لم يحدث في تاريخ العلاقات الدولية أن تشكَّلَ خلال فترة وجيزة هذا العدد من التحالفات العسكرية الدولية والغربية والعربية والإسلامية: تحالف دولي لتحرير الكويت 1990، تحالف دولي بعد تفجيرات سبتمبر 2001 لمحاربة الإرهاب، تحالف دولي لاحتلال العراق 2003، تحالف غربي لإسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا 2011، تحالف غربي لمواجهة تنظيم داعش في العراق 2014، تحالف عربي للتدخل في اليمن (عاصفة الحزم) 2015، تحالف دولي لمواجهة تنظيم الدولة في سوريا، حملة عسكرية روسية في سوريا 2015، وأخيرا التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب ديسمبر 2015.
لن نخوض في جدال حول الأهداف الحقيقية لهذه التحالفات والتاريخ علمنا أن الأحلاف العسكرية تبدأ تحت عنوان وهدف محدد وتنتهي إلى أمور أخرى، فمحاربة الإرهاب عنوان فضفاض ما دام لا يوجد تعريف أو توافق دولي حول الإرهاب أو مَن هي الجماعات الإرهابية. ولن نناقش مدى شرعية الأعمال العسكرية وتوافقها مع القانون الدولي والشرعية الدولية وخصوصا أن غالبية هذه الأحلاف تشكلت دون إذن من الأمم المتحدة. كما لن ندخل في تقييم ونتائج نتائج أعمال هذه التحالفات منذ إسقاطها لنظام صدام حسين إلى الآن، وماذا أنجزت من أهدافها المُعلنة، وما أنجزته من الأهداف غير المُعلنة الخ.
سُنسلم بأن هدف هذه التحالفات محاربة الإرهاب والحفاظ على السلام العالمي وحماية الشعوب في مواجهة الأنظمة المستبدة والجماعات الإرهابية، بما يتوافق مع القانون الدولي والشرعية الدولية، وسنُقِر أن من حق كل الشعوب أن تعيش حرة، وواجب على دول العالم مساندة هذه الشعوب والحركات المناضلة من اجل الحرية، ولكن...
أين هذه الدول والتحالفات من فلسطين حيث يخضع الشعب للاحتلال منذ عقود، ومن إسرائيل التي تحتل الأرض وتنتهك القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وتمارس الإرهاب بكل أشكاله داخل فلسطين وخارجها؟. وكيف يتجاهل المشاركون في هذه التحالفات أن نفس الشرعية الدولية التي يبررون تحالفاتهم بها تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وهناك عديد قرارات الشرعية الدولية التي تطالب بمساندة الشعب الفلسطيني وحقه بمقاومة الاحتلال وتقرير مصيره بحرية، وقد صوتت 177 دولة قبل شهر مؤكدة على هذا الحق، والمقاومة ضد الاحتلال ودفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه جزء أصيل من حق تقرير المصير، وهو حق انتقل للدولة الفلسطينية تحت الاحتلال التي أصبحت عضوا مراقبا في الأمم باعتراف غالبية دول العالم.
الشرعية الدولية نفسها التي يعتمد عليها الحلفاء للتدخل في أكثر من دولة عربية تعترف بأن إسرائيل دولة احتلال وأن الضفة الغربية وقطاع غزة أراضي مُحتلة، وهناك قرارات دولية تطالب بانسحاب إسرائيل من هذه الأراضي، ونفس الشرعية الدولية تمنح الفلسطينيين الحق باللجوء لكافة الوسائل لمقاومة الاحتلال بما في ذلك الكفاح المسلح. وانصياعا وحفاظا على السلام العالمي التزم الفلسطينيون بعملية السلام وبخطة خارطة الطريق. مقابل ذلك انتهكت إسرائيل القانون الدولي والشرعية الدولية، وانقلبت على الاتفاقات الموقعة وما زالت مستمرة في احتلال الأرض وهدم البيوت وتدنيس المقدسات ومحاصرة شعب بكامله، وتمارس كل أشكال الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني!.
الحق بمقاومة الاحتلال ليس بدعة فلسطينية بل مبدأ قانوني وأخلاقي وإنساني نصت عليه كل الشرائع الدولية والوضعية والدينية، كما أن الاستعمار نهج نبذته أمم العالم وأكدت عليه الأمم المتحدة في ميثاقها وفي مواثيق وقرارات وتوصيات لاحقة للميثاق. ولأن كل دول العالم باتت اليوم تبرر تصرفاتها وسياساتها الخارجية بأنها تندرج في إطار القانون الدولي والشرعية الدولية ومحاربة الإرهاب، فموقف الشرعية الدولية من الاستعمار ومن حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال واضح وموثق في نصوص وقرارات عديدة، وإسرائيل الدولة الاستعمارية الوحيدة المتبقية في العالم، والإرهاب الصهيوني نهج متواصل ولم يتوقف منذ 1948 حتى اليوم، وقد أقرت لجان تحقيق دولية أن إسرائيل تمارس جرائم حرب ضد الفلسطينيين.
إنه مما يتجافى ليس فقط مع الشرعية الدولية بل ومع العقل والمنطق أن تتشكل تحالفات لمواجهة أنظمة مستبدة، ولا تقوم بالأمر نفسه لمواجهة دولة احتلال، فأيهما أكثر خطورة، احتلال أرض وسلب حرية شعب بكامله؟ أم خضوع شعب لنظام استبدادي؟. وإذا كانت الأنظمة الاستبدادية، من وجهة نظر دول التحالفات، صنعت جماعات العنف ومسئولة عنها فإن الاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية زعزعة الاستقرار في المنطقة وعن عنف الفلسطينيين، لأن عنفهم يندرج في إطار حق الدفاع عن النفس.
فهل يُعقل أن تتحالف دول العالم الغربي والشرقي والإسلامي وتتدخل لمحاربة جماعات إرهابية وتتجاهل الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، وخصوصا أن الممارسات والسياسات الإسرائيلية مسئولة أيضا عن الإرهاب المنتشر في العالم؟ ومتى سيتشكل تحالف عربي أو إسلامي أو دولي لحماية الشعب الفلسطيني وللتصدي للإرهاب الصهيوني ولإنهاء الاحتلال؟.
قد تتذرع بعض الدول وخصوصا العربية والإسلامية بالانقسام الفلسطيني لتبرير تقصيرهم في دعم مقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني، وفي تبرير غياب حتى التفكير بتشكيل تحالف عسكري لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي! ونقول لهؤلاء إنهم تدخلوا في سوريا والعراق وليبيا واليمن، منفردين ومن خلال تحالفات عسكرية، في ظل انقسام قوى المعارضة التي تحارب إما النظام أو الجماعات (الإرهابية) أو بعضها البعض، وبرروا تدخلهم بأنه دفاع عن الشعب وعن قضية عادلة وليس عن جماعة أو حزب بعينه، والقضية الفلسطينية من اعدل القضايا الإنسانية والدولية، والانقسام الفلسطيني ليس بدرجة وخطورة الانقسام في سوريا أو ليبيا مثلا.
اضف تعليق