في سبتمبر/ أيلول الماضي أعلن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" من على منبر الأمم المتحدة، في ظهور نادر لبوتين، ضرورة "إقامة تحالف دولي موحد" يستهدف القضاء على تنظيم "داعش" وجميع الحركات والمنظمات المتطرفة الأخرى العاملة في سوريا... في ذلك الوقت كان الجميع يتحدثون عن التدخل الروسي في سوريا جاء بهدف لإنقاذ نظام "الأسد" كحليف لروسيا التي فقدت معظم نفوذها في الشرق الأوسط والبحر المتوسط لصالح الولايات المتحدة الامريكية وأطراف أخرى، وان مراهنة روسيا لانعاش "الأسد" خاطئة وستودي للمزيد من التوتر والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.
في ذلك الوقت كانت معظم الدول الاوربية منزعجة من هذا التدخل الروسي، بخلاف الولايات المتحدة الامريكية، وتحديدا الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، الذي لم يكن على عجلة من امره في التحرك ضد التدخل الروسي، او حتى دعوات "بوتين" لإقامة تحالف موازي للتحالف الدولي الذي تشكل بإرادة أمريكية... ومع ان سبب التوتر الأوربي-الروسي له ما يبرره بعد ازمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، الا ان أسباب أخرى قد دفعت لتنامي الخلاف حول ملفات معقدة في الشرق الأوسط، ومنها الملف السوري على سبيل المثال، خصوصا وان دولا خليجية حليفة لاوربا كانت لا ترغب باي دور للروس، في مناطق يحاولون ضمها الى مناطق نفوذهم بعيدا عن روسيا.
هذه التقاطعات تحولت الى قناعات بجدوى العمل العسكري القائم حاليا في سوريا، والتي كانت سببا في التزام الولايات المتحدة الامريكية الصمت، خصوصا بعد هجمات باريس الأخيرة، والتي كشفت ضعفا حادا لدى بعض الدول الاوربية في التعامل مع الازمة التي يمكن ان يتسبب بها الإرهاب العالمي وتحديدا داخل القارة العجوز... بمعنى ان القناعة الاوربية (وبالأخص لدى فرنسا) بضرورة التعاون مع الأطراف الفاعلة (مثل روسيا) لم تتولد بسبب الهجوم وانما لحجم الخطر الذي قد أحاط اوربا والإرهاب المتجه نحو عموم اوربا ليس لان الموقف الروسي صحيح بنسبة 100% وانما بسبب السياسات الخاطئة التي اتبعتها فرنسا وغيرها في إدارة الملف السوري وطبيعة تحالفها مع الجهات التي اضرت بها.
الاستدارة الفرنسية نحو روسيا ربما جاءت على هذا الأساس، وهو ما رجح ظنون سابقة بوجود اتفاق مسبق بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية للتنسيق في الحلبة السورية، وإقناع الاوربيين بتغيير مواقفهم السابقة، والتي تقاطعت بمجملها مع الاستراتيجية الامريكية لحل الازمة السورية، سيما وان وجود تنظيم داعش ومن يقف خلفة والدعم الذي تلقاه ومتى وكيف سينتهي كلها علامات استفهام واخلاف بين الجانب الأوربي والجانب الأمريكي قبل بروز الدور الروسي كطرف ثالث في الازمة.
فرنسا التي أبدت مرونة كبيرة للتعاون مع روسيا، إضافة الى ترحيب الولايات المتحدة الامريكية بالتعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب والقضاء على داعش، والتي قد تصل الى مستوى متقدم عبر إقامة تحالف دولي أوسع قد يفعل بقرار من الأمم المتحدة، كلها تعني ان التحالفات السابقة (ضيقة الأفق) انحسرت بصورة تدريجية، مقابل تحالفات أوسع يمكن ان تكون أكثر فاعلية في احتواء تمدد داعش تمهيدا لإنهاء سيطرته على الأراضي العراقية والسورية، والتي بدورها يمكن ان تعطي شحنه من الامل للتوصل الى اتفاق سياسي ينهي الازمة السورية ويحدد الخطوط العامة لإيقاف حرب أهلية دامية استمرت لخمس سنوات.
كل هذا يمكن ان يعطي نتائج ملموسة على ارض الواقع في حال لم تتحرك الأطراف الأخرى بالضد من التحرك المشترك، الذي قد يشكل ضربة لمصالحها الخاصة في سوريا او الشرق الأوسط بصورة عامة، لذلك فان الأيام القادمة ستكون مهمة في تقييم الاتفاقات التي سترى النور بعد جولة الزيارات والمفاوضات الفرنسية او الروسية او الامريكية، ومدى صمودها امام التحالفات المضادة.
اضف تعليق