عندما أعلنت السعودية اعدام الشيخ "النمر"، أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين لنظام (الملكية المطلقة) وحكم "ال سعود" في المملكة، الى جانب عشرات المتشددين التابعين لتنظيم "القاعدة" الإرهابي، بلغ صدى هذا الحدث ابعد نقطة في الشرق الأوسط، والعالم أيضا... وخوف الجميع من حرب محتملة بين الخصمين الاقليمين، ايران والسعودية، يمكن ان نرى اثارها في الخليج وباقي دول المنطقة، سيما وان "الحرب الدبلوماسية" التي أعلنتها المملكة السعودية ضد ايران، ولحقت بركبها البحرين وجيبوتي والسودان والامارات، يمكن ان تمتد لحروب أخرى قد تشمل حربا اقتصادية، دينية، عسكرية، بالوكالة...الخ.
ما اثار قلق العالم من التصعيد السعودي وردود الأفعال الإيرانية، التي أشعل فتيلها اعدام المعارض "النمر"، هو انعكاسها المباشر على مساعي السلام في سوريا، إضافة الى الحرب المستعرة في اليمن، والخلاف السياسي في لبنان، فضلا عن امن الخليج وصادرات النفط والتوتر الطائفي في الشرق الأوسط، وجهود مكافحة الإرهاب العالمي... وجميعها ملفات حساسة قد تتأثر سلبا باي تصعيد بين الطرفين يؤدي الى تأزم أكثر حدة في المنطقة التي تعاني من خلافات سياسية حدادة بين الفرقاء الإقليميين.
وكما أسلفنا، فان اغلب من تكلم عن الازمة من دول وسياسيين ومنظمات، تخوفوا من نقل التوتر السعودي-الإيراني الى مناطق أخرى في الشرق الأوسط، في محاولة كل طرف تحجيم نفوذ الطرف الاخر، او تحقيق نصر إقليمي على حساب الاخر، في سوريا واليمن ولبنان والخليج... لكن ماذا عن العراق؟
لم تكن العلاقة السياسية التي جمع العراق بالبلدين علاقة "جيدة" او "استراتيجية" على طول الخط، باستثناء بعض الفترات التي استقامت فيها هذه العلاقة بسبب مصالح مشتركة سرعان ما انتهت بانتهاء المصلحة، فإيران في زمن نظام "صدام" خاضت حرب طويلة مع العراق (1980-1988)، كانت فيها السعودية داعما رئيسيا لحكم البعث في العراق ضد "المد الإيراني" في الخليج بعد نجاح الثورة فيها عام (1979).
بينما انقلبت السعودية ضد "صدام" بعد ان غزا الكويت عام (1990) وقطعت جميع علاقاتها الدبلوماسية معه، ولم تحاول معاودة تطبيع علاقاتها مع العراق الا في الأشهر الأخيرة، في حين تمكنت إيران من تمتين علاقتها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية مع الحكومة العراقية بعد عام (2003).
وخلال السنوات الماضية، التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق، حاول الطرفين تفعيل نفوذهما في البلد الذي شهد خلال سنوات قليلة انهيار نظام واحتلال أجنبي وقيام نظام جديد، إضافة الى تعرضه لهجمات شرسة على يد تنظيمات إرهابية متطرفة ابتدائها تنظيم "القاعدة" حتى وصل الامر الى تنظيم "داعش"... وقد شهد العراق خلال تلك الفترات، الكثير من الخلافات السياسية والتدخلات الإقليمية التي عكست بصورة واضحة "حروبا بالوكالة" يحاول فيها كل طرف إيقاع الضرر بخصمه داخل العراق.
ومع ان حكومة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، حاولت تركيز جهدها في مكافحة تنظيم داعش واخراجه من الأراضي العراقية، ومعالجة انعكاس تدني أسعار النفط على الاقتصاد العراقي، وتحقيق إصلاحات تواجه ملفات الفساد الحكومي، الى جانب الحد (او الموازنة على اقل تقدير) من التدخلات الإقليمية... الا ان "الملف العراقي" ما زال مرشحا ليكون أحد ملفات التجاذب الإيراني-السعودي في المنطقة.
اغلب الظن ان الحكومة العراقية اعدت العدة لمثل هذه الاحتمالات، سيما وان ملف تحرير الموصل، والخلاف بين المكونات السياسية، وإعادة العلاقات "السعودية-العراقية" حديثة العهد، ومسألة الأقاليم، وتقسيم العراق، وغيرها من الملفات، كلها مرشحة لاستخدامها كأدوات في المعركة القادمة... وعلى هذا الأساس ينبغي على الحكومة العراقية النأي بنفسها عن أي صدام "غير مبرر" يمكن ان يؤدي الى اهدار الانتصارات العسكرية التي تحققت ضد الإرهاب، او قد يعقد المساعي الأخرى في تحرير باقي المدن العراقية، خصوصا الموصل.
ربما نجحت الدبلوماسية العراقية في التعامل بحكمة وصبر امام التجاوز التركي على أراضيها، لكنها امام اختبار اشد صعوبة في عدم السماح لتحويل الأرض العراقية الى ساحة حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
اضف تعليق