت من أين يجب أن أبدأ؟ أ مِن محافظتي!؟
رأيت ليس بإمكاني تغيير الافراد لكثرة عددهم !
فكرت ثانية أن أبدأ من المنطقة التي أعيش فيها (الحي الذي أسكن فيه)! ورأيت أن ليس بإمكاني القيام بهذه المهمة ايضا، لكثرة عددهم، ثم توصلتُ إلى النتيجة التالية:
يجب أن أبدأ من نفسي، فعندما أغير نفسي سوف يتغير الناس في منطقتي، ومن ثم يتغير الناس في محافظتي، ويتغير بلدي تلقائيا.
لهذا يجب أن يبدأ كل شخص يشكو من حالة المجتمع والظواهر السيئة فيه، ويشكو من السرقة والظلم والفساد، يجب أن يبدأ بنفسه أولا! فيصون نفسه ويربي جيلا صالحا لكي يرتقي الصالحون ويصعدون الى الى المناصب العليا ويقدمون الخدمة للجمهور من دون سرقة أو فساد او ظلم.
فالتربية تلعب دورا أساسيا في تغيير المجتمع من حيث إعداد الفرد تربويا وتأهيله مجتمعيا، ابتداء من الأسرة، فهي المحطة الأولى في التربية والإعداد، وهي الحاضنة التي تصنع العقول والارادات والشخصيات الناجحة، لذلك إذا يهان الفرد في الأسرة والمدرسة وليس بإمكانه ان يعبر عن رأيه بحرية، ويُضرب هنا وهناك، سوف يتربى مهزوزا وحقودا، وسيحمل في قلبه الكره للجميع، وسيكون أنانيا ضعيفا بلا شك !
أخيرا نحن نتصور أن الجماهير معتمدة في نجاحها على الحكومة الجيدة، ولكننا دائما نغفل كم أن الحكومة الجيدة بحاجة إلى شعب جيد!
جاء في الذكر الحكيم: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد:11.
اضف تعليق