التغيير الناجح للوضع والمشهد السياسي يأتي ضمن أطر الديمقراطية وشروطها عبر صناديق الاقتراع حصرا، لكن بالتدقيق والتمحيص بالمرشح واختيار الكفوء النزيه المهني المستقل، فهو الطريق الاسلم للتغيير حاليا، وان كان نسبيا وقد لا يؤثر بالمشهد العام للدورة المقبلة لكنه افضل وايسر الطريق بديلا عن التغيير السريع الذي قد يودي...

مع قرب الانتخابات التشريعية في العراق المزمع اجرائها في الحادي عشر من تشرين الثاني المقبل، يتصارع فريقين المشهد:

الفريق الاول – دعاة المقاطعة: وهؤلاء جبهة عريضة ضمن النظام الديمقراطي، وتكبر مع الاسف مع كل دورة انتخابية جديدة لأسباب منها: اهتزاز الثقة بالمنظومة السياسية اولا؛. غياب البديل الناجح ثانيا؛. اليأس من التغيير عبر صناديق الاقتراع ثالثا؛. وتفشي الفساد في جسد الدولة رابعا؛. فاتجهوا الى المقاطعة والابتعاد عن المشاركة، وهم جبهة عريضة لا يمكن اغفالها واغلبها من الوسط والجنوب.

الفريق الثاني- دعاة التغيير: وهؤلاء فريق صغير في المجتمع العراقي لا يؤمن بالعملية السياسية، بدأ يكبر مع تسلم ترامب للرئاسة الأمريكية في دورته الثانية، ورغم قلة مساحة تأثير هذا الفريق الا انه خطر جدا لان له قدرة على التأثير في المشهد لعدة اسباب، منها:

اغلبه من داخل النظام السياسي نفسه ممن تضرروا او فقدوا مكاسبهم وامتيازاتهم السابقة.

يتمتعون بعلاقات واسعة داخل المجتمع العراقي وبالذات مع منظمات المجتمع المدني ذات التأثير.

والاهم لهم علاقات متينة ودعم خارجي واضح.

والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف نوازن بين فئة واسعة تقاطع بسبب فقدان الامل بالتغيير او غياب البديل؟ وبين فئة قليلة تريد التغيير حتى لو كان من الخارج؟.

للإجابة على هذا التساؤل لا بد ان نحدد وسائل التغيير، وهي كالآتي بالنسبة للعراق:

– الثورة: وهي لا تصلح للعراق في الوقت الحاضر لان الظروف الموضوعية غير متوفرة وبسبب تنوع المجتمع العراقي وغياب القيادة التي يتفق عليها الجميع، وموقع العراق الجيوسياسي في المنطقة، فان أي أحد لن يدعم فكرة الثورة بالعراق لا من الداخل ولا من الخارج… ولنا مثال في ثورة تموز 1958 التي لم تقود العراق الا الى مزيد من الانقلابات والحروب والدمار بعد عهد طويل من الاستقرار في العهد الملكي.

– الانقلاب: وايضا هو غير وارد في العراق بسبب تعدد مراكز القوى وانتشار السلاح، مما سيؤدي بدون أدنى شك الى اقتتال داخلي ولنا في السودان الحالي خير مثال.

– التظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني: وهي واردة جدا مع توسع جبهة المقاطعين، وممكن ان تحدث باي وقت… لكنها ستعطل الحياة العامة وتزيد من بوادر الفوضى، ولنا في تشرين 2019 أقرب مثال ولم يكن له أي نتائج ملموسة على الواقع.

– التغيير بتدخل خارجي: ايضا وارد، لكن بعد تجربة العراق عام 2003 عزفت الدول الكبرى عن التدخل المباشر واتجهت الى الحرب الناعمة بديلا عنه… ولنا في التغيير الاخير بسوريا بدفع من تركيا مثال حي، فبعد عام من التغيير بسوريا ما زالت بوادر الفقر وعدم الاستقرار والتناحر الداخلي وتشتت البلد هي المسيطرة على المشهد هناك.

تجربة ديمقراطية

اذن ما الحل؟. هل اغلقت الطرق بوجه التغيير!!!. هل يبقى الحال على ما هو عليه؟.

ان دوام الحال من المحال… وهي قاعدة اساسية في الحياة والعمل، ولما كانت التجربة الديمقراطية في العراق جاءت بمؤثر وتدخل خارجي، فيمكن ان يعتريها كثير من الأخطاء وهو ما يحصل الان… لكن المقاطعة ليست الخيار الصحيح ولو في الوقت الحالي.

اننا بحاجة ماسة الى توسيع المشاركة في الانتخابات وتقليص جبهة المقاطعين على حساب دعاة التغيير الطارئين، لان الاول يريد التغيير لكنه يمتنع عن ممارسة حقه الدستوري وهو ضمن العملية الديمقراطية فلو توفر له الأمل بالتغيير وصلح البديل وتحسنت معايشه لتدافع الى صندوق الاقتراع مع أقرب فرصة.

ان التغيير الناجح للوضع والمشهد السياسي يأتي ضمن أطر الديمقراطية وشروطها عبر صناديق الاقتراع حصرا، لكن بالتدقيق والتمحيص بالمرشح واختيار الكفوء النزيه المهني المستقل، فهو الطريق الاسلم للتغيير حاليا، وان كان نسبيا وقد لا يؤثر بالمشهد العام للدورة المقبلة لكنه افضل وايسر الطريق بديلا عن التغيير السريع الذي قد يودي بكل البلاد في اتون وضع لا يعلمه إلا الله.

اضف تعليق