السيناريوهات التي رسمت في سوريا كثيرة، اغلبها كانت تتمنى ان تدار الأمور بين اللاعبين الكبار بشيء من التعقل، سيما وان اجتماع المعارضة والنظام في جنيف برعاية الأمم المتحدة أنعش الآمال بإمكانية الجنوح الى حل سياسي يمهد السبيل الى إيقاف الدمار الشامل في سوريا منذ خمس سنوات... لكن، على ما يبدو، لم يكن هناك استعداد من قبل الجميع للتوصل الى وقف إطلاق النار او السعي لإعلان هدنة او حتى بحث اي حل سياسي ممكن، وسط فوضى المصالح والمقايضات.
لم يرغب أي طرف اعلان مسؤوليته عن افشال او تأجيل المفاوضات الى اشعار اخر، مثلما لم يعلن أي طرف رغبته الحقيقية لفتح باب الحوار لحفظ ما تبقى من الشعب السوري الذي شتت في مختلف بقاع الأرض، وحتى الاعتماد على الولايات المتحدة الامريكية وروسيا، أبرز اللاعبين الدوليين في سوريا، لحل أزمتها المزمنة، ربما لم يعد مجديا، لوجود لاعبين اقليمين لديهم توجهات مغايرة قد تخلط الأوراق من جديد... من دون ان ننسى ان الخلاف الروسي-الأمريكي حول الازمة السورية ما زال قائما، وان اتفقا في جوانب مهمة منه.
تركيا التي اعتبرت نفسها أكبر الخاسرين في سوريا، تحاول ان تعوض خسارتها بعد فشل مساعيها في إقامة "الملاذ الامن"، فضلا عن استهداف الروس للمسلحين المدعومين منها، الامر الذي عقد مساعيها للتدخل المباشر والاطاحة بالنظام السوري.
كما ان تدفق مئات الالاف من اللاجئين اليها، والعمليات الإرهابية التي طالت أراضيها، وسيطرة اكراد سوريا على مساحات إضافية... أفقد "اردوغان" صوابه، وربما جعله يتطلع نحو "الناتو" و"السعودية" ودول الخليج مجددا لإقامة تحالف قد يغير الموازين على الأرض السورية، بعدما سبقه الى ذلك نظام الأسد وحلفائه الأقوياء.
اما السعودية، هي الأخرى تشعر بكثير من الغبن، ليس في الملف السوري، بل في عموم منطقة الشرق الأوسط، امام خصمها التقليدي إيران، ومن أقرب حلفائها، الولايات المتحدة الامريكية، التي ابرمت "اتفاقا تاريخيا" لإنهاء ازمة "الملف النووي" مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، والتي ستفتح السبيل امامها لعودة العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الغرب، وستعطيها المزيد من القوة الاقتصادية للتحرك السياسي في المنطقة، بمعنى اخر ان السعودية شعرت ان حليفتها الغربية أعطت إيران المزيد من القوة لمواجهتها.
كما ان الحكام الجدد في السعودية، بقيادة الملك "سلمان بن عبد العزيز" وولده "محمد"، يحاولون اختزال سياسية الوقت الضائع التي انتهجها سلفه الملك "عبد الله بن عبد العزيز"، والتي اعتبروها فترة من "الانكماش" للسياسية الخارجية للملكة السعودية في المنطقة، والتي استغلتها إيران بدورها للتوسع في سوريا والعراق ولبنان واليمن... وبالتالي كانت السنة الأولى لحكم "سلمان" شاهد على تحركات واسعة باتجاه تعزيز نفوذها في اليمن وسوريا ولبنان، فضلا عن صراعها الدبلوماسي ضد إيران نفسها.
تقدم النظام السوري باتجاه "حلب" بعد ان حقق المزيد من النجاحات على الأرض في المعارك الأخيرة، ولد حركة غير مسبوقة من جهة معارضي النظام، تركيا والسعودية والمعارضة التي يدعمها كلا الطرفين، تحاول ترتيب اوراقها من اجل إعادة كفة التوازن التي مالت لصالح النظام وحلفائه، وهذا يعني المزيد من الفوضى في سوريا، والتي لن يخرج منها أي طرف وهو يرفع راية الانتصار.
ما يتخوف منه بعض المراقبين، هو تحول الصراع غير المباشر (حروب بالوكالة) بين الأطراف المشاركة في الازمة السورية، الى صراع مباشر، سيما وان السعودية والبحرين والامارات قد أعلنت استعدادها لإرسال قوات برية الى سوريا، اما تركيا التي استعانت بحلف شمال الأطلسي، فهي الأخرى لن تتوانى عن ارسال قوات برية في حال شعرت ان مصالحها وصلت الى طريق مسدود، وفي حال وصل التصعيد الى هذا المستوى الخطير، من سيدير اللعبة في سوريا؟، وكيف ستكون النهاية؟.
اضف تعليق