تتمثل الرقابة السابقة على القوانين في مجلس الدولة في فحص مشروعات النصوص القانونية والتنظيمية قبل صدورها، حيث يُبدي مجلس الدولة رأيه بشأن مدى توافقها مع القواعد القانونية السارية، وخصوصاً المبادئ الدستورية، ورغم أن هذا الرأي قد يكون غير ملزم في بعض النظم، إلا أنه ذو حجية عالية ويُؤخذ...

يُعد مجلس الدولة مؤسسة محورية في المنظومة القضائية والإدارية للدول التي تعتمد نظام القضاء المزدوج، حيث يُناط به دور رقابي وقضائي في آنٍ معاً، فهو من جهة يُمارس رقابة قانونية على مشروعات التشريعات والقرارات التنظيمية، ومن جهة أخرى يُفصل في النزاعات ذات الطابع الإداري، ما يجعله صمام أمان لحماية مبدأ المشروعية، وترسيخ دولة القانون.

 وتبرز أهمية دوره الرقابي في كونه الوسيلة التي تضمن اتساق القوانين والقرارات مع الدستور والقانون، وتحول دون تغوّل الإدارة على الحقوق والحريات، ويُعدّ في بعض الدول (مثل فرنسا ومصر والجزائر) أعلى هيئة للقضاء الإداري، كما تضطلع بدور استشاري للحكومة في صياغة النصوص القانونية.

 يتوزع عمل مجلس الدولة على محورين رئيسيين الوظيفة القضائية حيث ينظر في الطعون المرفوعة ضد القرارات الإدارية، ويبتّ في المنازعات الإدارية ذات الطابع العام، والوظيفة الاستشارية أو الرقابية القانونية حيث يُراجع مشروعات القوانين والمراسيم التنظيمية واللوائح الإدارية قبل إصدارها، لضمان مطابقتها للقانون.

تتمثل الرقابة السابقة على القوانين في مجلس الدولة في فحص مشروعات النصوص القانونية والتنظيمية قبل صدورها، حيث يُبدي مجلس الدولة رأيه بشأن مدى توافقها مع القواعد القانونية السارية، وخصوصاً المبادئ الدستورية، ورغم أن هذا الرأي قد يكون غير ملزم في بعض النظم، إلا أنه ذو حجية عالية ويُؤخذ به غالباً، وللمجلس أهداف رقابية قانونية على التشريعات لسلامة وضمان مطابقة التشريعات لمبدأ المشروعية والحد من التضارب بين النصوص القانونية، وتحقيق الانسجام بين النصوص الجديدة والمنظومة القانونية القائمة، وحماية الحقوق والحريات الأساسية من الانتهاك التشريعي غير المقصود.

ففي فرنسا، يُعد مجلس الدولة هيئة استشارية للحكومة في صياغة مشروعات القوانين والمراسيم، وتُعرض عليه غالبية النصوص التنظيمية قبل صدورها، أما في مصر، يختص قسم التشريع في مجلس الدولة بمراجعة مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية والوزارية، ويُعدّ رأيه ملزماً في بعض الحالات.

أما الرقابة القانونية على القرارات الإدارية فهو من متطلبات مبدأ المشروعية أن تلتزم الإدارة في جميع أعمالها بأحكام القانون، سواء من حيث الاختصاص، أو الشكل، أو الإجراءات، أو السبب، أو الهدف، ومجلس الدولة يُمارس رقابة قانونية تامة على مدى التزام الإدارة بهذا المبدأ، وأما أنواع القرارات التي تخضع للرقابة فهي القرارات الإدارية الفردية (مثل قرارات التعيين أو النقل أو الفصل)، والقرارات التنظيمية (كإصدار لوائح تنظيمية من الجهات الإدارية)، والقرارات التأديبية أو العقابية والتي قد تمس حقوق الأفراد بشكل مباشر.

وتتعدد أشكال الرقابة القضائية لمجلس الدولة فمنها رقابة الإلغاء أي الحكم بعدم مشروعية القرار الإداري وإلغائه بأثر رجعي، ورقابة التعويض أي جبر الضرر الذي قد ينجم عن القرار غير المشروع، ورقابة الامتناع إي إلغاء امتناع الإدارة عن اتخاذ قرار كان لزاماً عليها اتخاذه، وفي هذا السياق فإن حجية الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة بقوة تنفيذية ملزمة للإدارة، ويُنظر إليها كمصدر لتطوير الفقه الإداري، لما تتضمنه من اجتهادات تفسيرية في مجال القانون العام.

أما الأثر الوقائي والحمائي لدور المجلس فيلعب مجلس الدولة دوراً وقائياً بالغ الأهمية من خلال منع صدور نصوص أو قرارات غير مشروعة، الرقابة على حسن استعمال السلطة التقديرية، ضمان توازن العلاقة بين الإدارة والمواطن، تكريس مبادئ العدالة الإدارية وحماية الحقوق الأساسية.

لكن هنالك تحديات تواجه مجلس الدولة في عمله منها ما ينشأ بسبب بطء الإجراءات فقد تعاني بعض المجالس من تراكم الملفات وبُطء البت في النزاعات، ما يُضعف من فعاليتها الآنية، ومنها ما يتعلق بتضييق الاختصاصات أو التدخل السياسي ففي بعض الدول، قد تُحد صلاحيات مجلس الدولة أو يُقيّد دوره الاستشاري لصالح السلطة التنفيذية، أو منها ما يكون بسبب ضعف الثقافة القانونية في الإدارة وعدم وعي الإدارات العامة بقرارات المجلس أو تجاهلها أحياناً، يؤدي إلى تكرار المخالفات، ما يُضاعف الأعباء على المجلس.

ختامًا- يُمثل مجلس الدولة ركيزة أساسية في صون مبدأ المشروعية، ومراقبة أداء السلطة الإدارية والتشريعية، بما يضمن احترام القانون وحماية الحقوق، ومن خلال دوره المزدوج كقاضٍ ومستشار، فإنه يُجسّد مبدأ الدولة القانونية، ويُسهم في بناء إدارة رشيدة تُمارس سلطاتها ضمن حدود القانون، إن دعم استقلالية المجلس، وتعزيز وعي الإدارات بقراراته، وضمان سرعة وفعالية إجراءاته، تُعدّ من أولويات تعزيز حكم القانون وترسيخ العدالة الإدارية في أي دولة، والمجلس هو الغاية المنشودة والوسيلة المحمودة.

* الدكتورة جمانة جاسم الأسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية في جامعة كربلاء


اضف تعليق