في اواخر شهر أكتوبر الماضي، أعلنت روسيا ان وفدا من "الجيش السوري الحر" زار موسكو للتنسيق حول مستقبل سوريا... ليعلن الكرملين قبل أيام ان بلاده "تدعم الجيش السوري الحر المعارض وتقدم له الأسلحة والذخيرة والدعم الجوي في عمليات مشتركة مع القوات السورية النظامية في مواجهة تنظيم (داعش)"، بعد ان استلمت روسيا من الجيش الحر قائمة بمواقع "إرهابية" ليتم قصفها من قبل الطيران الحربي الروسي... كما تطور هذا الامر الى التعاون قوات الجيش الحر (التي يبلغ قوامها 5000 الاف مقاتل بحسب التصريحات الرسمية الروسية) مع الجيش النظامي السوري في مناطق النزاع في محافظات حمص وحماة وحلب والرقة.
سبق هذه الخطوة "العسكرية" لقاءات "دبلوماسية" عقدت عليها بعض الآمال، خصوصا مع وجود اهم الأطراف المؤثرة في الازمة (الولايات المتحدة الامريكية، روسيا، السعودية، تركيا) إضافة الى إيران، التي اعتبر وجودها ضروريا لكسر الجمود بعد فشل اغلب المؤتمرات السابقة، ويبدو ان هذا اللقاء "الدبلوماسي" كان ضروريا لاختبار مدى استعداد الأطراف الأخرى لتقديم تنازلات في سبيل الوصول الى "حل سياسي" ينهي الازمة القائمة منذ سنوات.
احدى النقاط الخلافية التي زادت من حدة التباعد بين وجه النظر السعودية-التركية امام الطرف الروسي-الإيراني، لم تكن مسألة رحيل "الأسد" عن السلطة، باعتبار ان تغيير "الأشخاص" او "العناوين" ليست بالمسألة بالغة التعقيد... بل كانت حول "طبيعة" النظام ومن سيشارك في صياغته في نهاية المطاف او عندما تضع الحرب اوزارها.
ومع هذا كان "الأسد" العنوان الأبرز لسبب الخلاف قبل وبعد المفاوضات التي شاركت فيها أكثر من 10 دول، الا انها حسمت بموقفين:
- الموقف التركي الذي بانت ملامح تقاطعه مع الجانب الاخر، سيما وانه رفض الوجود الروسي وبقاء النظام السوري ككل، إضافة الى تبنيه لعنوان التدخل المباشر (خصوصا العسكري) في الازمة السورية، وكانت من نتائجه اسقاط الطائرة الحربية الروسية وإدخال القوات التركية الى شمال العراق، وما سبقها من دعم للجماعات المسلحة "الإرهابية" داخل سوريا لفرض واقع الحال وخلط الأوراق فيها، فيما دعمت السعودية هذا الموقف عبر مؤتمر موسع للمعارضة السورية بعد ان اشركت جهات مسلحة مصنفة على انها إرهابية، مقابل استبعاد جهات معارضة أخرى، خصوصا من معارضة الداخل، وهو ما أكده بيان وزارة الخارجية الروسية بالقول "إن الاجتماع الذي عقدته جماعات سورية معارضة في الرياض... لم يمثل كل أطراف المعارضة في البلاد".
- الموقف الروسي الذي بادر الى التحرك بعيدا عن الجانب التركي-السعودي، بعد فشل التوصل الى تقارب في وجهات النظر، وهو ما أشرنا اليه في بداية الكلام عن الدعم الروسي للجيش السوري الحر، إضافة الى التعاون مع فرنسا (التي تغير تكتيكها العسكري والسياسي بعد هجمات باريس الأخيرة) والولايات المتحدة الامريكية... خصوصا بعد التصعيد التركي ضدها، وقد هدد الرئيس الروسي "بوتين" بـ"تدمير فوري لأي هدف يهدد القوات الروسية أو بنيتنا الأساسية الأرضية"... فيما أوضح رؤيته السياسية بالقول ان "مصير الرئيس السوري بيد الشعب السوري"...
قادة تركيا التي وصفتهم الخارجية الروسية بأنهم "انفصلوا انفصالا كاملا عن الواقع المعاش في المنطقة"... او كما اتهمهم بوتين بذهاب "العقل"... دخلوا المنطقة "الحرجة" بالنسبة للروس، وهم يحاولون بشتى الوسائل الحصول على جزء من التسوية الدولية المفترضة للازمة السورية المقبلة، بل يحاولون الحصول على جزء كبير منها، ربما على حساب روسيا والولايات المتحدة الامريكية أيضا... وهنا بدء الصراع المخفي سابقا يتحول الى صراع يلعب فيه الجميع بأوراق مكشوفة تماما بخطوات وتصريحات لا تحتاج الى تأويل...
وبحسب الظاهر فان التقاطع بين الموقفين كبير للغاية ولا يمكن ردم الهوة الواسعة فيما بينهما، اما الولايات المتحدة الامريكية التي ترغب باحتواء تنظيم داعش أولا وحل الازمة السورية بشكل سياسي ثانيا، مع ضمان مصالحها الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، فيبدو انها ترفض مبدأ اقحام تطبيق نظام مستنسخ قد تفرضه تركيا او السعودية بالقوة في سوريا.
لذلك يرى الكثير من المراقبين ان سقوط أحد الطرفين امام الاخر هو النتيجة الحتمية المقبلة، وان التصعيد الأخير من قبل هذه الأطراف هو مجرد بداية للعبة سياسية وعسكرية أكثر عنفا قد تنتهي بكسر العظم (التركي) وصولا الى تسوية سياسية في سوريا قد تشمل رحيل الأسد مع بقاء "الدولة المدنية" التي يرغب في بقائها الجانب الأمريكي والروسي.
اضف تعليق