لم يكن مستغربا ان ترتفع حدة الخلاف بين القوتين الاقليميتين المتخاصمتين، إيران والسعودية، والمفارقة هنا، ان كلا البلدين عولت عليهما القوى الغربية الكبرى، إضافة الى الولايات المتحدة الامريكية، للتوافق الدبلوماسي من اجل إيجاد مخرج سياسي في سوريا، والذي يمكن ان يفتح باب التفاهمات لحل قضايا أخرى عالقة، منها قضية اليمن ولبنان وامن الخليج، لكن بدلا من ذلك تم عرض الوساطات لحل الخلاف الدبلوماسي الذي اندلع مؤخرا بينهما على خلفية اعدام الشيخ "النمر" وحادث الاعتداء على سفارة المملكة في طهران.
تركيا بادرت الى التوسط لحل الخلاف، مثلما فعلت روسيا من قبل، كما ان بغداد عرضت وساطتها لدى الجانبين لحل أي خلاف دبلوماسي عالق بينهما، اما الولايات المتحدة الامريكية فقد اكدت ان وزير خارجيتها يسعى "لنزع فتيل التوتر واستعادة بعض من الشعور بالهدوء والتشجيع على الحوار والتواصل بين هذين البلدين، والتأكيد أيضا على أن هناك قضايا أخرى ملحة في المنطقة"، والمقصود بذلك هو "عدم السماح بتعثر أو تراجع عملية فيينا"، كما صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الامريكية.
وقد اختلف الكثير من المتابعين والمحللين للمشهد الدرامي الدبلوماسي المتصاعد الحدة بين إيران والسعودية، حول طبيعة هذا الخلاف وما ستؤول اليه الحال من تصعيد او تهدئة في خلال الفترة المقبلة، سيما وان التحشيد السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، وحتى التلويح العسكري والحروب بالوكالة قد شخصت كأدوات محتملة يمكن ان تستخدم في هذا التصعيد.
البعض يراها "معركة دبلوماسية"، مثل المحلل ريك فرانكونا الذي قال "رأينا كيف قطع السودان العلاقات الدبلوماسية مع إيران والبحرين والسعودية وتقليص التمثيل الدبلوماسي للإمارات العربية المتحدة في طهران، وهذا يعني أننا ننظر إلى معركة دبلوماسية كبيرة ونأمل أن تبقى هكذا وألا تتطور".
فيما رأى اخرون، ان إمكانية تطور الخلاف الحالي من دبلوماسي الى عسكري، امر قائم بالفعل، بل يذهب البعض بالقول الى وجوده بالفعل في اليمن وسوريا، حيث تدعم إيران والسعودية جهات متصارعة فيما بينها، وقد تتطور (بحسب وجهة النظر الأخرى) بالانتقال الى مناطق صراع أخرى في منطقة الشرق الأوسط، قد يكون العراق من بينها، على سبيل المثال.
وقد اثار الخلاف فيما بين المحللين والمتابعين لأخر تطورات الازمة الدبلوماسية بين البلدين، الكثير من الأسئلة، والتي وضعها البعض في سياقاتها الطبيعية، فيما وضعها القسم الاخر منهم في سياقات تصعيدية خطيرة، يمكن ان تنذر بحرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط، وتقسمه الى جبهتين متصارعتين بشكل استثنائي... لكن مجمل هذه الأسئلة تدور حول إمكانية حسم هذا الخلاف التقليدي من خلال "الوساطة الدبلوماسية"؟ ومن القادر على تنفيذها؟.
بغض النظر عن خلفيات الصراع السعودي-الإيراني والتداعيات التي وصل اليها التصعيد الاخير، فان العبور الى "المنطقة المجهولة" او "الصراع المفتوح" بين الطرفين امر صعب جدا، واغلب الظن انهما على علم بذلك ولا يرغبان بالوصول اليه... لا اليوم... ولا غدا... ولا في المستقبل أيضا.
لذلك ربما وصلت "فورة الغضب" الى القمة، خصوصا بالنسبة الى ردود الأفعال السعودية، ومن المحتمل ان نشهد تتناقص تدريجيا في الأسابيع والاشهر اللاحقة لهذه الفورة، وربما تفعل "الوساطة الغربية" بصورة أكثر نشاطا لتقريب وجهات النظر، ومنع التصعيد من أطراف متشددة داخل البلدين ترى من التصعيد وسيلة لتحقيق مارب خاصة لها، كما ان التاريخ السياسي الذي جمع البلدين يحكي لنا الكثير من الحكايات المشابهة لما حدث اليوم، وانتهت اغلبها بعد فترة من الزمن، لسبب بسيط للغاية، انها مشاكل تدور رحاها بسبب "المصالح" وتنتهي أيضا لذات السبب.
اضف تعليق