يبدو أن واحدة من القضايا التي بدأت تدور في الأوساط السياسية والدولية هو مايجري في إيران من إنتخابات للبرلمان الجديد ومجلس الخبراء الذي يمتلك صلاحيات واسعة في مجال تعيين الولي الفقيه، إذ يرى المراقبون إن هذه الإنتخابات سيكون لها دور كبير في تحديد التوجه السياسي الخارجي الذي سوف تتعامل به الجمهورية مع القضايا الدولية، خاصةً العلاقة مع الغرب بعد الإتفاق النووي، وتأتي أهمية هذه الإنتخابات كونها أول عملية إنتخابية تجري بعد الإتفاق مع الدول الكبرى بشأن البرنامج النووي الإيراني. علاوةً على ذلك فإن هذه الإنتخابات أيضاً تعد المقدمة لإنتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2017 والتي من الممكن أن يستدل من خلالها حول خريطة الرأي العام الإيراني.
مجلس الخبراء وشرعية الولي الفقيه
يعد مجلس الخبراء من أهم مؤسسات صنع القرار في الجمهورية الإسلامية والذي يتألف من (88) عضوا، ويضم فقهاء مجتهدين يتم إنتخابهم من قبل الشعب كل ثمان سنوات، يمثل مجلس الخبراء أهم مراكز توجيه القرار الإيراني، فهو يقوم بمهام تجديد الثقة أو عزل الولي الفقيه أو إختياره في حالة الفراغ، وهذا مايعني إن مجلس الخبراء له دور مهم في التأثير على الولي الفقيه من خلال مكانته السياسية التي منحت بموجب الدستور والتصويت الشعبي المباشر.
ومن خلال قراءة الخارطة الإنتخابية يمكن ملاحظة المحاولات التي يستنجد بها الإصلاحيون لتقليص سيطرة المحافظين على السلطة، لاسيما في المراكز الأساسية في صنع القرار، علاوةً على المؤسسة التشريعية التي تحتل هي الأخرى مكانة مميزة داخل النظام السياسي الإيراني، وبالتالي فإن صعود كوادر القوائم الإصلاحية وبعض الشخصيات المعتدلة كالحالة مع رفسنجاني سيكون لها تأثيراً مهماً على دور الرئيس روحاني في برنامج السياسية الخارجية.
وبالرغم من ملامح الرغبة التي تجتاح العديد من الفئات الإجتماعية وخاصةً الشباب بالتغيير وتقليص سيطرة الجناح المتشدد، إلا أن الواقع الإيراني يفرض إعتبارات تتعلق بتوزيع النفوذ بين الإصلاحيين والمحافظين، فعلى الرغم من سعة الخلاف بينهما خاصة بشأن التفاهم مع الغرب وتبني الأفكار الإسلامية المحافظة، إلا أن حدود التوازن التي يتعامل بموجبها الولي الفقيه ساهمت بشكل كبير في حفظ نظام الثورة، رغم المحاولات الواسعة التي تبناها الغرب في هذا المجال.
إن صعود الإصلاحيين سوف يشكل في جزء منه تحدياً للمحافظين المتشددين، رغم أن هذا الخيار لن يكون واقعياً بسبب حدود التوازن التي يفرضها الولي الفقيه في ظل الترتيبات التي تقوم عليها الجمهورية، فإسلوب المرشد في التعامل بين الفئات الإجتماعية والسياسية يساعده على أن يكون الطرف الموازن الذي يرجح كفة الميزان عند الضرورة، رغم أن خطوط المعركة القادمة سوف تبدأ إذا لم يتحقق التوازن أو إذا ما خسر المتشددون قنواتهم داخل مجلس الخبراء والسلطة التشريعية.
الإصلاحيون نفوذ أكبر وخيارات حرجة
إن الملامح الأولية لنتائج الإنتخابات تشير إلى تقدم الإصلاحيين خصوصاً والإعلان عن أسماء بعض الفائزين في عملية الإنتخاب والذين يمثلون أهم القيادات المؤثرة في إيران كالرئيس روحاني ورفسنجاني، علاوةً على بعض القيادات المعتدلة التي تساعد في حفظ المعادلة القائمة في إيران بل تميل إلى تعزيزها كالسيد محمود الهاشمي الذي يميل إلى تعزيز مكانة الولي الفقيه، وهذا ما يعني إن تمركز المواقع القيادية سوف يكون بيد الإصلاحيين سواء في رئاسة الجمهورية أو في السلطة التشريعية.
ولفهم خطوط المعادلة في هذه الإنتخابات ينبغي أيضاً فهم بعض العلاقات البينية التي تحتل جزءاً مهماً في تشكيل المشهد السياسي القادم، فالتأييد الذي يمتلكه الرئيس روحاني من قبل بعض المحافظين المعتدلين ومن بينهم علي لاريجاني سيكون له تأثير واضح داخل مجلس الخبراء، لاسيما في ظل الوزن السياسي الذي يتمتع به كل من رفسنجاني وروحاني في هذا الجانب، خاصةً بعد تمكّن روحاني من تعزيز هيبة إيران الدولية في المفاوضات مع الدول الكبرى، الأمر الذي يمنح برنامجه السياسي ثقة عالية عند الولي الفقيه وبما يؤمن شراكة متميزة بين الولي الفقيه ومجلس الخبراء.
تبقى خيارات التغيير والتبدل في المشهد السياسي غير واضحة، فالثوابت الإيرانية في السياسة الخارجية وحدود القوة التي ينبغي أن تتعامل بها مع الحلفاء في المنطقة هي التي تقرر توجهات العلاقة الداخلية، فإستراتيجية أم القرى وأهمية قوة إيران في الذهنية الإستراتيجية الإيرانية هو الذي يحدد المسارات التي سوف تتحرك داخل إيران على إعتبار إن ضعفها أمام الغرب أو الإعتقاد به لن يكن بصالح الإسلام حسب منطق الفكر الإستراتيجي الإيراني بعد الثورة.
ومع ذلك فإن ملامح المستقبل هي التي تحفز قراءات المحللين والخبراء في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، الذين يعتبرون أن صعود الإصلاحيين سيشكل فرصة في إستقرار سياسة روحاني تجاههم، وأن تكون أكثر واقعية ومنطقية، والتي ستمكن إيران من إعادة دمج ذاتها القومية في البيئة الدولية مع الحفاظ على إعتبارات تتعلق بالذات الإيرانية نفسها. فالشعور بالأمن في هذه المرحلة من فوضى المنطقة يجعل الإيرانيون يميلون إلى تجديد ثقتهم بالنظام السياسي القائم، والذي مايزال يحافظ على الأمن القومي الإيراني في ظل التهديدات الإرهابية التي تعج المنطقة برمتها.
إن الأطر الأساسية التي سوف يفرزها صعود الإصلاحيين سوف تساهم في تعزيز المواقع القرارية المؤثرة على الرئيس، خصوصاً في قراراته الخارجية رغم إستمرار جزء من التحديات في ظل وجود بعض القنوات المتشددة داخل إيران، إلا أن مساحة الرئيس روحاني سوف تتسع بلا شك من حيث نطاق الخيارات التي يتعامل بها فضلاً عن أنها ستوفر له تفاهمات أكبر في الجانب الجيوستراتيجي مع الغرب، رغم إستمرار إحتمالية خضوع كل ذلك لما تريده إيران بعد الإتفاق النووي.
اضف تعليق